الدرر الفقهیه فی شرح اللمعه الدمشقیه المجلد 9

اشارة

سرشناسه : کاظمی، ماجد، محقق

عنوان و نام پدیدآور : الدرر الفقهیة فی شرح اللمعة الدمشقیة/ تالیف ماجد الکاظمی. الشارح

مشخصات نشر : قم: دارالهدی، 1394. 1437 ه_ ق

مشخصات ظاهری : 124 ص.

8 - 416 - 497 - 964 - 978 (دورة)

وضعیت فهرست نویسی : برون سپاری.

یادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

582 ص, عربی.

الفهرسة طبق نظام فیبا

الموضوع: الشهید الاول, محمد بن مکی، 734 - 786  ق. اللمعة الدمشقیة - النقد و التفسیر.

الموضوع: الفقه الجعفری القرن 8 ق.

التعریف الاضافی: الشهید الاول, محمد بن مکی، 734 - 786 ق. اللمعة الدمشقیة - الشرح.

الایداع فی المکتبة الوطنیة:

1394, 804223  ل 9 ش / 3 / 182 BP

342 / 297 - 3867721

ص: 1

اشارة

الدرر الفقهیة

فی ش__________رح

اللمعة الدمشقیة

کتاب

المکاسب المحرمة

الجزء التاسع

ایة الله الشیخ ماجد الکاظمی

ص:2

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمدلله الواحد الاحد الفرد الصمد و اشهد ان لا اله الا الله و ان محمداً عبده و رسوله و ان الائمة من بعده ائمةً و سادةً و قادةً و منار الهدی من تمسک بهم لحق و من تخلف عنهم غرق اللهم صل علی محمد و علی ال محمد الطیبین الابرار .

 

المقدمة فی باب العقود

مفهوم الملک

لا اشکال فی کون الملک نوع علاقة بین المالک و المملوک الّا انه قد جاء فی کلمات بعض الفقهاء البحث عن ان الملک هل هو من الاعراض المقولیة العارضة علی المالک أو المملوک؟ أو من الامور الانتزاعیة التی تنتزع من الحکم التکلیفی أو هو امر اعتباری مجهول بجعل الجاعل فی عرض سائر الامور الاعتباریة؟ و الصحیح هو الثالث وانه نوع اضافة اعتباریة بین المالک و المملوک أو فقل سلطنة اعتباریة حیث انه من الواضح انه لیست من الامور الواقعیة کالاعراض المتأصلة

ص:3

بالخارج و لم یدع ذلک احد عدا ما جاء فی لسان مقرر بحث المحقق النائینی من انه جدة اعتباریة(1) فی عرض کونه سلطنة أو نوع اضافة اعتباریة هذا و قد اجاب عن اصل مقولة الجدة السید الصدر(ره) باننا لم ندرک لها معنی متحصلاً و ذکر ان الفلاسفة ایضا لم یدرکوا لها معنی محصلاً مستشهدا بکلام ابن سینا حیث قال: انه لم یعرف معنی متحصلا للجدة(2) اقول لکن من الواضح انه لیس مقصود المحقق النائینی هو المعنی الفلسفی من الجدة بقرینة قوله اعتباریة نعم تسامح فی التعبیر و الا فلوکان مقصوده المعنی الفلسفی فانه امر حقیقی و واقعی و لا معنی لان یردفه بانه اعتباری و اما انه لیس متنزعاً من الحکم التکلیفی فان الملکیة تقع عقلائیاً وشرعا موضوعا للحکم التکلیفی فلا یعقل انتزاعها منه وتأخرها عنه.

فالصحیح ان الملکیة من الامور الاعتباریة و المجهولة بدلالة الوجدان و هذا فی نهایة الوضوح.(3)

المصادر الاولیة للملک

اقول: لا یهمنا البحث عن المصادر الاولیة للملک و التی قد حصرها المحقق الخوئی(4) بمنشأین الحیازة والصنع وما یلحق به من اعمال و اورد علیه السید الصدر

ص:4


1- منیة  الطالب ج/1 ص25
2- فقه العقود ج/1 ص271 الهامش(2)
3- فقه العقود ج/1 ص25 و ص26
4- محاضرات فی الفقه الجعفری ج/2 ص7و ص8

(ره)(1) وحصرها بالحیازة و العلاج و ما توسع به العقلاء فی باب الحیازة، فان المهم هو البناء العقلائی علی الملکیة و امضاء الشرع المقدس لها بعدم الردع و البناء العقلائی واضح لا غبار علیه وکلما حصل الشک فیه فالاصل هو العدم حتی یعلم البناء علی ذلک و علیه تتضح ملکیة الاعمال بما لاغموض فیه .

ملکیة الاعمال

ملکیة الاعمال: فان الانسان مالک لاعماله ملکیةً حقیقیة بمعنی سلطنته التکوینیة علیها و انها اولی بعمله بلحاظ الفعل و الترک من غیره وهذه المالکیة تقع مورداً لرغبة العقلاء و بذلک یقع علیها التعامل و حاله کحال ملکیة المنافع بالنسبة للعین فکما ان العین اذا ما لو حظت بکاملها کأن تباع کانت لها قیمة واحدة بما لها من منافع و اذا ما حصل التفکیک بینها و بین العین کأن تستأجر العین کان للمنافع قیمة غیر قیمة العین و مالکیة الانسان لاعماله و ان کانت حقیقیة الا انها لیست ماثلة فی الخارج حتی یقع التعامل علیها بل یلحظها کالموجودة ثم یوقعون المعاملة علیها فالحاصل ان مالکیة الاعمال التی یقع التعامل علیها نوع اعتبار عقلائی ومجعولة من قبل العقلاء وبعد التعامل علیها تصبح مملوکة للغیر بالملکیة الاعتباریة کما هو شأن العقود عقلائیاً .

ویبقی سؤال الفرق بین ضمان منافع العبد عند غصب العبد و عدم ضمان منافع الحر، (بناءً علی ثبوت هذه الفتوی)؟

ص:5


1- فقه العقود ج/1 ص32

اقول: لا شک بالضمان بالاتلاف حتی بالنسبة للحر کما انه یضمنه بالحیازة  فلو قلنا ان العقلاء یرون اندکاک منافع الحر بشخصه فلا ضمان بخلاف العبد حیث لا یرون منافعه مندکة بشخصه اما لو قلنا ان منافع الحر لیست مندکة بشخص الحر الا انها لا یصدق علیها بالحبس الاتلاف و الاستیفاء و لذا فلا تضمن نعم یصدق التفویت الا ان یدعی انه شیء اخر غیر الاتلاف و لا یسری الیه حکم الاتلاف و یکفی فی عدم کون التفویت مثل الاتلاف حکماً الشک فی ذلک نعم لوحصل القطع بعدم الفرق بینهما و انهما شیء واحد فلابد من الحکم بالضمان بمقتضی القاعدة.

ملکیة الذمم: و اما الذمم فالذمة عبارة عن وعاء و ظرف اعتباری اعتبره العقلاء للاموال التی لا وجود لها فی الخارج فان العقلاء باعتبار انهم لدیهم توسعات بمقتضی مصالحهم و تختلف الذمة عن العهدة بانها وعاء للاموال الکلیة و الرمزیة التی قلنا انها لا وجود لها فی الخارج و اما العهدة فمتعلقها الاموال الخارجیة فهی عبارة عن الزام عقلائی بأداء تلک الاموال فالفرق بینهما هو نفس الفرق بین الحکم التکلیفی و لعل هذا هو مقصود المحقق النائینی(1).

ملکیة المنافع: و حیث ان للاعیان قابلیة الانتفاع مع قطع النظر عن تملک العین فهذه القابلیة هی المنفعة و هی امر حقیقی کما تقدم فی ملکیة الاعمال هذا و الفرق بین المنفعة و الانتفاع هو الفرق بین المصدر و اسم المصدر فالانتفاع هو المصدر و هو نفس الاستفادة و المنفعة هی اسم المصدر و بعد لحاظ العقلاء لها

ص:6


1- فقه العقود ج/1 ص51

و وقوع المعاملة علیها یمتلکها العاقد علیها فمالکیة المنفعة کمالکیة الاعمال امر اعتباری مجعول من قبل العقلاء نعم منشأها امر حقیقی و هی القابلیة التی تحظی بها العین کما فی مالکیة الاعمال و بذلک یظهر ضعف الاشکالات التی أوردها المحقق الاصفهانی حول مالکیة المنافع کما و یظهر عدم الفرق بین ملک المنفعة و الانتفاع و انما الفرق بینهما هو الفرق بین المصدر و اسم المصدر.

مالکیة الجهات

مالکیة الجهات: کان الکلام عن المالکیة الشخصیة و التی یعبر عنها بالمالکیة الحقیقیة و هنالک نوع اخر من المالکیة هی مالکیة الجهة و هی حسب الاستقراء: الاوقاف و الزکاة و الخمس و الدولة یعنی ما یرتبط بمنصب الامامة کالانفال، و مالکیة عموم المسلمین کالاراضی العامرة المفتوحة عتوة و هذا التنویع جاء نتیجة اختلاف احکام هذه الموارد الذی یستکشف منه اختلاف انواع مالکیة الجهات هذا وأصل اعتبار المالکیة للجهة امر عقلائی و مجعول لدی العقلاء الا ان هذا الذی امضی من قبل الشرع المقدس هو ما مر ذکره.

 و اما الشخصیات الحقوقیة والمعنویة من قبیل الجمعیات و الشرکات و المؤسسات و التی یفرض لها شخصیة حقوقیةخارجة عن شخصیة افرادها الحقیقیة کما و ان المفروض انها خارجة عن الوقف و توابعه فهل هنالک من ادلة تقتضی صحة هذه الشخصیات الحقوقیة؟

ص:7

و الجواب: انه لم یحصل دلیل لاثبات هذه الشخصیات الحقوقیة و المعنویة و قد یقال بوجود ثلاثة طرق لتصحیحها وهی:

الاول: التمسک بامضاء الشارع للسیرة العقلائیة و عدم ردعها .

 الثانی: التمسک باطلاقات ادلة العقود .

 الثالث: التمسک بولایة الفقیه.

 اقول: ولیس شیء من هذه الطرق یفی بالغرض و المطلوب و ذلک لعدم السیرة وعدم وجود تلک الارتکازات العقلائیة فی زمن الائمة علیهم السلام حتی یقال بأمضائها و عدم ردعها و اما التمسک  بالاطلاقات فیتوقف علی وجود الموضوع لها و الموضوع غیر محقق و ذلک لان لهذه الشخصیات الحقوقیة مع افتراض بطلانها شخصیات حقیقیة فهی راجعة الی شخصیات حقیقیة و تلک یکون بیعها مورداً للاطلاقات الواردة اما فرض موضوع غیر حقیقی أو بتعبیر اخر تشریع موضوع لم یعلم من الشرع تشریعه و امضاؤه و لم یکن فی زمان المعصوم (علیه السلام) حتی یتمسک بتلک الاطلاقات لتصحیحه وکذلک الطریق الثالث فإن مبدأ ولایة الفقیه لیس مشرعاً و انما هو مطبق لما جاء فی الاسلام و ادلة ولایة الفقیه قاصرة عن اثبات تشریع ما لم یعلم من الشرع تشریعه و بذلک یظهر الجواب عما قد یقال بأننا نعمِل ولایة الفقیه بلحاظ آثار(1) تلک الشخصیات الحقوقیة.

ص:8


1- فقه العقود ج/1 ص104

مفهوم المال

مفهوم المال (هو ما یرغب بامتلاکه العقلاء ذاتاً امتلاکاً غیر محرم) و هذا التعریف یدخل فیه ما لا یرغب فیه عامة العقلاء و انما یرغبه بعض الناس فهو مال عرفاً خلافاً لمن اشترط فی المالیة الرغبة العامة للعقلاء و الفرض من قید ذاتا ادخال الوقف و امثاله الذی امتنع بیعه لعارض و هو الوقفیة واما قید عدم الحرمة فلأخراج الخمر و امثاله مما هی لیست مالاً شرعاً و ان کانت مالاً عرفا، و هذا التعریف لا یشمل الحق لان الحق سلطنة فی عرض الملک،والمال ما یتعلق بالاملاک فلا یشمل الحق.

مفهوم الحق

مفهوم الحق: ذکر المحقق النائینی: (ان الحق سلطنة ضعیفة علی المال و السلطنة علی المنفعة اقوی منها و الاقوی منهما السلطنة علی العین) (1)اقول: حقیقة الحق هی السلطنة المحدودة ببعض الاثار کالانتفاع مثلاً و هی قائمة بنفس الشخص غیر قابلة للنقل و الانتقال و لا للاسقاط الا بدلیل خاص و لا دلیل علی ازید مما قلنا و بذلک یظهر ضعف ما عن المحقق النائینی (ره) حیث افاد ان قوام الحق بقبول الاسقاط لانه لولاه لم یکن هذا سلطنة لذی الحق بل هو حکم مفروض علیه فان السلطنة تعنی کون زمام امر الشیء بیده(2) وأورد علیه بان السلطنة علی الشیء تعنی

ص:9


1- فقه العقود ج/1 ص111- 646
2- فقه العقود ج/1 ص126 راجع منیة الطالب ص42 ج/1      

ان زمام الشیء بیده لا زمام الاسقاط وعدمه بیده واذا ما صح ما قال فلِم لا یقول بجواز نقله حیث ان زمام النقل ایضاً بیده و الملکیة وان کانت من نوع السلطنة ایضاً الا انها باعتبار العقلاء و امضاء المولی لها واجدة لتمام الاثار من الاسقاط و النقل و الانتقال و بذلک یظهر ایضا ضعف کلام المحقق النائینی من ان الحق علی اقسام:«فمنه مالا یقبل غیر الاسقاط کحق القذف و منه ما یقبل النقل بلا عوض کحق القسم أو بالعوض کحق التحجیر و منه ما یقبل الانتقال بالارث لا النقل کالخیار الخ»(1) بعد ما عرفت من ان هذه الاثار هی اثار الملک و السلطنة التامة و اما الحق فهو و ان کان فیه نوع تسلط الا انه محدود بأثر من الاثار لا مطلقاً و بذلک یظهر ضعف ما قیل من معقولیة نقل الحق کحق المضاجعة و انه لیس بمعنی المطالبة بالمضاجعة مع ذاک الرجل و انما معنی ذلک ان حق المضاجعة الذی کان لتلک الزوجة صار امره بید من نقل الیه الحق فبامکانه مثلاً اسقاطه و بإمکانه اعطاؤه لاحد الضرات الاخری أو مصالحته مع احدی الضرات ... (2)

هذا و قد یقال بان الحق عبارة عن اعتبار خاص یختلف عن اعتبار الملک و السلطنة و الولایة و انه فی عرضها مجعول بذاته مستشهداً علی ذلک بامور خمسة:

1- صدق الحق فی موارد لا یعتبرفیها الملک و لا السلطنة مثل حق الاولویة فی من سبق الی المسجد.

ص:10


1- فقه العقود ج/1 ص127؛ منیة الطالب ج/1 ص43
2- فقه العقود ج/1 ص127

1- انه قد تثبت السلطنة و لا یثبت الملک و لا الحق و ذلک من قبیل سلطنة الناس علی نفوسهم.

2- ان الملک فی جمیع الموارد اضافة بین المالک و المملوک و لا یتقوم بطرف ثالث اسمه المملوک علیه حتی فی باب الدین بینما الحق کثیرا ما یعتبر بین ذی الحق و من علیه الحق کما فی حق الاستحلاف للمدعی علی المنکر.

3- و یؤید ذلک ان الحق یعبر عن ادائه بأداء الحق بخلاف السلطنة و الملک فلا یقال ادی السلطنة أو الملک.

4- انهم قالوا: ان للمطیع علی الله تعالی حق الثواب بینما لا تعتبر الملکیة و لا السلطنة فی ذلک بالضرورة.(1)

و اجیب عن الاول: بانه لا یکون دلیلاً علی المدعی لانا فسرنا الحق بالسلطنة المحدودة کما فیمن سبق الی المسجد فان له السلطنة علی ذلک المکان فی مقابل من یرید ازاحته عنه و بناء علی ان الملک هو السلطنة ایضاً فقد رجع الحق الی الملک بلحاظ بعض الجهات و قد لا یکون المراد من الملکیة الضعیفة الا هذا المعنی.

و عن الثانی: بان ثبوت السلطنة الناس علی انفسهم من دون ملک أو حق فهذه هی سلطنة تکلیفیة أو عنوان منتزع منها و هی اجنبیة عن السلطنة الاعتباریة التی نبحث

ص:11


1- فقه العقود ج/1 ص118

عنها و العقلاء لا یجدون مبرراً فی اعتبار السلطنة للانسان علی نفسه و جوارحه  بعد ان کانت السلطنة التکوینیة الموجودة فی المقام  تکفی فی نظرهم لترتیب السلطنة التکلیفیة علیها.

و عن الثالث: بان الحق متقوم بمن علیه الحق دائماً لا احیاناً و انه لا فرق بینه و بین الملک فی مورد الدین و غیر الدین ففی الدین متقوم بالمملوک علیه و فرق الذمة عن المحفظة اضافتها الی الانسان وعدم امتلاکها الاستقلالیة التی تمتلکها المحفظة وکذلک غیر الدین فانه قد فرض فیه وجود المملوک علیه و لذا لو لم یکن فی العالم الاشخص واحد فلا حاجة الی فرض مالکیته للاموال .

نعم هنالک فرق لغوی بین الحق و الملک حیث قد لوحظ من علیه الحق فی الحق دون من علیه الملک فی الملک.

 و بذلک یظهر الجواب عن الاشکال الرابع حیث ان الحق قد اشرب لغویاً معنی الاضافة الی من علیه الحق بخلاف الملک فالفارق لغوی لا علاقة له بهویة السلطنتین.

و عن الخامس: ان استحقاق الثواب علی الله جل و علا فانما هو حق عقلی بمنطق العقل العملی و لیس حقاً وضعیاً بالمعنی الذی نبحثه.(1)

و یبقی تشخیص الفرق بین الحق و الحکم فقد انکر المحقق الخوئی الفرق بینهما و قال: «فاعطف نظرک هل تری فارقاً بین جواز قتل المشرک الذی یسمی حکما شرعیاً و بین سلطنة ولی الدم علی  قتل الذی یسمّی حقا شرعیاً بقبوله الاسقاط؟ و

ص:12


1- فقه العقود ج/1 ص120

هل تری فارقاً بین حق الحضانة و الابوة و الولایة و اشباهها مما لا یقبل الاسقاط و بین حق الشفعة و حق الخیار القابلین للاسقاط»(1) و ذکر انه لابد فی کل مورد من مراجعة دلیله.

و یفهم من کلام المحقق الاصفهانی کون الفرق بینهما حسب المرتکزات العقلائیة ان ما کان لرعایة حال من اعطی الامر بیده و لاجل مصلحته کحق التحجیر و حق الخیار فهو قابل للاسقاط فی نظرهم و کلما لم یکن کذلک فهو غیر قابل للاسقاط من قبیل الولایة المجعولة لمصلحته المولی علیه لا لمصلحة الولی والوصایة التی اعطاها المیت للوصی حفاظا علی مصلحته هو لاحفاظا علی مصلحة الوصی(2).

اقول: ما ذکرناه من الفارق فی نظر العقلاء لا یعدو عن کون صاحب الحق له ان لا یطالب بحقه لا اکثر و اما انه قادر علی اسقاط حقه بالمعنی الفقهی فهذا ما لا یفهم منهم بل لابد له من دلیل خاص و الا ای فرق بین جواز قتل الجانی قصاصاً الذی یعبر عنه بالحق و بین جواز الرجوع فی الهبة الذی یعبر عنه بالحکم؟

و الذی یبدو ان الفارق الجوهری بینهما لیس هو من حیث ان الحق قابل للاسقاط و الحکم لا یقبله بل ان الحق انما هو نوع سلطنة و هی لیست فی مقابل الحکم بل تکون متعلقا للحکم فالحق هو الحکم بالسلطنة و لیس هو شیئا قبال الحکم فقد یکون متعلق الحکم سلطنة و قد یکون فعلا و قد یکون ترکا و هکذا، و قد یقال

ص:13


1- المحاضرات ج/2 ص20؛ و مصباح الفقاهة ج/2 ص46
2- فقه العقود ج/1 ص137 عن تعلیقة ص12

بوجود الدلیل علی ان الحق قابل للاسقاط و هو صحیح محمد بن مسلم عن الباقر (علیه السلام) (قلت له رجل جنی الیّ اعفو عنه أو أرفعه الی السلطان قال: هو حقک ان عفوت عنه فحسن و ان رفعته الی الامام فانما طلبت حقک و کیف لک بالامام)(1) فقد قیل بظهورها فی ان له اسقاط حقه بالعفو عنه و الجواب ان ان الصحیحة ظاهرة فی ان لیس له المطالبة وعدو المطالبة خصوصا بقرینة الذیل واما الاسقاط بمعنی ان لیس له الرجوع بعد ما اسقط حقه فهذا ما لا یفهم منها.

و ان لم یکن له الرجوع فی هذا المورد فلدلیل خارج عن هذه الصحیحة کالتمسک بظهور الایة الدالة علی نفوذ العفو و لو بالاطلاق المقامی نعم ورد فی خبر ابی بردة الوارد فی بیع الارض الخراجیة جواز بیع الحق ففیها: ( لا بأس ان یشتری حقه منها و یحول حق المسلمین علیه ..)(2) و المراد لا بأس ان یشتری حق البایع منها لکن لا دلالة فیها لمطلق الحق حیث ان الامام جوز بیع الحق الحاصل فی الارض الخارجیة للبایع و لا دلالة فیها لمطلق الحق، و الحاصل انا لم نحصّل الفرق بین الحکم و الحق بغیر الذی ذکرناه.

(کتاب المتاجر)

اشارة

المتاجر جمع متجر و هی اسم مکان لغةً کما فی الصحاح و القاموس ( ارض متجرة یتجر فیها) و لم یذکرا و لا غیرهما لها معنی اخر. کما و ان المکاسب جمع

ص:14


1- الوسائل 18 باب17 من ابواب مقدمات الحدود ح/1
2- الوسائل باب 71 من ابواب جهاد العدو.

مکسب و هواسم مکان ایضاً الا ان المراد منها هنا ما یطلب به المال فهی اعم من التجارة حیث انها للبیع و الشراء بقصد الربح.

(وفیه فصول: الاول ینقسم موضوع التجارة الی محرم و مکروه و مباح فالمحرم) علی اقسام:

القسم الاول

مما یحرم التکسب به

القسم الاول: ما یکتسب به لانه من (الاعیان النجسة کالخمر و النبیذ و الفقاع و المایع النجس غیر القابل للطهارة الّا الدهن للضوء تحت السماء و المیتة و الدم و أرواث و ابوال غیر المأکول و الخنزیر و الکلب الا کلب الصید و الماشیة و الزرع و الحائط)

اقول: و قبل الدخول فیها لابد من بیان معنی الحرمة التکلیفیة  و الوضعیة فنقول: ان المراد من الاولی - التکلیفیة- هو عین ما یکون موضوعاً لحلیة البیع فمتعلق قوله تعالی (احل الله البیع) هو عین ما وقع علیه التحریم فیکون بیع الخمر مثلاً عبارة عن تملیکه للاخر بعوض و تملک العوض من الاخر و الذی هو یحصل بالانشاء- بلا فرق بین الانشاء القولی و الفعلی- و تقییده بقصد ترتب الاثر الحرام فیه بلا وجه بل ولا ربط له بحرمة نفس البیع و الشراء وکذلک ایضاً لو قصد الاثر المحلل حیث ان البیع المحرم لا یخرج بقصد الاثر المحلل عن الحرمة المتعلقة بعنوان البیع نعم لو قصد حلیته شرعاً مع کونه محرماً لتوجه علیه التحریم من جهة

ص:15

التشریع و اما صرف الاقدام علی ذلک من دون التزام بحکم شرعی  لا یکون تشریعاً.(1)

و اما الثانیة- الوضعیة- فهی فی العقود عبارة عن فساد المعاملة و بطلانها و لا یخفی ان الاولی لا تستلزم الثانیة و انه لابد فی اثبات صحتها و فسادها من التماس دلیل اخر غیر ما دل علی الحرمة التکلیفیة.

و اما تفصیل ما قاله المصنف فنقول تحرم المعاوضة علی الاعیان النجسة بمعنی بطلان المعاوضة علیها و استدل لذلک بحرمة تناولها و نجاستها و عدم وجود المنفعة المحللة فیها.

 اقول: و الصحیح هو الثالث لانتفاء المالیة فیها فعلاً و لا یخفی ضعف الاولین و لایبعد ارجاعهما الی الثالث.

و بذلک یظهر حرمة المعاملة علی ابوال ما یؤکل لحمه فانه ما لم یبذل المال لها وتکون مقصودةً للعقلاء و لو نادراً(2) لا تکون لها  مالیة و لا یصح البیع علیها و یدل علی ذلک قوله تعالی{ و لا تأکلوا اموالکم بینکم بالباطل} الدال علی حرمة وضع الید و التملک علی مال الغیر بالباطل و لو ببناء العقلاء و اعتبارهم و لیس متعلق النهی هو خصوص التملک بالباطل  فی اعتبار الشرع فانه لا یمکن ان یصار الیه لما فیه من اللغو الواضح و ایضاً خطاب النهی عن وضع الید علی مال الغیر و

ص:16


1- لکنه عرفاً لا ینفک عنه و ما ذکرناه مبنی علی الفرض.
2- کونها مقصودة للعقلاء ولو نادرا لا یضر بمالیتها بخلاف کونها لا منفعة فیها الّا نادرا فلاحظ.

تملکه  بالباطل کسائر الخطابات من قبیل القضیة الحقیقیة و لیست الایة المبارکة{و لا تأکلوا ...} ناظرة الی ما کان مرسوماً فی الجاهلیة حتی یقال ان متعلق النهی القضیة الخارجیة،  و بذلک تعرف ان استثناء التجارة عن تراض منقطعاً لا متصلاً حیث ان التجارة عن تراض غیر داخلة فی متعلق النهی و لولم یذکر الاستثناء کما و ان النهی فیها ظاهر فی الارشاد الی فساد المعاملة و بقرینة اضافته الی الاموال فاذا قیل اکل زید مال فلان فهو ظاهر فی وضع یده علیه و تملکه و ان النهی عن الافعال الخارجیة ظاهر فی الحرمة التکلیفیة و حینئذ حمل الایة الناهیة عن المعاملة علی التکلیف یحتاج الی قرینة کما فی النهی عن البیع وقت النداء و اللعن الوارد  علی بایع الخمر و مشتریها قرینة علی کون بیعها مبغوضاً و حراماً کما و ان قوله (علیه السلام) ثمن الخمر سحت دلیل علی فساد  المعاملة علیها و بذلک یظهر ان بول الابل الجلالة أو الموطوء بناءً علی نجاسته کما تدل علیها العمومات  فی الاول و خبر مسمع فی الثانی(1) .

(و ان کان یمکن ان یستفاد منه للتداوی فی مورد الانحصار)

الّا انه لا یوجب کونه من المنفعة المحللة التی توجب المالیة نعم لو کانت المنفعة المقصودة من الشیء منحصرة بالانتفاع به فی خصوص حال الاضطرار الرافع للتکلیف تکفی فی جواز بیعه و شرائه کما فی المظلة التی یستعملها الطیار و علیه فالاضطرار الی الحرام لا یجوّز المعاملة بخلاف کون المنفعة المحللة المقصودة منحصرة فی حالة الاضطرار.

ص:17


1- الوسائل باب 30 من الاطعمة الحرمة ح/3

یجوز بیع ابوال الابل

قال المفید(1) و الدیلمی(2) بجواز بیع ابوال الابل و وجهه انه فیه منفعة مقصودة للعقلاء حیث یشربه من به الاستسقاء و یشهد لجواز شربه و اشتماله علی منفعة محللة  مقصودة خبر الجعفری(3) و موثق عمار.(4)

و هل یجوز شربه اختیاراً؟ الصحیح ذلک و یشهد لذلک خبر الجعفری المتقدم سمعت ابا الحسن موسی (علیه السلام) یقول (ابوال الابل خیر من البانها  و یجعل الله الشفاء فی البانها) و دلالتها  واضحة و ما قیل من انها مسوقة لبیان الجهة الطبیة مما لا یساعد علیه الفهم العرفی اولاً مضافاً الی ان حمل کلام المولی علی بیان مجرد الحکم الطبی خلاف الظاهر .

و اما الاستدلال علی الحرمة بایة تحریم الخبائث(5) فمبنی علی ان المراد من الخبائث  ما استخبثه الطبع کما قد یفهم من سیاقها الا انه غیر معلوم و لعل المراد منها الخبیث الواقعی،  و اما تفسیر بعضهم للخبائث بکل ما فیه مفسدة و لو کان من الافعال المذمومة کما فی قوله تعالی {و نجیناه من القریة التی کانت تعمل

ص:18


1- المقنعة ص587
2- المراسم ص170
3- الکافی ج/6 ص338 ح/1 و لا اشکال فی سندها الّا من جهة بکر بن صالح و هو مهمل.
4- التهذیب ج/  ح/832
5- الاعراف ایه 156

الخبائث}(1) فیرده سیاق الایة {و یحل لهم الطیبات و یحرم علیهم الخبائث} الظاهر فی المأکولات و المشروبات کما هو مقتضی التقابل للطیبات هذا و لا یعلم کونه من الخبائث حتی بمعنی ما ینفر عنه الطبع .

و اما ما قیل(2): من دلالة خبر ابی البختری (لا بأس ببول ما اکل لحمه)(3) علی جواز شرب بول مطلق مأکول اللحم فلا دلالة فیه بالمرة و ذلک لظهور عدم البأس من جهة النجاسة و الطهارة و یؤید ذلک نقله کذلک فی الفقه المنسوب للرضا (علیه السلام) (4) .

و اما موثق عمار عن أبی عبد اللّه (علیه السلام) «قال سئل عن بول البقر یشربه الرجل قال: إن کان محتاجا الیه یتداوی به یشربه و کذلک أبوال الإبل و الغنم»(5) الدال بمفهومه علی حرمة الشرب عند عدم الضرورة فشاذ کباقی اکثر اخباره و خلاف المشتهر فقد افتی بالجواز مطلقاً ابن الجنید(6) و المرتضی فی الانتصار(7) و الحلّی إلی حلّیّة شرب بول المأکول اللّحم و لو لغیر الاستشفاء(8) و ابن حمزة خصّ الجواز ببول

ص:19


1- الانبیاء ایة 72
2- مصباح الفقاهة ؛ ج1 ص38
3- قرب الاسناد ص156 ح/573
4- الفقه الرضوی ص303
5- التهذیب ج1 ص284 ح119
6- المختلف ج/8 ص353
7- الانتصار ص201
8- السرائر ج/3 ص125

الإبل للاستشفاء(1)، و النّهایة أیضا لم یذکر غیره(2), و الاصل معهم و لا دلیل علی الحرمة, و ممن یظهر منه جواز شرب بول الابل مطلقاً الکلینی و علیه فلا وثوق بخبر عمار .

و اما بیع العذرة: فالکلام فیها عین الکلام فی البول و لا دلیل علی حرمة بیعها الّا ما فی خبر یعقوب بن شعیب عن الصادق (علیه السلام) «ثمن العذرة من السحت»(3)  و لم یعتمدها الکلینی بل اقتصر علی روایة ما یعارضها فروی حسناً عن محمد بن مضارب عن الصادق (علیه السلام) «لا بأس ببیع العذرة»(4) و یشهد لجواز بیعها ما فی توحید المفضل عن الصادق (علیه السلام) من ان لها قیمة و تباع فجاء فیه: «فاعتبر بما تری من ضروب المآرب فی صغیر الخلق و کبیره و بما له قیمة و مما لا قیمة له و اخس من هذا و احقره الزبل و العذرة التی اجتمعت فیها الخساسة و النجاسة معاً و موقعها من الزروع و البقول و الخضر اجمع الموقع الذی لا یعدله شیء حتی ان کل شیء من الخضر لا یصلح و لا یزکو الّا بالزبل و السماء الذی یستقذره

ص:20


1- الوسیلة ص364
2- النهایة ص590
3- التهذیب ج/6 ص372 و الاستبصار ج/3 ص56 و السحت لغةً الحرام و ما خبث من المکاسب کما فی القاموس و المال الحرام کما فی لسان العرب (کل حرام قبیح الذکر و قیل ما خبث من المکاسب و حرم فلزم عنه العار و قبیح الذکر کثمن الکلب و الخمر و الخنزیر).
4- الکافی ج/5 ص226 ح/3 و التهذیب ج/6 ص373

الانسان و یکرهون الدنو منه- الی- فلو فطن طالبوا الکیمیاء لما فی العذرة لاشتروها بانفس الاثمان و غالوها»(1).

و اما موثق سماعة التی اشتمل علی جواز بیعها و عدمه و جعله الشیخ شاهد جمعه فحمل خبر ابن مضارب علی عذرة غیر الانسان و خبر ابن یعقوب علی عذرة الانسان(2) فالصحیح اضطرابه و اجماله و ما ذکره الشیخ من الحمل جمع تبرعی مضافاً الی ان العذرة لا تطلق علی خرء غیر الانسان لغةً و عرفاً و هذا شاهد علی فساد جمعه .

نعم حمل خبر ابن یعقوب علی التقیة لا بعد فیه بعد کون معظم العامة علی المنع من بیعها وکیف کان فلا یمکن العمل بها بعد ضعفها و عدم الوثوق بها و بذلک تعرف ضعف قول المفید(3) و الدیلمی(4) بالمنع من بیعها و یمکن ارجاع قولهما الی عدم وجود المنفعه فیها فلا خلاف منهما اذاً.

و اما الدم: فحکمه کالبول و الغائط من جواز البیع کما هو مقتضی القاعدة و هی جواز بیع کل ماله منفعة محللة مقصودة للعقلاء هذا اذا کان له منفعة محللة مقصودة کما فی زماننا هذا، نعم مرفوعة الواسطی دالة علی عدم جواز بیعه ففیها

ص:21


1- توحید المفضل ص164
2- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان) ج 6 ص 372 باب المکاسب
3- المقنعة ص587
4- المراسم ص170

(مرّ امیر المؤمنین (علیه السلام) بالقصّابین فنهاهم عن بیع سبعة اشیاء من الشاة فنهاهم عن بیع الدم...)(1).

 اقول: و حیث ان منفعة الدم فی ذاک الزمان منحصرة فی الشرب و هو حرام شرعاً فحرمة بیعه علی مقتضی القاعدة و لا تحتاج الی دلیل خاص و الروایة محمولة علی هذا المعنی.

و اما المنی: فقد دلت صحیحة معاویة بن عمار علی جواز اخذ الاجرة علیه «قال: قلت له- یعنی الصادق (علیه السلام) اجر التیوس قال: ان کانت العرب لتعایر به و لا بأس»(2) و بعد وجود النص الصحیح علی جواز اخذ الاجرة علیه و کون منفعته مقصودة للعقلاء لا تبقی شبهة فی جواز بیعه سواء کان عسیباً (و هو الموجود فی صلب الفحل) أو ملاقیحاً ( و هو الواقع فی الرحم) و اما ما فی النبوی من (ان رسول الله صلی الله علیه واله نهی عن خصال تسعة عن مهر البغی و عن عسیب الفحل- یعنی کسب الفحل...) (3)فلا یعارض ما تقدم و یمکن حمله علی الکراهة .

و اما ما قاله ابن زهرة من المنع عن بیع ما فی اصلاب الفحول  لجهالته و عدم القدرة علی تسلیمه(4) فهو اجتهاد قبال النص اولاً و حیث ان تسلیم کل شیء

ص:22


1- الکافی ج/6 ص253 و التهذیب ج/9 ص74
2- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 5 ص 116 باب کسب الحجام
3- رواه الفقیه مضمونه مرسلاً ج/2 ص56 ؛ و الخصال ص417 و السند الضعیف بابی عروبة و ابی الخطاب راشد المنقری.
4- الغنیه ص524 من الجوامع الفقهیة

بحسبه نمنع کونه مجهولا ً ان (کان) المراد من الجهالة مقداره. و ان کان المراد منها عدم العلم بتکون الولد منه فلا ضیر فیه فلیس المراد من بیع المنی ما یترتب علیه الحمل بل اعم و یدل علی جواز بیعه ایضاً خبر حنان بن سدیر و فیه (قال: یعنی الصادق (علیه السلام) کل کسبه فانه لک حلال و الناس یکرهونه قال: حنان قلت لای شیء یکرهونه و هو حلال؟ قال لتعییر الناس بعضهم بعضاً)(1) و من الخبرین یعلم ان الکراهة لیست شرعیة بل هی بین الناس الّا ان النبوی دال علی المنع فی نفسه لکنه ضعیف سنداً اولاً و اشتماله علی النهی عن لبوس ثیاب القسی و هی ثیاب تنسج بالشام و لم یعمل بها احد و مثله خبر الجعفریات (عن علی (علیه السلام) قال من السحت ثمن اللقاح و عسب الفحل و جلود السباع)(2) و مرسلة الدعائم(3) فاشتمل خبر الجعفریات علی کون جلود السباع منهیاً عنها و هو خلاف المشهور و بعد اعراض المشهور عن الفتوی بها و موافقتها لمذهبی الحنابلة و ابی حنیفة لا یبعد حملها علی التقیة فهی لا تعارض صحیح ابن عمار المتقدم.

هذا و قد قیل بقیام السیرة القطعیة من العقلاء و المتشرعة علی کون الولد تابعاً لامه فی الحیوانات و انه للفراش فی الانسان تابع لابیه بالنص و الاجماع . اقول: و هذا لا یمنع من بیعه بمعنی القائه فی رحم الحیوان و ان کان نماؤه تابعاً للحیوان.

و اما المیتة فتحریر الکلام فیها یتم فی مقامین:

ص:23


1- الوسائل ج/12 ص77 عن الکافی و التهذیب .
2- المستدرک ج/2 ص426
3- المستدرک ج/2 ص427

الاول: فی جواز الانتفاع بها.  

و الثانی: فی حرمة بیعها.

اما الاول: فان مقتضی الاصل الاولی هو جواز الانتفاع بالمیتة و اما من حیث الاقوال فقد قال الشیخ بحرمة بیعها و التصرف فیها(1) و مثله الدیلمی(2) و یشهد لهما خبر الحسن الوشا قال سألت ابا الحسن (علیه السلام) «فقلت ان اهل الجبل تشتمل عندهم الیات الغنم فیقطعونها فقال حرام هی فقلت فنصطبح بها فقال اما علمت انه یصیب الید و الثوب و هو حرام)(3) لکنها ضعیفة و فی سندها معلی البصری و هو مضطرب الحدیث و المذهب و قال ابن الغضائری المعلی بن محمد البصری یعرف حدیثه و ینکر یروی عن الضعفاء و یجوز ان یخرج شاهداً(4) کما و ان دلالتها اخص  من المدعی اعنی صورة اصابتها للید و الثوب و لذا حملت علی ان المراد منها صعوبة التحرز عن نجاستها و علیه فالنهی فیها ارشادی للتحرز عن نجاستها.

ویدل ایضاً علی عدم الانتفاع بها خبر الکاهلی عن قطع الیات الغنم (ان فی کتاب علیّ ان ما قطع منها میّت لا ینتفع به)(5) و موثقة علیّ بن المغیرة قال «قلت للصادق

ص:24


1- النهایة ص 364
2- المراسم ص 170
3- الکافی ج/6 ص255 ح/3
4- رجال العلامة ص259
5- من لا یحضره الفقیه ج 3 ص 329 باب الصید و الذبائح

(علیه السلام) المیتة ینتفع منها بشیء فقال لا»(1) و مثلهما خبر الجرجانی(2) و موثق سماعة(3) و غیرهما لکن تعارضها روایة الصیقل(4) و موثق البزنطی التی تدل علی جواز الاستصباح بما قطع من الیات الغنم(5) و خبر ابی بصیر عن الصادق (علیه السلام) (انه کان علیّ بن الحسین (علیه السلام) رجلاً صرداً لا تدفئه فراء الحجاز لان دباغتها بالقرض و انه کان یلبس الفرو المجلوب من العراق و ینزعه وقت الصلاة و الثوب الذی یلیه)(6) ففعله هذا یدل علی جواز الانتفاع بالمیتة الّا فیما هو مشروط بالطهارة کالصلاة و مثله موثق سماعة الدال علی جواز الانتفاع بالکمیخت(7) و هو جلد المیتة المملوح و علیه فیقع التعارض بین الطائفتین و حیث ان الروایات المجوزة لذلک صریحة فی جواز الانتفاع بها فی غیر ما اشترطت فیه الطهارة فنرفع الید بها عن ظهور تلک الروایات المانعة فتقید بغیر ذلک أو تحمل الطائفة المانعة علی الکراهة و یدل علی

ص:25


1- الکافی (ط - الإسلامیة)، ج 6، ص: 259ح7
2- الکافی (ط - الإسلامیة)، ج 6، ص: 258 ح6
3- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان)، ج 9، ص: 78ح66
4- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان)، ج 2، ص: 358ح15
5- السرائر ج/3 ص573
6- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 3 ص 397
7- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان) ج 9 ص 78

الحمل الاول خبر الصیقل المتقدم الدال علی جواز الانتفاع بها تقریراً و اتخاذ ثوب للصلاة.

اقول: و لابد من هذا الجمع بعد روایة الکلینی لما دل علی جواز الانتفاع بها فالحاصل جواز الانتفاع بها.

و اما المقام الثانی: فالقاعدة تقتضی جواز بیعها لوجود المنفعة المحللة المقصودة للعقلاء الّا اذا قام الدلیل علی حرمته و لم یفهم منه انه لاجل عدم الانتفاع أو عدم ملکیة المسلم لها کما قال بالثانی منهما الشیخ فی الخلاف(1) و تقدم حرمة بیعها عن النهایة و المراسم و یدل علیه خبر السکونی (قال السحت ثمن المیتة)(2) الذی رواه المشایخ الثلاثة و خبری قرب الاسناد(3) لکن خبر الصیقل المتقدم دال علی جواز بیعها و دلالته صریحة، لا یقال انه محمول علی الضرورة فانه یقال ان خبره الاخر دال علی کونه غیر مضطر للمیتة بل فی عمله کما و ان الضرورة لا تکون سبباً لجواز الکسب الحرام مطلقاً و ظاهر الروایة جوازه مطلقاً فلا یمکن حملها علی الضرورة اذاً. و الجواز هو الظاهر ایضاً من خبر ابی بصیر المتقدم(4) حیث ان ظاهر الروایة ان الامام السجاد (علیه السلام) یشتریه من اهل العراق و یشهد لجواز بیعها

ص:26


1- الخلاف ج/1 ص233
2- الکافی ج/5 ص126 ح/2
3- قرب الاسناد ص268 ح/1066 و ح/1067 و روی الثانی صحیحاً ابن جعفر فی مسائله ص139 ح/151و روی الاول المستطرفات .
4- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 3 ص 397

ایضاً صحیح الحلبی و صحیحته الاخری (اذا اختلط المذکی بالمیتة بیع ممن یستحل المیتة)(1) و نحوهما ما رواه علی بن جعفر فی مسائله صحیحاً(2) و وجه دلالتها ان المیتة مما ینتفع بها عند مستحلیها و تلک قرینة علی جواز بیعها عند وجود المنفعة المحللة فیها کما تقتضیه القاعدة .

هذا و نقل الشهید الثانی افتاء الشیخ و ابن حمزة بجواز بیع المیتة ممن یستحلها فقال فی المسالک: هذا القول هو المشهور خصوصا بین المتقدمین، و قال الشهید فی الشرح لم أجد أحدا خالف فیه إلا المحقق فی الشرائع و الفاضل، فإنهما أورداه بلفظ قیل المشعر بالضعف، مع أن المحقق وافقهم فی النافع، و فی المختلف لم یذکرها من مسائل الخلاف، و لعله لذلک استدل بعضهم علیه بالإجماع، قال الشهید: و هو غیر بعید، و یؤیده موافقة ابن إدریس علیه (3). قلت: و هو المفهوم من الکلینی لاعتماده خبر شعیب الاتی(4) و به افتی الصدوق فی المقنع(5) و بعد النص الصحیح علی ذلک و افتاء من عرفت لا معنی لتوهم کونه اعانة لهم

ص:27


1- الکافی ج/6 ص260 ح/1 و ح/2 و التهذیب ج/9 ص47 ح/198
2- مسائل علی بن جعفر ص109 ح/20
3- مرآة العقول فی شرح أخبار آل الرسول، ج 22، ص: 57
4- الکافی (ط - الإسلامیة ) ج 6 ص 261 باب آخر منه
5- من لا یحضره الفقیه ج 3 ص 325  باب الصید و الذبائح

علی الاثم، و قد تقدم ان مالیة الشیء بمنافعه الغالبة المقصودة للعقلاء و لو نادرا کالادویة.

لا یقال: ان المشتبه بالمیتة حکمه غیر حکم المیتة و ان الحکم فیه طبق القاعدة حیث یمکن الانتفاع به دونها .

فانه یقال: لا یختلف عنها موضوعاً و لا حکماً فهو موضوعاً لا ینتفع به و حکماً یجب الاجتناب عنه و الحاصل ان الجمع بین الروایات یقتضی جواز بیع المیتة اذا کانت لها منفعة محللة مقصودة و الروایات المانعة تحمل علی عدم المنفعة لها کما هو الغالب بالنسبة الی لحمها و اجزائها التی تحلها الحیاة نعم لو لم یمکن الجمع و قلنا بضعف روایة الصیقل و اختصاص صحیحة الحلبی و حسنة و صحیح ابن جعفر بالمشتبه بالمیتة فاللازم القول بحرمة بیعها تعبداً لا علی اساس القاعدة هذا و قد عرفت ان بیع المشتبه بالمیتة لمن یستحلها علی طبق ما تقتضیه القاعدة فانه مما له نفع لغیر المسلمین  فله مالیة عندهم و بذلک یجوز للمسلم بیعه بعد کونه له حق الاختصاص به و بذلک یظهر ان مالیة الشیء اعتباریة فهی معدومة بین المسلمین موجودة بینهم و بین غیرهم من الکفار و لا ضیر فی ذلک فاحکام الله عزوجل لیست مبنیة علی القیاس بل علی التعبد و نزید علی ذلک بیاناً و شاهداً انه ورد جواز بیع المرق المتنجس بالخمر أو النبیذ لمن یستحله(1) و به افتی الصدوق فی المقنع(2) و هو المفهوم من الکلینی حیث اعتمده.

ص:28


1- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 6 ص 422 باب المسکر یقطر منه فی الطعام
2- المقنع ؛ باب ما یقع فی البئر و الأوانی .

و یشهد لوجود المنفعة للمشتبه بالمیتة ما دل علی انه یلقی علی النار فما انقبض فهو مذکی و ما انبسط فمیتة(1) و قد عمل به الکلینی فروی صحیح ابن ابی نصر و هو من اصحاب الاجماع عن اسماعیل عن شعیب(2) المتضمن لذلک و قریب منه روی الفقیه مرسلاً(3) المعبر عن فتواه به.

و مما تقدم یظهر جواز بیع المیتة ایضاً لمستحلها هذا و کما یحرم بیع المیتة اذا لم یکن لها منفعة محللة کذلک یحرم بیع جسد المیت الذی لا حرمة له لعدم وجود منفعة فیه کما نقل المسعودی بعد ذکر قتل عبیدالله بن عمر مع معاویة فی صفین انه کلمت نساؤه معاویة فی جیفته فأمرهن أن یأتین ربیعة فیبذلن فی جیفته عشرة الاف ففعلن ذلک فأستأمرت ربیعة علیاً (علیه السلام) فقال: (انما جیفته جیفة کلب لا یحل بیعها)(4) و قریب منه روی الاشعثیات عن علی فی قتل نصرانی(5) و نقل الطبری ان قوم عبد بن ود سألوا النبی صلی الله علیه واله ان یبیعهم جسده فقال (لا حاجة لنا بجسده فشأنکم به)(6).

ص:29


1- الکافی (ط - الإسلامیة ) ج 6 ص 261 باب آخر منه
2- و لا یضر ضعف سندها باسماعیل لان الراوی عنه ابن ابی نصر البزنطی فهی موثوق بها.
3- من لا یحضره الفقیه ج 3 ص 325  باب الصید و الذبائح
4- النجعة ج7 ص9
5- النجعة ج7 ص9
6- النجعة ج7 ص10

و اما لو کان فیه نفع بالاستفادة من اعضاء بدنه فی المجالات الطیبة و غیرها فیما اذا صار امراً  مقصوداً للعقلاء فالقاعدة فیه حینئذ تقتضی الجواز و ما تقدم محمول علی عدم نفعه فیه نعم لو ثبت حرمة بیع المیتة مطلقاً فلا یجوز و لیس فیما تقدم ما یثبت ذلک.

و اما میتة ما لا نفس له سائلة: فلا دلیل علی حرمة بیعها بالخصوص و القاعدة هی الحلیة ما دام فیها منفعة محللة مقصودة.

و اما الکلب الهراش(1) و الخنزیر البریان ( والتقیید بالبریین حیث ان البحریین خارجان تخصصاً فهما من اقسام السمک الغیر المأکول) فیدل علی حرمة الاول الاخبار المتظافرة و هی ان کانت ضعیفة سنداً الّا انها مجبورة بعمل الاصحاب ففی خبر السکونی ( قال: السحت ثمن المیتة و ثمن الکلب)(2) و قد تقدم و مثله خبر الوشا المتقدم(3) و خبر المداینی(4) و خبر الصدوق فی وصیة النبی صلی الله علیه و اله لعلی (علیه السلام) (5) و غیرهما(6) الّا انه لا یخفی علی اللبیب ان الحرمة فیه من جهة عدم المنفعة المحللة فیه و بذلک یعلم حال الخنزیر نعم لو قلنا بجواز استعمال شعر

ص:30


1- الهراش: ساء خلقه و التهریش التحریش بین الکلاب و الافساد بین الناس .
2- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان) ج 6 ص  368
3- الکافی (ط - الإسلامیة ) ج 5 ص 120   باب کسب المغنیة و شرائها
4- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان) ج 6 ص 368
5- من لا یحضره الفقیه ج 4 ص 363 باب النوادر و هو آخر أبواب الکتاب
6- و هما خبرا الدعائم و الجعفریات لکنهما ضعیفان سندا؛ مصباح الفقاهة ج1ص78 .

الخنزیر و جلده (کما افتی به المرتضی و الصدوق و الکلینی لدلالة بعض الاخبار علی ذلک)(1) جاء فیه ما تقدم من صحة بیع کل ما له منفعة محللة مقصودة للعقلاء و یدل علی حرمة بیع الکلب صحیحة محمد بن مسلم و عبد الرحمن عن الصادق (علیه السلام) قال: (ثمن الکلب الذی لا یصید سحت)(2).

 و اما الخنزیر فتستفاد حرمة بیعه من صحیحة علی بن جعفر عن اخیه  قال: (سألته عن رجلین نصرانیین باع احدهما خمراً أو خنزیراً الی اجل فأسلما قبل ان یقبضا الثمن هل یحل له ثمنه بعد الاسلام قال: انما له الثمن فلا بأس أن یأخذه)(3) فهی دالة علی ارتکاز فساد بیع المسلم للخمر أو الخنزیر و انما سأل عن اخذ الثمن باعتبار فرض البیع حال الکفر ویدل علیه صریحاً مرسل ابن ابی عمیر عن الرضا (علیه السلام) (4).

نعم ظاهر غیرها من الروایات جواز الاقتضاء و لو علم الدائن ان المدین حصّل المال عن طریق بیع الخمر و الخنزیر کما فی صحیح محمد بن مسلم عن الباقر (علیه السلام) ( فی رجل کان له علی رجل دراهم فباع خمراً أو خنزیراً و هو ینظر فقضاه

ص:31


1- کما سیأتی فی باب الاطعمة و الاشربة
2- الوسائل ج/12 باب 14 ح/3
3- الوسائل ج/12  باب61 ح/1
4- الوسائل ج/12 باب57 ح/1 و الکافی باب 107 من المعیشة و مثله ح/5 و مثله روی التهذیب فی 78 باب9 من التجارة.

فقال: لا بأس به اما للمقتضی فحلال و اما للبایع فحرام)(1) و مثله صحیح زرارة(2) و بهما عمل الکافی.

اقول: و الصحیح ان نقول بجواز ذلک تخصیصاً للقاعدة بعد ورود النص الصحیح به و افتاء الکلینی بذلک و یدل علی جواز بیع الخمر و الخنزیر من غیر المسلم لو اسلم و مات و کان علیه دین و لیس له شیء غیرها و انه یباعان فی اداء دینه معتبر یونس و فی ذیله (و لیس له ان یبیعه و هو حی و لا یمسکه) (3) و به عمل الکلینی.

 و اما ما کان من الکلاب التی فیها نفع و فائدة مقصودة لدی العقلاء ککلب الصید و الحائط و الزرع و الماشیة فمقتضی القاعدة فیها هو الجواز الّا ان اطلاق صحیحة عبدالرحمن المتقدمة من کون ثمن الکلب الذی لا یصید  سحت یدل علی عدم جواز بیع غیر کلب الصید و ذلک بمقتضی التقیید الوارد فیها لظهور الخطاب فی کون المتکلم فی مقام البیان من جهة القیود المحتملة للحکم و موضوعه الّا مع القرینة علی الخلاف، هذا غایة ما یقال فی حرمة بیعها الّا انه حیث ان الغالب هو بیع کلب الصید فقط و قلما یشتری الناس غیره لابتذاله بینهم کان الکلام فی الروایات عن کلب الصید مضافا الی ان العرف لا یفهم للتقیید بالصید خصوصیة الصید بل خصوصیة المالیة و النفع و لذا فلا مفهوم للصحیحة من هذه الجهة بل سیکون مفهومها هو ما لا نفع فیه ویدل علی جوازبیعها ما رواه ابوالفتوح

ص:32


1- الکافی (ط - الإسلامیة)، ج 5، ص: 231ح9
2- الکافی (ط - الإسلامیة)، ج 5، ص: 232ح11
3- الکافی (ط - الإسلامیة)، ج 5، ص: 232ح13

فی تفسیره عن ابی رافع  عن النبی صلی الله علیه واله (رخص فی اقتناء کلب الصید و کذلک کل کلب فیه منفعة مثل کلب الماشیة و کذلک الحائط و الزرع)(1).

و لعل الشیخ فی المبسوط الی هذه الروایة اشار و بذلک افتی هو و ابن زهرة و ابن الجنید(2) و یمکن الاستدلال علی جواز بیعها بما دل علی ان لها مالیة حیث ان لها دیة کما فی معتبرة الکافی عن الولید بن صبیح من (ان دیة الکلب السلوقی اربعون درهماً)(3) و غیرها مثل خبری ابی بصیر(4) و السکونی(5).

لا یقال: ان الدیة اعم من کونها لها مالیة و ذلک بان الحر له دیة و لیس بمال .

فانه یقال: الاصل فی الدیة انما هو لتلافی ما فات مما له قیمة حسب الفهم العرفی و ثبوت الدیة فی بعض الموارد لما لا مالیة له کالحر خارج بالتخصیص فلا یضر فیما نحن فیه  مضافا الی ان خبر السکونی لم یتعرض للدیة بل لتقویمه فلا یرد علیه الاشکال کما و یحتمل ان المراد من الدیة معناها المجازی یعنی القیمة و یشهد لجواز بیع الکلاب مع المنفعة المحللة المقصودة ما دل علی جواز الانتفاع بشعر الخنزیر کما فی صحیحة زرارة عن الصادق (علیه السلام) (عن الحبل یکون من شعر

ص:33


1- النجعة  المتاجر ص13
2- النجعة  المتاجر ص13
3- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 7 ص 368 باب فیما یصاب من البهائم و غیرها من الدواب
4- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان) ص ج 10 ص 310 ح7
5- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان) ص ج 10 ص 310 ح8

الخنزیر یستسقی به الماء من البئر هل یتوضأ من ذلک الماء قال: لا بأس)(1) و خبر سلیمان الاسکاف(2) .

و اما بیع الخمر: فحیث ان للخمر فائدة محللة کالتخلیل و غیره فهو اذاً له مالیة و یجوز بیعه و شراؤه هذا ما تقتضیه القاعدة الّا ان موثقة زید بن علی عن آبائه علیهم السلام (و لعن رسول الله صلی الله علیه واله الخمر و عاصرها و معتصرها و بایعها و مشتریها و ساقیها و آکل ثمنها و شاربها و حاملها و المحمول الیه)(3) دلت علی حرمة بیعه تکلیفاً و وضعاً الّا ان الظاهر منها هو البیع بقصد الشرب المحرم و مثل الخمر الفقاع کما دل علی حرمة بیعه ما رواه الکافی عن الوشاء و فیه: (لقتلت بایعه)(4) و یکفی فی دخوله فی الخمر  الروایات المستفیضة الدالة علی کونه خمراً استصغره الناس- و هذا هو طریق الجمع بین الاخبار- و اما صحیحة ابن ابی عمیر و علی بن حدید جمیعاً عنه (علیه السلام) قال قلت للصادق (علیه السلام) (یکون لی علی الرجل الدراهم فیعطینی بها خمراً فقال خذها ثم افسدها قال علی «یعنی ابن حدید» و اجعلها خلا)(5) الظاهرة فی جواز بیع الخمر و قریب منها موثقة زرارة (سألت

ص:34


1-   الوسائل ج/1 باب14 الماء المطلق ح/2
2- الوسائل ج/2 باب13 من ابواب النجاسات ح/3 و روایة برد الاسکاف باب58 من ابواب ما یکتسب ج/2 .
3- التهذیب ج/9 ص118 و الاستبصار ج/4 ص93
4- الکافی باب الفقاع 19 من کتاب الاشربة ح/9
5- الوسائل ج/12 باب55 مما یکتسب به ح/3

الصادق (علیه السلام) عن الرجل یأخذ الخمر فیجعلها خلاً قال لا بأس)(1) الدالة علی کون الخمر ینتفع بها بجعلها خلاً بعد اخذها الشامل لشرائها فلا تنافیان ما سبق لظهورهما فی عدم البأس بالشراء لاجل افسادها و تحویلها خلاً  و هما قرینتان علی کون حرمة بیع الخمر انما هو لاجل قصد الحرام و الا فهو لیس بحرام و لو قلنا بعدم دلالتها علی جواز بیعه فلا اقل من دلالتها علی جواز الاقتضاء حینئذ و بهما یخصص عموم ما سبق.

ما المراد من حرمة بیع المسکر؟

ان المراد من حرمة بیع المسکر ما یکون مسکراً و معداً للاسکار بالفعل حیث انه هو الموضوع للنجاسة و الحرمة و اما الاسبرتو فیجوز بیعه باعتبار المنفعة المحللة المقصودة منه حیث انه غیر معد للاسکار و الشرب هذا اولاً بل وان کان مسکراً للانصراف ثانیا أو انه غیر مسکر الا بالعلاج للشک فی ذلک ثالثاً.

بیع العصیر العنبی

و بذلک یظهر حکم بیع العصیر العنبی اذا غلا و قلنا بنجاسته کما هو المشهور عند المتقدمین بل لا یوجد القائل بطهارته فیما بینهم و یشهد لهم ظهور صحیحة ابن الحجاج المتقدمة و صراحة صحیحة معاویة بن عمار(2) و ایضاً ان المحرم هو الخمر لا غیر کما هو الظاهر من الصحیحة الثانیة و هو المرتکز فی ذهن السائل

ص:35


1- الوسائل ج/17 باب31 مما یکتسب به ح/3
2- الوسائل ج/17 باب 7 ح/4 و باب 1 من الاشربة المحرمة ح/1 

فلیس هنالک عصیر حرام لذاته و لیس خمراً فظهور الروایات ینفی ذلک. و کیف کان فقد تقدم جواز بیع الخمر للمنافع المحللة وانما الحرام هو بیعه للشرب المحرم أو قد یقال لکونه بدون اعلام بعد کون الغش حراماً.

فان قلت: لا علاقة للقصد فی حل المعاملة وحرمتها .

قلت: بعد کونه علی الظاهر من الروایات المانعة لبیع الخمر لابد من المصیر الیه و یدل علیه ایضاً ما سیأتی فانتظر .

و من ذلک یظهر جواز بیع العصیر و اما ما دل علی حرمة بیعه مثل خبر ابی کهمس (و ان غلا فلا یحل بیعه)(1) فهی کسابقتها محمولة علی کون بیعه للشرب المحرم أو لکون الغش حرام و مثلها روایة ابی بصیر (و اذا بعته قبل ان یکون خمراً و هو حلال فلا بأس)(2) و غیرهما(3).

و من هنا یضمنه کل من یغصبه حیث انه مال و قد فوت علی صاحبه وصف حلیة بعد ان صار عنذ الغاصب خمراً فیعطی ما به التفاوت بین کونه و صحیحاً و معیباً.

بیع المسوخ

و اما بیع المسوخ: فقال فی المبسوط: (لا یجوز بیع الاعیان النجسة کالکلب و الخنزیر و جمیع المسوخ)(4) و قال فی الخلاف (لا یجوز بیع القرد للاجماع علی انه

ص:36


1- الوسائل ج/12 باب59 من ابواب ما یکتسب به ح/2-6
2- الوسائل ج/ 12 باب 59 من ابواب
3- الوسائل ج/12 با ب2 ح/7
4- المبسوط ج2 ص166

مسخ نجس)(1) و ذکر باب فی الاطعمة ان المسوخ کلها نجسة(2) وحیث ان الاظهر طهارتها للاخبار المعتبرة الموجبة لحمل ما ورد فی ترک سؤر المسوخ علی التنزه کما قیل فلا اشکال فی بیعها من هذه الجهة .

اقول: الّا انه قد عرفت ان الضابط فی جواز بیع الاشیاء هو منافعها المقصودة المحللة و علیه فالمسوخ یجوز بیعها حتی علی القول بنجاستها کما و انه لا نص بالخصوص یمنع من بیعها.

بیع الکافر

و اما بیع الکافر فالضرورة قاضیة بجوار بیعه نعم الاشکال فیمن وجب قتله لعدم وجود المنفعة المقصودة فیه و بذلک یظهر حکم المحارب سواء سقط عنه القتل لتوبته قبل القدرة علیه کما دلت الایة المبارکة { الّا الذین تابوا من قبل ان تقدروا علیهم فاعلموا ان الله غفور رحیم}(3) ام لم یسقط عنه القتل .

بیع الدهن المتنجس

بیع الدهن المتنجس: اما ما تقتضیه القاعدة فقد مرّ و اما الاخبار الخاصة فقد صرحت بجواز بیعه مع الاعلام ففی موثقة ابی بصیر «و ان کان ذائباً فاسرج به و

ص:37


1- الخلاف ج3 ص184
2- الخلاف ج6 ص173
3- المائدة: ایه34

اعلمهم اذا بعته»(1), و قد یجعل قرینة لما تقدم من حمل اخبار المنع عن بیع المسکر ان المراد من المنع هناک فیما اذا باع بلا اعلام و بقصد البیع للشرب المحرم و کیف کان فلا اشکال فی وجوب الاعلام هذا و لا یخفی ان وجوب الاعلام انما هو لحرمة الغش کما دلت علیه صحیحة الحلبی الاتیة بالاولویة و منه ایضاً حرمة بیع العیوب بلا ذکر عیبه کما سیأتی.

بیع الشیء مع قصد الحرام

ثم انه قیل بحرمة بیع الشیء بقصد الحرام و استدل علی ذلک بصحیحة ابراهیم بن ابی البلاد قال: (قلت لابی الحسن الاول (علیه السلام) جعلت فداک ان رجلاً من موالیک عنده جوار مغنیات قیمتهن اربعة عشر الف دینار و قد جعل لک ثلثها فقال: لا حاجة لی فیها ان ثمن الکلب و المغینة سحت)(2) و الظاهر منها وقوع البیع علی کونها مغنیة فدلالتها من حیث قصد الحرام واضحة فما قیل ان من مجرد قصد المنفعة المحرمة لا یوجب فساد البیع فیما اذا کان للشیء مالیة باعتبار منفعة المحللة حیث ان الثمن فی المعاملة یقع بأزاء نفس الشیء لا منافعه اجتهاد قبال النص و علیه یحمل صحیح الاعرج (فیبتاع للسراج) فهو صریح ببیعه مع قصد الحلال .

ص:38


1- الوسائل ج/12 باب 6 مما یکتسب به ح/3 و غیره ایضاً
2- الوسائل ج/12 باب16 من ابواب ما یکتسب به ح/4

   اقول: و یمکن الاستدلال علی ذلک بما تقدم من الروایات الدالة علی المنع من بیع العصیر اذا غلا و قد حملناها علی قصد الحرام و بموثقة زید المتقدمة فی حرمة بیع الخمر الظاهرة بما ذکرنا، و بذلک تعرفنا- ببرکة هذه الاخبار المعتبرة- علی احد مصادیق اکل المال بالباطل فتکون هذه الروایات شارحة و مبینة لما فی الایة من حرمة اکل المال بالباطل و یصبح قصد الحرام احد اسبابه و بذلک تدل الایة علی حرمة اکله و بطلان المعاملة به و لا بعد فیه بعد شهادة ما ورد فی مقبولة عمر بن حنظلة من ان المأخوذ من السلطان الجائر بعد الترافع الیه سحت و ان کان حقه باعتبار انه اخذه بحکم الطاغوت و یشهد لکون القصد له مدخلیة فی المعاملة اجمالاً اتفاقهم علی احترام عمل المسلم الّا اذا قصد المجانیة فلو کان العمل له قیمة و لا اعتبار بالقصد فلابد من القول بثبوت الاجرة و لو کان قاصداً للمجانیة بل ان قوام المعاملة بالقصد کما هو واضح.

هل التسبیب حرام؟

و اما التسبیب: فلم یظهر له دلیل عدا ما قیل من ان الفهم العرفی من خطابات المحرمات و غیرها عدم الفرق بین اکلها بالمباشرة أو اکل الغیر بتسبیبه جهلاً أو اکراهاً .

اقول: لکنه غیر ظاهر عرفاً فالحاصل عدم حرمة التسبیب کما و ان وجوب الاعلام اذا کان متعلقاً بحرمة الغش و حرمة کتمان العیب فلا دلیل له علی حرمة التسبیب

ص:39

و لم ینقل القول بحرمة التسبیب الّا عن ابن البراج(1) بل موثقة ابن بکیر تدل علی جواز اعارة الثوب مع نجاسته من دون اعلام ففیه: سألت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) عن رجل أعار رجلا ثوباً فصلَّی فیه و هو لا یُصَلَّی فیه قال: لا یُعْلِم..»(2).

و استدل علی حرمة التسبیب بکون الاعلام واجباً فی البیع و الهبة .

قلت: و هذا لا وجه له ایضاً فلم یعلم وجوب الاعلام فی الهبة و لا ظهور للاخبار فی ذلک، و کون طهارة الثوب لیست شرطاً واقعیاً فی الصلاة لا تقید الاعلام بما عداه.

و اما الاستدلال له بوجوب ارشاد الجاهل فهو مختص بالاحکام الالهیة کما فی ایة النفر و غیرها و یشهد لعدم وجوب الارشاد فی الموضوعات صحیح زرارة(3) و غیره نعم قد تستثنی الاعراض و الدماء بدلیل خاص فلابد من تبیّنه وهو حکم العقل بذلک وکذلک الاموال الخطیرة فراجع.

حکم من قدّم طعاماً مملوکاً لغیره

من قدم طعاماً مملوکاً لغیره فهل الضمان علی المباشر؟ أم المقدّم؟ المعروف بین المتأخرین انهما ضامنان معاً للمالک و یرجع المباشر الی الغار لقاعدة الغرور الّا انه یمکن ان یقال بضعف المباشر و ان السبب اقوی بدلالة العرف و حکم العقلاء و

ص:40


1- المختلف ج/8 باب الاطعمة و الاشربة  
2- وسائل الشیعة، ج 3، ص: 488 ح4254
3- المذکور فی باب الاستصحاب .

لعل قوله تعالی{و لا تزر وازرة وزر اخری}(1) دالّ علی ذلک حیث ان الوزر هو الثقل و لعل الذنب لثقله سمی وزراً وان کان الموجود فی کتب اللغة و التفسیر انه الاثم لکن یحتمل ان یکون المراد منه احد المصادیق لا المرادف و لعله هو الثقل الحاصل بسبب الذنب والاثم.

و یدل علی ذلک وجود بعض القرائن المحتفة بها مثل{و ان تدعوا مثقلة ....} التی هی من قبیل الصغری لتلک الکبری و بقرینة الحمل علی الظهور و حینئذ لو کان معنی الوزر الثقل فقد دلت الایة علی ان الثقل الذی یعود لاحد لا یحتمله الاخرون و الحاصل انها تدل علی کون الضمان- الذی هو ثقل- یختص بصاحبه دون غیره و یشهد لکون المباشر لا یضمن ما تقدم من - ان ثمن الخمر و الخنزیر الذی هو سحت - للمقتضی حلال و للبایع حرام, فهو باطلاقه ولو المقامی یدل علی عدم ضمانة المقتضی و الایة بعمومها تدل علیه ایضا و الحاصل ان الایة تدل علی تأسیس قاعدة فقهیة تحت عنوان نفی الوزر أو {و لا تزر وازرة وزر اخری}.

و اما کلمات المتقدمین فالظاهر من الشیخ فی النهایة هو عدم ضمان المشتری من السارق اذا لم یکن یعلم بالسرقة و هو المفهوم من الکلینی حیث اعتمد صحیح الحسین بن ابی العلاء(2) عن أبی عمار السرّاج عن الصادق علیه السّلام «فی الرجل

ص:41


1- وردت فی سور متعددة منها النجم و فاطر و الزمر و غیرها.
2- بروایة التهذیب (تحقیق الخرسان) ج 7 ص 237 باب 21 ح 58

یوجد عنده السّرقة، فقال: هو غارم، إذا لم یأت علی بائعها شهودا»(1) و لا یخفی دلالتها علی عدم الغرم اذا اتی بالبینة علی شراءها و السراج و ان کان مهملاً الّا ان الخبر موافق للقران قال تعالی{ولا تزر وازرة وزر اخری} کما تقدم و بذلک یظهر ضعف مخالفة ابن إدریس حیث قال: «هو ضامن علی شرائها ببینة أو لا بلا خلاف» .

و اما ما فی صحیح جمیل « عن أبی عبد اللّه (علیه السلام) فی الرجل یشتری الجاریة من السوق فیولدها، ثمّ یجی ء مستحقّ الجاریة، قال: یأخذ الجاریة المستحقّ، و یدفع إلیه المبتاع قیمة الولد و یرجع علی من باعه بثمن الجاریة و قیمة الولد التی أخذت منه»(2) الدال علی ان المالک یرجع الی المشتری فی قیمة الولد و المشتری یرجع الی البایع, و بمضمونه روایات اخر مثل خبر زرارة «قال: قلت لأبی عبد اللّه (علیه السلام) رجلٌ اشتری جاریةً من سوق المسلمین فخرج بها إلی أرضه فولدت منه أولاداً ثمّ إنّ أباها یزعم أنّها له و أقام علی ذلک البیّنة قال یقبض ولده و یدفع إلیه

ص:42


1- الکافی (ط - الإسلامیة)، ج 5، ص: 229ح7
2- تهذیب الأحکام (تحقیق ال خرسان ) ج 7 ص 82 باب 6

الجاریة و یعوّضه فی قیمة ما أصاب من لبنها و خدمتها»(1), فلا اطلاق و لا عموم فیه بل یختص بمورده .

قاعدة الغرور

و حیث انجر الکلام الی قاعدة نفی الغرور فنقول: قد دلت عدة روایات علیها کما فی صحیحة ابی عبیدة عن الباقر (علیه السلام) حول التدلیس و فیها: «و یأخذ الزوج المهر من ولیها الذی کان دلسها»(2) و مثلها ما رواه رفاعة بن موسی و فیها: «و انما صار علیه المهر لانه دلسها»(3) و قد رواه السرائر فی مستطرفاته عن کتاب نوادر البزنطی عن الحلبی(4) و دلالته أوضح من سابقه فقوله: «لانه دلسها» من قبیل منصوص العلة فیتعدی الی غیره و مثلهما خبر الدعائم و صحیح الحلبی(5) و غیرهما کما و ان السیرة ایضاً مما تدل علیه اضف الی ذلک اجماع العلماء و ارسالهم لها ارسال المسلمات و استنادهم الیها فی مختلف ابواب الفقه.

ص:43


1- وسائل الشیعة، ج 21، ص: 204 ح4؛ و الخبر موثوق به لان فی طریقه صفوان و هو من اصحاب الاجماع .
2- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 5 ص 408 باب المدالسة فی النکاح و ما ترد منه المرأة
3- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 5 ص 407 ح9باب المدالسة فی النکاح و ما ترد منه المرأة
4- و الطریق الیه قیل انه معتمد. وهو متعدد و تعدده یوجب الوثوق به.
5- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 5 ص 407 ح10باب المدالسة فی النکاح و ما ترد منه المرأة

و اما کلمة الغرور  ففی المفردات غررت فلاناً اصبت غرّته و نلت منه ما ارید و الغرّة غفلة فی الیقظة و اصل ذلک من الغرّ و هو الاصل الظاهر من الشیء و منه غرة الفرس، و الغرور- بالفتح- کل ما یغرّ الانسان من مال و جاه و شهوة و شیطان و الغرر الخطر و فی الصحاح - غره یغره غروراً خدعه- و فی نهایة ابن الاثیر الغرّة الغفلة.

حصیلة البحث:

فالمحرم علی اقسام: القسم الاول: ما یکتسب به لانه من الأعیان النّجسة کالخمر و النّبیذ و الفقّاع و المائع النّجس غیر القابل للطّهارة و ذلک لعدم وجود المنفعة المحللة فیها فاذا کانت فیها منفعة محللة مقصودة للعقلاء و لو نادرا حلت المعاوضة علیها کالدّهن للاستصباح فان مالیة الشیء بمنافعه الغالبة المقصودة للعقلاء و لو نادرا کالادویة , وکذلک الامر فی المیتة و الدّم و أرواث و أبوال غیر المأکول و الخنزیر و الکلب إلّا کلب الصّید و الماشیة و الزّرع و الحائط فتحرم المعاوضة علیها بمعنی بطلان المعاوضة علیها. ویجوز بیع المیتة لمستحلها و کما یحرم بیع المیتة اذا لم یکن لها منفعة محللة کذلک یحرم بیع جسد المیت الذی لا حرمة له لعدم وجود منفعة فیه. و یجوز اقتضاء الدین و لو علم الدائن ان المدین حصّل المال عن طریق بیع الخمر و الخنزیر فانه للمقتضی حلال و ان کان للبایع حراماً, و یجوز بیع ابوال الابل کما یجوز شربه اختیاراً. و لا یحرم التسبیب فیجوز

ص:44

اعارة الثوب مع نجاسته من دون اعلام, نعم یحرم الغش و یجب الاعلام بوجود العیب لکن لا من جهة التسبیب.

القسم الثانی

ما یحرم التکسب به لتحریم ما یقصد به

(و) هی ( آلات اللهو و الصنم و الصلیب و آلات القمار کالنرد و الشطرنج و البقیری و بیع السلام لاعداء الدین و اجارة المساکن و الحمولة للمحرم و بیع العنب و التمر لیعمل مسکراً و الخشب لیعمل صنماً) و غیرها و هی علی انواع:

النوع الاول: ان لا تکون المنفعة المترتبة علیه بما هی هی الّا الحرام و لا یکون فیه - بما هو غرض- محلل اخر کما فی هیاکل العبادة و آلات القمار و غیرها و هذا النوع مع عدم وجود مالیة له معلوم البطلان أما لو کانت لمادته مالیة کما فی الصنم المصنوع من الخشب أو النحاس فالمعاملة علیه بما هو صنم ایضاً باطلة و ذلک فان الهیئة المزبورة فی نظر العرف مقومة للمبیع و ان کانت فی نظر العقل من اوصافه و لذا فلا تنحل الی معاملتین بالاضافة الی المادة و الهیئة و یدل علی بطلان المعاملة کونه اکلاً للمال بالباطل و مفهوم ما دل علی ان ثمن الجاریة المغنیة سحت و قد تقدمت.

    اقول:و محتملات هذه الروایة فی بادیء النظر اربعة:

الاول: ان ثمن المغنیة سحت لاجل کون الثمن فی مقابل کونها مغنیة و هذا ما لا مالیة له فیکون باطلاً .

ص:45

الثانی: لاجل کون نفس الشراء و البیع حرام تکلیفا کما فی خبر الطاطری الذی اعتمده الکلینی.

الثالث: لاجل قصد الحرام.

 الرابع: لاجل التعبد بذلک من قبل المولی خلافا للقاعدة الاولیة و تخصیصاً لها.

 اما الاحتمال الاول فیرد علیه ان الاوصاف لا تقابل بالاثمان عرفا وان مالیة الشیء امر عقلائی لم یتصرف فیه الشرع هکذا قیل وفیه انها تقابل عرفا فی کثیر من الموارد .

قیل: واما الرابع: فلا یصار الیه الا اذا لم یستظهر شیء من المحتملات الثلاثة وحینئذ فیدور الامر بین المحتملین الاخیرین والقدر المتیقن منهما هو الاحتمال الثانی دون الثالث لفقد القرائن علی استظهار الثالث بخلاف الثانی فان عموم وجوب الوفاء لا یشمله و ذلک لقصورها عن شموله اما للانصراف او غیره.

قلت: ویرد علیه انه لاتلازم بین الحرمة التکلیفیة والحرمة الوضعیة وعلیه فالصحیح هو الاحتمال الاول وقد صرحت الروایة فیه.

و اما الدراهم المغشوشة: فالکلام فیها یقع من جهتین:

الاولی: فی جواز اقتنائها

الثانیة: فی بیعها.

اما الاولی: ففی صحیحة محمد بن مسلم (قلت للصادق (علیه السلام) الرجل یعمل دراهم یحمل علیها النحاس أو غیره ثم یبیعها قال اذا بیّن ذلک فلا بأس)(1) الدالة علی

ص:46


1- الوسائل ج/12 باب10 من ابواب الصرف ح/2

جواز البیع و الاقتناء الا انه قد یقال بمعارضة روایة الجعفی لها ففیها: «اکسرها فانه لا یحل بیع هذا و لا انفاقه»(1) و مثلها روایة موسی بن بکر «قَطَعَه نصفین ثم قال لی: ألقه فی البالوعة حتی لا یباع شیء فیه غش»(2) و هی ظاهرة ایضاً فی وجوب ازالته بدلیل الامر بالقائه فی البالوعة ویعم الوجوب کل ما فیه غش و لو لم یکن درهماً کما هو مقتضی التعلیل الّا انه لابد من حملها علی صورة عدم کون مادة الدرهم مالاً و الّا یکون القاؤه فی البالوعة من التبذیر و الاسراف و علی هذا تحمل روایة الجعفی و یرتفع التعارض بینها و بین صحیحة ابن مسلم , هذا و باعتبار اخصیة صحیحة ابن مسلم و اختلاف موردها عن مورد الروایتین فلا تعارض فی البین بل تخصصهما علی القول بظهورهما لمورد الصحیحة.

النوع الثانی: ما یقصد منه المتعاملان الحرام و هو علی ثلاثة اقسام:

 الاولی: ما اذا کان توافقهما علی خصوص المنفعة المحرمة یعنی بالشرط.

الثانیة: ما اذا کان الملحوظ کلتا المنفعتین المحللة و المحرمة کما هو الحال فی بذل الثمن للجاریة المغنیة.

الثالثة: ما اذا کانت المنفعة المحرمة و استعمال الشیء فی الحرام داعیاً لهما الی المعاملة کما اذا اشتری العنب و کان قصدهما تخمیره و صرفه فی الحرام و لکن بلا التزام ذلک منهما فی المعاملة.

الرابعة: بیع العنب مع العلم انه یصرفه فی الحرام بلا داع للبایع فی بیعه له.

ص:47


1- الوسائل ج/12 باب10 من ابواب الصرف ح/5
2- الوسائل ج/12 باب86 من ابواب ما یکتسب به ح/5

اقول: و لا اشکال فی فساد المعاملة و حرمتها فی الاولی لحرمة الاعانة علی الحرام و فساد اکل المال الباطل و الاشکال فی الاول «بان التعاون لا یحصل الّا بان یجتمع اثنان أو اکثر علی تحقیق الحرام و ایجاده و انه هو الحرام و اما مجرد الاعانة فلا دلیل علی حرمتها حیث ان الایة عبرت بالتعاون لا بالاعانة» لیس فی محله و خلاف المتفاهم العرفی فان العرف لا یفهم من لا تعاونوا خصوص ما ذکره المتشکل بل الاعم منه ومن الاعانة الحاصلة بفعل بفعل واحد و المتشکل انما فکک بینهما حسب الدقة العقلیة و بما یخالف الصدق العرفی.

و اما الاشکال فی فساده بان الثمن لم یقع قبال الشرط و المنفعة بل قبال المبیع و ان الحکم بالفساد مع اشتراط المنفعة المحرمة مبنی علی کون الشرط الفاسد مفسداً للعقد- فلیس صحیحاً بعد عدم امکان التفکیک بین الشرط و المشروط عرفاً- و ان امکن ذلک عقلاً- فیقع الثمن قبال هذا المشروط بهذا الشرط الحرام و بذلک یراه العرف و علیه یأخذ و یعطی المشتری و یصدق علیه کونه اکلاً للمال بالباطل و یمکن ان یستشهد له بما تقدم من حرمة ثمن الجاریة المغنیة بعد الغاء خصوصیة المورد و لا یخفی قوة اطلاقها علی بطلان المعاملة علیها و لو کان الثمن مشترکاً بین منافعها المحللة و المحرمة .

و بذلک یظهر الحال فی المسألة الثانیة و یحمل خبر جابر (سألت الصادق (علیه السلام) عن الرجل یؤاجر بیتاً لیباع فیه الخمر قال: حرام اجره)(1) و لذلک نتعدی من حرمة بیعها الی حرمة بیع العبد الماهر فی القمار.

ص:48


1- الوسائل ج/12 باب 39 من ابواب ما یکتسب به ح/1

و اما الصورة الثالثة: فالصحیح صدق الاعانة علی الحرام فیها اذ لا یخلو الداعی عن القصد.

 و القصد لتحقیق الحرام من الغیر اعانة علی الحرام. وهی و ان کانت فی الحقیقة اعانة علی شرط الحرام لا الحرام نفسه الّا ان العرف لا یفرق فی صدق الاعانة علی الحرام بین الاعانة علی نفس الحرام أو مقدماته فلذا الصحیح فیها هو حرمة هذا العمل تکلیفاً و اما وضعاً فقد تقدم عدم التلازم بین الامرین فلابد للقول بالفساد من دلیل فان صدق مع هذا القصد انه أکل للمال بالباطل فهو و الا فلا و قد استظهرناه من صحیحة ابراهیم بن ابی البلاد فی حرمة ثمن الجاریة المغنیة ان قصد الحرام موجب لفساد المعاملة وهو کذلک عرفاً فالصحیح هو الاول من صدق الاکل بالباطل مع قصد الحرام .

و اما الصورة الرابعة: و هو بیع العنب ممن یعلم انه یعمله خمراً و بیع الخشب ممن یعلم انه یجعله صلیباً و غیرهما فالقاعدة الاولیة فیها تقتضی جواز البیع و صحته الّا اذا دل الدلیل علی کونه من مصادیق الاعانة علی الحرام فیحرم تکلیفاً لا وضعاً فلابد من تحریر القول فی مفهوم الاعانة فنقول: انه یعتبر فی صدق الاعانة علی الحرام قصده الحرام بان یکون داعیه الی ذلک الفعل توصل الغیر و وصوله الی الحرام نعم فی بعض الموارد یصدق الاعانة علی الحرام و ان لم یعتبر القصد کما فی اعطاء الظالم سوطاً لضرب مظلوم فانه لا معنی لاشتراط القصد و ذلک لان القصد حاصل و لا یمکن القول بانفکاک الفعل المعین عن القصد و لو انفک فلا اشکال لما یأتی الّا من جهة الاعانة علی الظلم.

ص:49

اما فی بیع العنب فهو و ان کان یعلم انه سیجعله خمراً فلا قصد و علی فرض شبهة القصد فیه - یعنی العلم بصرف المشتری له فی الحرام - فقد الغی المولی ذلک فی البیع و باقی العقود لعدم الخصوصیة و وسّع علی الامة و بذلک تعرف الوجه الصحیح فی تفسیر ما ورد فی حلیة بیع العنب لمن یعمله خمراً کما فی صحیحة رفاعة: (السنا نبیع تمرنا ممن یجعله شراباً خبیثاً)(1) .

و یشهد لما ذکرناه ظهور صحیحة عمر بن أذینه (انما باعه حلالاً فی الابّان الذی یحل شربه أو اکله فلا بأس ببیعه)(2) و غیرهما و بذلک یظهر ببرکة هذه الاخبار ان الانسان غیر مسؤول عن قصد الاخرین ما دام هو لم یقصد الحرام الّا ما خرج بالدلیل و قد خرج بالدلیل ما فی صحیحة عمر بن أذینه(3) و غیرها(4) من جواز بیع الخشب لمن یعمله برابط و حرمته ممن یعمله صنماً أو صلیباً و بذلک یظهر الوجه فیما رواه المبسوط عنه صلی الله علیه واله (من اعان علی قتل مسلم و لو بشطر کلمة جاء یوم القیامة مکتوباً بین عینیه هذا آیس من رحمة الله)(5) و ما ورد ( من اکل الطین فمات فقد اعان علی نفسه)(6).

ص:50


1- الوسائل ج/12 باب 59 من ابواب التکسب ح/8
2- الوسائل ج/12 باب59 ح/5 و الکافی ج/5 ص231 ح/8
3- الوسائل ج/12 باب41 و ح/2 و الکافی ج/5 ص226 ح/2
4- و هی ما عن عمر بن حریث و قد تقدم فی رقم2 مصدرها. و التهذیب ج/6 ص373
5- المبسوط ج/6 ص285 و سنن ابن ماجة ج/2 ص874 ح/2620
6- الکافی ج/6 ص266 ح/8 و قریب منه ح/5

و الحاصل انه بقرینة انما باعه حلالاً نعمم الحکم بالغاء علم البایع بکون المشتری یصرفه فی الحرام- الّا ما خرج بالدلیل- و بالتالی تعرف حکومة هذه الروایات علی ادلة النهی عن المنکر و دفع المنکر علی تقدیر تمامیتها فی ما نحن فیه .

و بذلک یظهر انه لولا هذه الروایات لکان اللازم القول بحرمة الاعانة حتی فی مثل تجارة التاجر و مسیر الحاج - اللذین یعلمان بأن الظالم یاخذ الضرائب المعینة منهما - فلا فرق بین هذین المثالین و غیرهما فی حصول القصد الحرام و ان لم یکن بالذات فالغرض الاصلی لهما و ان کان التکسب و الحج بل یکفی فی صدق الاعانة احراز ان الغیر یتوصل بها الی الحرام فهی لا تزید شرطاً علی سائر الافعال التی یعتبر فی صدقها أو تعلق الحکم بها التعمد کما اذا علم المکلف فی نهار شهر رمضان انه لو ذهب الی مکان کذا یصب الماء فی حلقه أو انه لو القی نفسه من کذا لارتمس فلا شک فی کونه متعمداً للمفطر نعم یشهد لعدم حرمتها بالاضافة الی ما سبق من الاخبار, السیرة القطعیة بعدم حرمة مثل ذلک، و اما ما قیل من لابدیة صدور الحرام من الغیر حتی تصدق الاعانة علی الحرام فهو و ان کان صحیحا الّا انه لا اثر له بعد القول بحرمة التجری کما هو الحق للدلیل الخاص(1), فضلاً عن الحکم العقلی و بذلک یظهر ضعف القول بحمل الاخبار المانعة علی الکراهة کما ذهب الی ذلک المصنف فقال: (و یکره بیعه لمن یعمله).

النوع الثالث: ما یحرم لتحریم ما یقصد منه شأناً باعتبار ان تلک العین قابلة لاستعمالها فی الحرام الّا ان مجرد قابلیة المبیع لاستعماله فی الحرام لا یوجب عدم

ص:51


1- راجع عقاب الاعمال ؛ باب عقاب المتجری علی الله تعالی .

جواز بیعه تکلیفاً أو وضعاً بل لابد من اقامة دلیل علی المنع کما فی بیع السلاح من اعداء الدین یعنی الکفار ففی صحیحة علی بن جعفر اخیه (علیه السلام) قال (سألته عن حمل المسلمین الی المشرکین التجارة قال اذا لم یحملوا سلاحاً فلا بأس)(1) و هی تدل علی حرمة حمل السلاح لهم مطلقاً سواء کان حال الحرب أم لا؟ بل قد یقال انها ناظرة الی خصوص حال عدم الحرب لان تقویتهم حال حربهم للمسلمین و لو بأرسال مثل الطعام الیهم غیر جائز بعد صدق الاعانة لهم علی حرب المسلمین , بل هو من مصادیق المحاربة لا الاعانة علیها.

و اما مکاتبة الصیقل(2) الدالة علی جواز بیع السیوف من السلطان فالمراد منها السلطان المخالف لا الکافر فان بیعه من المخالفین جائز فی حال الهدنة دون الحرب کما صرحت بذلک روایتا الحضرمی و هند السراج(3) و لا یضرهما ضعف السند بعد روایة الکافی لهما و الصدوق لاحدهما و یشهد لذلک ایضاً خبر الصدوق عن حماد بن عمرو و انس بن محمد عن ابیه فیما اوصی به النبی صلی الله علیه واله (یا علی کفر بالله العظیم من هذه الامة عشرة وعد منها:و الساعی فی فتنة و بائع السلاح من اهل الحرب)(4) و الاول یصدق ببیع السلاح للمخالف و الثانی یصدق ببیع السلاح لاهل الحرب یعنی الکفار مطلقاً و یشهد لحرمته مطلقاً

ص:52


1- مسائل علی بن جعفر و مستدرکاتها ص176 ح320
2- التهذیب ج/6 ص382 ح/1128
3- الکافی ج/5 ص112 ح/1 و ح/2 و الفقیه ج/3 ص107
4- من لا یحضره الفقیه ج 4 ص 363 باب النوادر و هو آخر أبواب الکتاب

قوله تعالی{ و اعدوا لهم ما استطعتم من قوة ...}(1) الامرة بجمع الاسلحة و غیره للاستعداد و التهیئة الی ارهاب الکفار و قتالهم فبیعها منهم و لو فی حال الهدنة نقض للغرض فلا یجوز.

ثم ان السلاح لغةً اسم لمطلق ما یکن فیشمل مثل المجن - الترس- و الدرع و المغفر و سائر ما یکن فی الحرب کما فسره الفیومی فی المصباح حیث قال فیه انه: (ما یقاتل به فی الحرب و یدافع أو حدیدتها)(2) . کما فی تاج العروس (السلاح بالکسر و السلح کعنب و السلحان بالضم آلة الحرب)(3) و بذلک یظهر ان حرمة البیع لا تختص بالسیف بل هی شاملة لکل ما یقاتل و یدافع به و بذلک صرح خبرا الحضرمی و السراج المتقدمان .

 ثم انه ورد حرمة بیع السلاح من اهل الباطل کما فی صحیحة محمد بن قیس وفیها: (بعهما ما یکنهما الدرع و الخفین و نحو هذا)(4) و هی باطلاقها شاملة لمحقون الدم کالذمی و غیره الّا ان یقوم دلیل قاطع بخلافها کما فی الحربی .

و اما البیع لقطاع الطرق فمع احراز البایع استعمال له فی الاعتداء علی الغیر لا یجوز البیع علیهم لکونه اعانة علی الاثم و العدوان .

لا یقال: انه قد تقدم ان الانسان غیر مسؤول عن قصد الاخرین الّا ما خرج بالدلیل.

ص:53


1- الانفال ایه 62
2- المصباح المنیر باب سلح .
3- تاج العروس ج/2 ص165
4- الوسائل ج/12 باب8 ح/3

فانه یقال: هذا من الموارد التی خرجت بالدلیل کما هو مقتضی مفهوم صحیحة محمد بن قیس المتقدمة مضافاً الی الفرق بین ما تقدم و ما نحن فیه و هو مأمن شأنه أن یکون للحرام بحیث لا تکون له منفعة الّا الحرام بخلاف ما تقدم.

ثم ان النهی عن حمل السلاح الی المشرکین و المخالفین تکلیفی لا یقتضی فساد المعاملة لعدم الملازمة هذا بحسب ما تقتضیه القاعدة الاولیة نعم لو صدق علیها انها اکل للمال بالباطل باعتبار دلالة الایة بالنهی عن اکل المال بالاسباب الباطلة و الطرق الغیر المشروعة کما فی نحن فیه بطلت المعاملة کما و یمکن ان یقال: بثبوت ذلک بقرینة حرمة التحاکم الی الطاغوت الذی هو طریق باطل لا یقال اذاً یفسد البیع وقت النداء فانه یقال: انه لیس بیعاً بالاسباب الباطلة بل هو خارج تخصصاً.

حصیلة البحث:

القسم الثانی: ما یحرم التکسب به لتحریم ما یقصد به و هو علی انواع.

النوع الاول: ان لا تکون المنفعة المترتبة علیه بما هی هی الّا الحرام و لا یکون فیه - بما هو غرض- محلل اخر کما فی هیاکل العبادة و آلات القمار کالنّرد و الشّطرنج و البقّیری و غیرها و هذا النوع مع عدم وجود مالیة له معلوم البطلان أما لو کانت لمادته مالیة کما فی الصنم المصنوع من الخشب أو النحاس فالمعاملة علیه بما هو صنم ایضاً باطلة .

ص:54

النوع الثانی: ما یقصد منه المتعاملان الحرام و هو علی اربع صور:

 الاولی: ما اذا کان توافقهما علی خصوص المنفعة المحرمة  بواسطة الشرط کما فی إجارة المساکن و الحمولة للمحرّم و بیع العنب و التّمر لیعمل مسکراً و الخشب لیعمل صنماً و یحرم بیع الشیء بقصد الحرام کما فی  بیع المغینة لاجل انها مغنیة. و لا اشکال فی حرمة المعاملة و فسادها.

الثانیة: ما اذا کان الملحوظ کلتا المنفعتین المحللة و المحرمة کما هو الحال فی بذل الثمن للجاریة المغنیة وهذه المعاملة محرمة وفسادة ایضا .

الثالثة: ما اذا کانت المنفعة المحرمة و استعمال الشیء فی الحرام داعیاً لهما الی المعاملة کما اذا اشتری العنب و کان قصدهما تخمیره و صرفه فی الحرام و لکن بلا التزام ذلک منهما فی المعاملة , وهذه المعاملة محرمة وفسادة ایضا.

الرابعة: بیع العنب مع العلم انه یصرفه فی الحرام بلا داع للبایع فی بیعه له و هذه المعاملة محللة و صحیحة. وکذلک یجوز بیع الخشب لمن یعمله برابط نعم یحرم بیعه ممن یعمله صنماً أو صلیباً.

النوع الثالث: ما یحرم لتحریم ما یقصد منه شأناً باعتبار ان تلک العین قابلة لاستعمالها فی الحرام الّا ان مجرد قابلیة المبیع لاستعماله فی الحرام لا یوجب عدم جواز بیعه تکلیفاً أو وضعاً بل مع الدلیل علی المنع کما فی بیع السلاح من الکفار و اهل الباطل من المسلمین, و السلاح  اسم لمطلق ما یکن فیشمل مثل المجن -

ص:55

الترس- و الدرع و المغفر و سائر ما یکن فی الحرب. و اما البیع لقطاع الطرق فمع احراز البایع استعمال المشتری له فی الاعتداء علی الغیر لا یجوز البیع علیهم لکونه اعانة علی الاثم و العدوان لکن لا تبطل المعاملة, و اما النهی عن حمل السلاح الی المشرکین و المخالفین فتکلیفی و وضعی یقتضی فساد المعاملة.

القسم الثالث

ما یحرم الاکتساب به

لکونه عملاً محرماً فی نفسه و بعد حرمة العمل و منع المولی منه لا یکون مشمولاً لعموم اوفو بالعقود و مع عدم شموله و مثله لا یمکن اثبات صحته بل و یکون اخذ الاجرة علی ذلک العمل اکلاً للمال بالباطل و قد ذکر المصنف قسماً من تلک المحرمات فقال: (و یحرم عمل الصور المجسمة و الغناء و معونة الظالمین بالظلم و النوح بالباطل و هجاء المؤمنین و حفظ کتب الضلال و نسخها و درسها لغیر نقض أو الحجة أو التقیة و تعلم السحر و الکهانة و القیافة و الشعبذة و تعلیمها و القمار و الغش الخفی و تدلیس الماشطة و تزیین کل من الرجل و المرأة بما یحرم علیه ... و الاجرة علی الزناء و رشا القاضی)

   اقول: و حیث انها اکثر مما قال فنحن نذکرها علی ترتیب الحروف:

حکم تدلیس الماشطة

الاول تدلیس الماشطة: و حیث انه مقدمة للغش فسیأتی الکلام فیه فی ذلک الباب و اما ما استدل له بالخصوص فلا دلالة فیه من جهة التدلیس کما فی خبر المعانی عن الصادق (علیه السلام) قال (لعن رسول الله صلی الله علیه واله النامصة و المنتمصة و

ص:56

الواشرة و المستوشرة و الواصلة  المستوصلة و الواشحة و الموتشمة)(1) و قریب منها غیرها و لا علاقة لها بالتدلیس و اما ما تضمنته هذه الروایة و بضمیمة تفسیرها بما فسره علی بن غراب(2) و غیرها فمعارضة بما دل علی جواز ذلک کما فی روایة سعد الاسکاف قال: «سئل ابو جعفر (علیه السلام) عن القرامل التی تضعها النساء فی رؤوسهن تصلنه بشعورهن فقال لا بأس علی المرأة بما تزینت به لزوجها قال: فقلت بلغنا ان رسول الله صلی الله علیه واله لعن الواصلة و الموصولة فقال لیس هنالک انما لعن رسول الله صلی الله علیه واله الواصلة التی تزنی فی شبابها فلما کبرت قادت النساء الی الرجال فتلک الواصلة والموصولة»(3) و الصدوق بعد نقله لتفسیر علی بن غراب و منه ان الواصلة التی تصل شعرالمرأة بشعر امرأة غیرها روی عن الکرخی عن الصادق (علیه السلام) (لعن رسول الله صلی الله علیه واله الواصلة و المستوصلة یعنی الزانیة و القوادة)(4).

ص:57


1- معانی الاخبار ص249
2- المصدر السابق ص250
3- معانی الاخبار ص250
4- الوسائل ج/12 باب19 ح/7

هذا و قد یقال بحرمة وصل الشعر بالشعر لورود النهی عنه کما فی مرسل ابن ابی عمیر(1) الّا انه معارض بخبر عبدالله بن الحسن الظاهر فی کراهة ذلک ففیه: (و ان کان شعراً فلا خیر فیه)(2) بل لا ظهور للاول فی الحرمة ایضاً بقرینة ظهوره فلاحظ.

حکم التزین

الثانی: تزین الرجل بما یحرم علیه و کذلک المراة کما فی لبس الحریر و الذهب للرجال الّا فی ما استثنی علی القول بحرمته کما صار الیه المتاخرون لبعض الاخبار کما فی خبر الکافی (لا تختم بالذهب فانه زینتک فی الاخرة)(3) و فی المرسل (جعل الله الذهب فی الدنیا زینة النساء فحرم علی الرجال لبسه و الصلاة فیه)(4).

اقول: اما الاول فظاهر فی الکراهة لان الروایة معللة و علتها لا تدل علی الحرمة فان الزینة فی الآخرة لا تمنع من زینة الدنیا و اما المرسلة فمضافا لضعفها معارضة بالصحیح الدال علی الجواز صریحا هذا و لیس من شهرة بین المتقدمین علی الحرمة.

ص:58


1- الکافی ج/ ص  عن الصادق (علیه السلام) قال دخلت ماشطة علی رسول الله صلی الله علیه واله فقال لها ترکت عملک أم اقمت علیه –الی- فقال: افعلی فاذا مشطت فلا تجلی الوجه بالخرقة فانه یذهب بماء الوجه و لا تصلی الشعر بالشعر) و فی سندها ابن اشیم بالاضافة الی ارسالها.
2- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان) ج 6 ص 361
3- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 6 ص 468  باب الخواتیم
4- ضعیفة لغالب بن عثمان .

حکم تشبه الرجال بالنساء و بالعکس

و اما تشبه الرجال بالنساء و بالعکس فانه روی الکافی و الصدوق ما یدل علی حرمته مطلقاً مثل ما عن جابر عن الباقر (علیه السلام) فی خبر طویل انه قال (و لا یجوز لها ان تتشبه بالرجال لان رسول الله صلی الله علیه واله لعن المشتبهین من الرجال بالنساء و المشتبهات من النساء بالرجال)(1) و کذلک روی العلل(2) و غیره الا ان الاشکال فی المراد من التشبه هل هو مطلقه أم السحق و اللواط فقدورد ایضاً کما فی خبر ابی خدیجة عن الصادق (علیه السلام) ( لعن الله - الی- قال و هم المخنثون و اللائی ینکحن بعضهن بعضا)(3) و علیه فلا یمکن الاعتماد علی اطلاق ما تقدم .

و اما موثقة سماعة عن الصادق علیه السلام (فی الرجل یجر ثیابه قال انی لاکره ان یتشبه بالنساء)(4) و مرسلته الاخری (کان رسول الله صلی الله علیه واله یزجر الرجل ان یتشبه و ینهی المرأة ان تتشبه بالرجال فی لباسها)(5) و الثانی ضعیف سنداً

ص:59


1- الخصال ص585 باب السبعین ح/12
2- فی اواخر نوادر اخره
3- الکافی باب187 من امکن عنقه من ابواب النکاح و رواه البرقی عن المحاسن.وروی الکافی فی باب 189 باب (السحق من النکاح) عن الصادق (علیه السلام) فی الراکبة و المرکوبة قال: و فیهن قال رسول الله صلی الله علیه واله لعن ... الی اخر الخبر) .
4- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 6 ص 458 باب تشمیر الثیاب
5- مکارم الاخلاق ص 118

و الاول لا ظهور له فی الحرمة و کذلک الثانی فان الزجر و ان کان یشعر بالحرمة الّا انه یصدق مع الکراهة ایضاً.

و بذلک یظهر حکم الخنثی بعد عدم حرمة التشبه مطلقاً کما و ان التشبه لا یتوقف علی العلم التفصیلی به بل یکفی فیه العلم الاجمالی .

حکم التشبیب

الثالث: التشبیب: لا اشکال فی حرمة ذکر الاجنبیات و التشبیب بهن و کذلک ذکر الغلمان و التشبیب بهم فی الشعر و غیره  اذا کان التشبیب لطلب الحرام و ترجی الوصول الی المعاصی و الفواحش کالزنا و اللواط و یمکن ان یدل علی الحرمة فیه ما دل علی حرمة طلب الحرام من الله بالدعاء  وهو شامل للتمنی بالقول ایضاً و ان لم یطلب الحرام حسب المتفاهم العرفی فتأمل و یدل علی حرمته انه جرأة علی معصیة المولی و انه تشویق الی المنکر و ترغیب الیه و تستفاد حرمته من فحوی دلیل وجوب النهی عن المنکر و فحوی وجوب انکار المنکر بالقلب و حرمة الرضا به کما لا یخفی.

و لا یخفی ان هذا الدلیل لا علاقة له بالمؤمنة و غیرها و لا بالمؤمن و غیره فهو شامل لکل معصیة فحتی الترغیب علی شرب الخمر بالشعر و غیره فهو حرام بهذا الدلیل.

و اما التشبیب فی غیر ما تقدم فلا دلیل علی حرمته الا اذا انطبق علیه احد العناوین المحرمة فهو تابع الیها، نعم یمکن ان یقال: انه لاینفک عن ما تقدم و یشهد لحرمته انه لمّا شب کعب بن الاشرف الیهودی بنساء المسلمین بعث النبی صلوات

ص:60

الله علیه و آله من قتله(1). و بذلک تعرف ان مدح الکافر و الظالم و الفاسق حرام لما تقدم من حرمة الرضا بالحرام و الفسق و وجوب انکاره.

حکم التصویر

الرابع: التصویر: و المراد تصویر ذوات الارواح و یدل علی حرمتها صحیحة البقباق عن الصادق (علیه السلام) فی قوله الله عزوجل { یعملون له ما یشاء من محاریب و تماثیل} فقال و الله ما هی تماثیل الرجال و النساء و لکنها الشجر و شبهه)(2) و فی صحیحة محمد بن مسلم سألت الصادق (علیه السلام) (عن تماثیل الشجر و الشمس و القمر فقال: لا بأس ما لم یکن شیئاً من الحیوان)(3) و الظاهر ان السؤال فیها عن عمل التماثیل لا الاقتناء و غیرهما من الروایات الصریحة و الکثیرة و منها ما فی عقاب الاعمال عن الصادق (علیه السلام) (من صور صورة من الحیوان یعذب حتی ینفخ و لیس بنافخ فیها)(4) و الظاهر منها هو حرمة التصویر مطلقاً و لا دلیل علی تخصیصها بالمجسمة و ما ذکر من دلیل لتخصیصها ضعیف و مردود و بالاطلاق فی ذوات الارواح قال ابن ادریس(5) و ابن البراج الّا انه لم یقیدها بذوات الارواح(6)

ص:61


1- النجعه - المتاجرص33
2- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 6 ص 527 باب تزویق البیوت .
3- المحاسن ج2 ص619
4- عقاب الاعمال ص266
5- السرائر ج/2 ص215
6- المهذب ج/1 ص344

و قال ابو الصلاح یحرم التماثیل و اطلق(1) نعم قیّد حرمة التصویر الشیخان(2) و سلار(3) بالمجسمة.

   هذا و هل یشمل الحیوان للجن و الملک؟ الظاهر ذلک حیث ان المفهوم من الحیوان من له الروح .

   و اما تقید حرمة التصویر بالصورة العجیبة فقول بلا دلیل بل کل ما صدق علیه انه تصویر لذوات الارواح فهو حرام کما و لا حاجة لتقییید ذلک بقصد الحکایة کما و یصدق التصویر مع نصفه ایضاً نعم لو لم یصدق علیه التصویر جاز.

و اما اقتناء الصور فالذی دلت علیه الصحاح جوازه کما فی صحیحة الحلبی عن الصادق (علیه السلام) (ربما قمت اصلی و بین یدی الوسادة و فیها تماثیل طیر فجعلت علیها ثوباً)(4) و صحیحة محمد بن مسلم عن الباقر (علیه السلام) (اصلی و التماثیل قدامی و انا انظر الیها قال: لا، أطرح علیها ثوباً لا بأس بها اذا کانت عن یمینک أو شمالک أو خلفک أو تحت رجلک أو فوق رأسک و ان کانت الی القبلة فألق علیها ثوباً وصل)(5) و صحیحته الاخری عن الباقر (علیه السلام) (لا بأس ان تصلی علی کل التماثیل

ص:62


1- الکافی فی الفقه ص281
2- المقنعة ص587 و النهایة ص363
3- المراسم ص170
4- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان) ج 2 ص 226
5- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان) ج 2 ص 226

اذا جعلتها تحتک)(1) و صحیحته الثالثة (عن الرجل یصلی و فی ثوبه دراهم فیها تماثیل فقال لا بأس بذلک)(2) و قریب منها صحیحة حماد بن عثمان و غیرها.

اقول: و یمکن ان تجعل هذه الروایات شاهداً علی حرمة المجسمات من ذوات الارواح دون غیرها و ان اقتناء المجسم منها حرام کعمله لکنه غیر واضح و داخل فی الجمع التبرعی و تحمل صحیحة محمد بن مسلم علی حرمة الاقتناء لا العمل کما قیل و قد تقدم أن ظهورها هو العمل و الّا فهی مجملة والحاصل انه یجوز اقتناء الصور مطلقاً و ان کان عمل ذوات الارواح منها حرام و حینئذ یلازم جواز اقتنائها جواز المعاملة علیها و ذلک لما فیه من المنافع المقصودة کتزیین البیوت و سائر المنافع.

حصیلة البحث:

القسم الثالث: ما یحرم الاکتساب به لکونه عملاً محرماً فی نفسه و هی علی ترتیب الحروف:

تدلیس الماشطة و اما حکم المعاملة المشتملة علیه فسیاتی عند الکلام فی حرمة الغش, و تزین الرجل بما یحرم علیه و کذلک المراة کما فی لبس الحریر للرجال الّا فی الحرب. و: التشبیب بالاجنبیات و الغلمان فی الشعر و غیره لطلب الحرام و

ص:63


1- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان) ج 2 ص 363
2- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان) ج 2 ص 363

ترجی الوصول الی المعاصی و الفواحش کالزنا و اللواط. و تصویر ذوات الارواح دون اقتنائها فانه جائز و یجوز شراؤها.

حرمة التطفیف

الخامس: التطفیف و لا شک فی حرمته بدلالة الایة { ویل للمطففین}(1) و الاخبار و حکم العقل بانه ظلم و اکل لمال الغیر عدواناً کما و لا اشکال فی حرمة البخس فی العدّ والذراع قال تعالی {و لا تبخسوا الناس أشیاءهم}(2).

 وهل تبطل المعاملة بذلک؟ فنقول: ان المعاملة قد تقع علی الکلی سواء کان فی الذمة فی المعین الخارجی و قد تقع علی الشخص المعین الموجود فی الخارج فاما الاول فلاشک فی صحة المعاملة فیه وتبقی ذمة المطفف مشغولة بما نقص عن حق الاخر و اما الثانی فقد یقال بالبطلان فیه لتخلف العنوان عن المعنون الّا انه غیر صحیح و ذلک فانه لیس من العناوین المقومة حتی یقاس بها کما اذا باع ذهباً فظهر انه مذهب أو باع طیراً فبان عصفوراً فان انفکاک العنوان فیها عن المشار الیه یوجب عدم وجود المبیع اصلاً فما وقع لم یقصد و ما قصد لم یقع و کیف کان فوقوع هذا القسم الثانی اما ان یکون العنوان فیه علی سبیل الشرطیة أو الجزئیة و کلاهما لا یوجبان بطلان البیع بل یلزم من الاول خیار تخلف الشرط و فی الثانی یقسط الثمن علی اجزاء المثمن و یصح البیع فی الموجود بحصته من الثمن هذا

ص:64


1- المطففین آیة 1
2- هود آیة 85

کله اذا کانا غیر ربویین و اما لو کانا ربویین فالمعاملة باطلة اذا کانت من قبیل الاول یعنی الشرطیة و صحیحة اذا کانت من قبیل الثانی یعنی الجزئیة فیصح فی المقدار الموجود و یبطل فی غیره.

حکم التنجیم

السادس: التنجیم نجّم رعی النجوم وراقبها لیعلم منها احوال العالم و المراد منه هنا هو الاخبار عن احکام النجوم و ان حرمته من باب حرمة الکهانة و السحر و ان کشفه لحوادث المستقبل لا یوجب العلم اولاً و انه یتنافی مع التوکل و الاعتماد علی الله جل وعلا  فعلی فرض انه یوجب العلم فهو قابل للدفع بالتضرع الی الله عزوجل و بالصدقات و القربات و انه من جری علیه تقدیر لا ینفعه اخبار المنجم له, و لا یمکن ان یدفع تقدیر الله جل و علا تدبیر و لا حیلة, کما و انه لا ینفع و لا یدرک ایضاً ففی حسنه ابن سیابة ( کثیره لا یدرک و قلیله لا ینفع)(1) و یشهد لذلک التاریخ و الاخبار ففی الاحتجاج ( قال یعنی الزندیق فما تقول فی علم النجوم قال یعنی الصادق (علیه السلام) هو علم قلت منافعة و کثرت مضراته لانه لا یدفع به المقدور و لا یتقی به المحذور ان المنجم بالبلاء لم ینجه التحرز من القضاء و ان اخبر هو بخیر لم یستطع تعجیله و ان حدث به سوء لم یمکنه صرفه و المنجم یضاد الله فی علمه بزعمه ان یرد قضاء الله عن خلقه)(2) و هذا الحدیث طویل و هو من الاحادیث الموثوق بها و قد اشتمل علی فوائد جمة .

ص:65


1- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 8 ص 195؛ و ابن سیابة ممدوح .
2- الاحتجاج ج2 ص 348

و یدل علی حرمته بهذا المعنی الاخبار المستفیضة و هی و ان کانت ضعیفة السند لکنها لکثرتها و اعتماد الاصحاب علیها توجب الوثوق بمضمونها من حرمة الاخذ بالتنجیم علی سبیل القطع و هی:

اولاً: خبر نصر بن قابوس قال سمعت الصادق (علیه السلام) یقول:  «المنجم ملعون والکاهن ملعون- الی- و قال (علیه السلام) المنجم کالکاهن و الکاهن کالساحر و الساحر کالکافر و الکافر فی النار»(1) و ظهوره فی حرمته التنجیم من جهة الاخبار عن المغیبات کالکهانة و السحر واضح لا غبار علیه لکن الصدوق قال بعده المنجم الملعون هو الذی یقول بقدم الفلک و لا یقول بمفلکة و خالقه عزوجل.

اقول: تفسیره للمنجم بذلک لا علاقة له بالخبر بل خلاف ظهور الخبر و الاخبار الاتیة و اما ما جهة السند فالظاهر انه مما یصححه ابن الولید حیث رواه الصدوق عنه مضافاً لظهور اعتماد الصدوق علیه و قد تقدم ان السیرة دلیل علی حجیة تصحیح ابن الولید و اضرابه مضافاً الی انه لا اشکال فی سنده الّا من جهة اسحاق بن ابراهیم اخو علی بن ابراهیم و هو مهمل .

و ثانیاً: ما فی نهج البلاغة فی حدیث (ثم اقبل (علیه السلام) علی الناس فقال ایها الناس ایاکم و تعلم النجوم الّا ما یهتدی به فی برأو فی بحر فانها تدعو الی الکهانة، المنجم کالکاهن و الکاهن کالساحر و الساحر کالکافر و الکافر فی النار سیروا

ص:66


1- الخصال ص297

علی اسم الله)(1) و فی روایة ابن ابی الحدید عن کتاب صفین ابراهیم بن الحسن بن دیزیل زیادة (اما و الله لئن بلغنی انک تعمل بالنجوم لأدخلنک فی السجن ابداً ما بقیت و لأحرمنّک العطاء ما کان لی من سلطان).(2)

و ثالثاً: مرسلة المحقق فی المعتبر عن النبی صلوات الله علیه و آله (من صدق منجماً أو کاهناً فقد کفر بما أنزل علی محمد صلوات الله علیه و آله)(3).

و رابعاً: خبر المعانی عن الکابلی قال سمعت زین العابدین (علیه السلام) - الی- (والذنوب التی تظلم الهواء السحر و الکهانة و الایمان بالنجوم)(4) و لا یخفی ان المراد من الایمان بالنجوم هو ما ذکرنا دون القول بألوهیّتها.

و خامساً: مرسلة الفقیه حیث قال: روی(5) عن عبد الملک بن اعین قال قلت للصادق (علیه السلام) (انی قد ابتلیت بهذا العلم فارید الحاجة فاذا نظرت الی الطالع و رأیت الطالع

ص:67


1- نهج البلاغه خطبة 77 و قد روی هذه الخطبة ابن ابی الحدید (المجلد/1ص 203)عن کتاب صفین ابراهیم بن الحسن بن دیزیل کما و قد رواها الصدوق بثلاثة اسانید فی العیون ج/1 ص138 و فی الامالی ص338 مجلس 64 ح/16 و رواها ابن طاووس فی فرج الهموم ص57 عن عیون الجواهر للصدوق . هذا و لابن طاووس رأی فی تضعیف  الروایة و قد رده العلامة السید عبدالزهراء الحسینی فی کتابه القیم مصادر نهج البلاغة ج/2 ص80  بعد نقله لخلاصة دلیله.
2- شرح ابن ابی الحدید المجلد 1 ص203
3- المعتبر ج2 ص 688
4- معانی الاخبار ص271
5- عبر عن الروایة بالحسنة . و فیه: ان الصدوق لم یقل روی عبد الملک - الظاهر فی اخذه للروایة من کتابه وسنده الیه حسن - بل قال: روی ... و هذا التعبیر ظاهر فی انه اخذ الروایة من طریق اخر لم یذکر طریقه الیه فتکون مرسلة .

الشر جلست و لم أذهب فیها و اذا رأیت الطالع الخیر ذهبت فی الحاجة فقال لی تقضی قلت نعم قال احرق کتبک)(1) و دلالتها علی حرمة العمل بالنجوم واضحة .

و سادسا: خبر الخصال عن القاسم الانصاری فی خبر فیه: «ونهی رسول الله (ص) عن خصال تسعة... و عن النظر فی النجوم»(2) و غیرها من الاخبار .

و اما النظر بلا جزم و اعتقاد فجائز و یدل علیه صحیحة محمد بن ابی عمیر و هو من اصحاب الاجماع عن ابن اذینة عن سفیان بن عمر «کنت أنظر فی النجوم و أعرفها و أعرف الطالع فیدخلنی من ذلک شیء فشکوت ذلک الی ابی الحسن موسی بن جعفر (علیه السلام) فقال: اذا وقع فی نفسک فتصدق علی اول مسکین ثم أمض فان الله یدفع عنک)(3) .

و اما ما ذکر من بحث حول اعتقادات بعض المنجمین من ربط الحوادث الدنیویة بالافلاک و النجوم و الکواکب فهو لا علاقة له بحرمة التنجیم نعم هو انحراف عن

ص:68


1- من لا یحضره الفقیه ج 2 ص 267
2- الخصال ج2 ص418
3- المحاسن، ج 2، ص: 349ح26

الدین و کفر بالله العظیم فالاعتقاد بمؤثریة الافلاک بالاسقلال و انکار الله عزوجل أو الاعتقاد بمؤثریتها مع الله عزوجل لا شک فی کفر معتقده و ضلالته نعم الاعتقاد بها علی انها علامات وضعها الله سبحانه و تعالی للدلالة علی بعض الحوادث لا اشکال فیه بل قد دلت علیه بعض الروایات فراجع.

حکم حفظ کتب الضلال

السابع: حفظ کتب الضلال کما ذکره الشیخ فی المبسوط فقال: «فان کان فی المغنم کتب نظر- الی- و ان کانت کتباً لا یحل امساکها کالکفر و الزندقة و ما اشبه ذلک فکل ذلک لا یجوز بیعه»(1).

اقول: لا شک فی حرمة الاضلال کما یشهد به قوله تعالی { لیحملوا أوزارهم کاملةًیوم القیامة و من اوزار الذین یضلونهم بغیر علم الا ساء ما یزرون}(2) و علیه فکل ما یکون مقدمة للاضلال و من اسبابه فهو حرام فحفظ کتب الضلال لیس بحرام بالذات و انما حرمته من جهة ما یترتب علیه من اضلال و افساد فی عقائد الناس حیث ( ان اکثر الناس فهمهم قاصر عن تشخیص الحق و الباطل فاذا قرأ کتاب ضلال یعتقده حقاً و اذا کان فی قلبه زیغ یصیر سبباً لزیادته و قد کان المنصور (لع) امر بترجمة کتب زردشت و کتاب زند فکثرت الزنادقة فی عصره کأبن ابی العوجاء و ابی شاکر الدیصانی و ابن المقفع و عبدالملک البصری)(3) نعم

ص:69


1- المبسوط (باب الغنیمة من کتاب الجهاد)
2- سورة النحل: آیه25
3- النجعه کتاب المتاجر ص34

فیما لا یترتب علیه الاضلال لا اشکال فی عدم حرمته وقد استدل علی حرمة الاضلال بقوله تعالی {و من الناس من یشتری لهو الحدیث لیضل عن سبیل الله}(1) فذکر الشیخ فیها انه (قیل انها نزلت فی النضر بن کلدة انه کان یشتری کتباً فیها احادیث الفرس من حدیث رستم و اسفندیار و کان یلهی الناس بذلک و یظرف به لیصدهم عن سماع القرآن و تدبر ما فیه)(2) وحینئذ یکون معنی الایة و من الناس من یشتری ما فیه لهو الحدیث و ما یشتمل علی لهو الحدیث و کیف کان فدلالتها علی حرمة الشراء لاجل اضلال الناس واضحة. فالحفظ لاجل الاضلال مثله فی الحرمة ویدل علی ذلک ایضاً حسنة عبد الملک بن اعین المتقدمة فی حرمة التنجیم.

ثم ان المراد من کتب الضلال کل مال یوجب الاضلال و اغواء الناس و صدهم عن الحق بلا فرق بین ان تکون الغوایة فی الاصول أم فی الفروع فتکون شاملة لکتب البذاء - الفحش- و السخریة و القصص و الحکایات و الجرائد و المجلات المشتملة علی الاضلال وکتب الفلسفة و العرفان و الکهانة و نحوها مما یوجب الضلال.

حصیلة البحث:

ص:70


1- سورة لقمان: آیه 5
2- التبیان ج/2 ص429

یحرم التطفیف و التنجیم و المراد منه هنا هو الاخبارعن احکام النجوم وان حرمته من باب حرمة الکهانة و السحر. و یحرم حفظ کتب الضلال وذلک لحرمة الاضلال فکل ما یکون مقدمة للاضلال و من اسبابه فهو حرام فحفظ کتب الضلال لیس بحرام بالذات و انما حرمته من جهة ما یترتب علیه من اضلال و افساد فی عقائد الناس حیث ان اکثر الناس فهمهم قاصر عن تشخیص الحق و الباطل فاذا قرأ کتاب ضلال یعتقده حقاً و اذا کان فی قلبه زیغ یصیر سبباً لزیادته. و المراد من کتب الضلال کل مال یوجب الاضلال و اغواء الناس و صدهم عن الحق بلا فرق بین ان تکون الغوایة فی الاصول أم فی الفروع فتکون شاملة لکتب الفلسفة والعرفان و الکهانة و نحوها مما یوجب الضلال.

حکم حلق اللحیة

الثامن: حلق اللحیة و اقوی مایدل علی حرمته صراحةً و دلالةً خبر حبابة الوالبیة قالت: (رأیت امیر المؤمنین (علیه السلام) فی شرطه الخمیس(1) یعنی الجیش و معه درة یعنی السوط لها سبابتان یضرب بها بیاعی الجری و المارماهی و الزمار و یقول لهم یا بیاعی مسوخ بنی اسرائیل و جند بنی مروان فقام الیه فرات بن أحنف فقال: یا امیر المؤمنین و ماجند بنی مروان قال فقال له: اقوام حلقوا اللحی وفتلوا الشوارب فمسخوا)(2) و هی تدل علی حرمة حلق اللحیة وفتل الشارب و لعله لا قائل بحرمة الثانی صریحاً و یدل علی حرمة الحلق ایضاً ما دل علی حرمة التشبه

ص:71


1- الشرطة: اول طائفة من الجیش تشهد الواقعة.
2- الوسائل ج/  باب56 من آداب الحمام

باعداء الله عزوجل و هو معتبر السکونی المتقدم (قل للمؤمنین لا تلبسوا لباس اعدائی و لا تطعموا مطاعم اعدائی ولا تسلکوا مسالک اعدائی فتکونوا اعدائی کما هم اعدائی)(1) و دلالته علی حرمة التشبه باعداء الدین ولو من باب العنوان الثانوی صریحة فالخبر و ان کان ظاهراً فی الامر الارشادی الّا انه یدل علی ترتب العنوان الثانوی بمخالفته.

هذا و لا شک ان حلق اللحیة من مصادیق الدخول فی مسالک الاعداء و التشبه بهم کما و قد ورد فی بعض الروایات بابقاء اللحی و اعفاء الشارب و عدم التشبه بالمجوس و ان ذلک من فعلهم و فی بعض الاخبار النهی عن التشبه بالیهود .

اقول: و الروایة الاولی و ان کانت ضعیفة السند الّا ان الثانیة لا شک فی اعتبارها و ان وقع النوفلی فی سندها بعد تصحیح الصدوق لها واعتماد الاصحاب علی کتاب السکونی، لکن الحرمة فیه عرضیة لاجل التشبه لا ذاتیة.

حکم الرشوة

التاسع: الرشوة کما یدل علیها قوله تعالی{ ولا تأکلوا اموالکم بینکم بالباطل و تدلوا بها الی الحکام لتأکلوا فریقاً من اموال الناس بالاثم و انتم تعلمون}(2) و ظاهرها عدم جواز اعطاء المال الی الحکام لغایة اکل اموال الناس. و الاخبار فی حرمتها مستفیضة کما فی صحیحة عمار بن مروان عن الصادق (علیه السلام) (کل شیء غل من الامام فهو سحت والسحت انواع کثیرة - الی- و اما الرشا فی الاحکام یا

ص:72


1- الفقیه ج1 ص163
2- البقره:آیة188

عمار فهو الکفر بالله العظیم)(1) و مدلولها عدم جواز اخذ الرشوة بلا فرق بین کونها للحکم له باطلاً أو للحکم له بما هو الواقع و سواء کان ذلک غرضا و داعیاً الی الاعطاء أم شرطاً فیه.

ثم ان تفسیر الرشوة بانها ما یعطی للقاضی عوضاً عن حکمه و اجرة له غیر صحیح و لا تساعده اللغة و لا العرف کما قد یتوهم ذلک عن القاموس حیث فسرها بالجعل الّا انه لا یخفی انه محمول علی التفسیر بالاعم، و یکفی فی عدم شمول الرشوة له(2) الشک فی کونه من الرشوة فیدور معناها بین اختصاصها بموارد القضاء باعطاء المال للقاضی للحکم له حقاً أم باطلاً و بین شمولها له و لموارد اعطاء المال فی غیر موارد القضاء کما عن المصباح حیث قال: هی ما یعطیه الشخص للحاکم أو غیره لیحکم له أو یحمله علی ما یرید.(3) وقریب منه ما عن النهایة و یشهد لهما خبر یوسف بن جابر (لعن رسول الله صلوات الله علیه و آله من نظر- الی- ورجلاً احتاج الناس الیه لفقهه فسألهم الرشوة)(4) بل و یمکن ان یفهم ذلک من صحیحة ابن مروان و غیرها بتقیید الرشا  فی الحکم حیث یشعر أو یدل علی کون الرشا اعم من ان یکون فی الحکم و یدل علی اطلاق الرشوة فی الاعم من

ص:73


1- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 5 ص 126باب السحت
2- الغرض اخراج اجرة القاضی.
3- المصباح ؛ رشا .
4- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان) ج 6 ص 224 باب من إلیه الحکم و أقسام القضاة و المفتین

الحکم خبر حکم بن حکیم الصیرفی: قال (سمعت الصادق (علیه السلام) و سأله حفص الاعور فقال ان السلطان یشترون منا القرب و الاداوی(1) فیوکلون الوکیل حتی یستوفیه منا و نرشوه حتی لا یظلمنا فقال لا بأس ما تصلح به مالک ثم سکت ساعة؟ ثم قال ارأیت اذا انت رشوته یأخذ اقل من الشرط قال نعم قال فسدت رشوتک)(2) و فی صحیحة محمد بن مسلم قال سألت الصادق (علیه السلام) (عن الرجل یرشو الرشوة علی ان یتحول عن منزله فیسکنه قال لا بأس)(3) و بذلک یظهر ان تعریف المصباح و النهایة للرشوة هو الصحیح نعم یختلف حکم الرشوة فی الحکم عن غیره فالرشوة فی الحکم حرام مطلقا کما هو صریح الاخبار.

حکم الهدیة

ثم ان الهدیة الی القاضی لا تخرج عن حقیقة الرشوة و موضوعها و یشهد لحرمتها عموم الایة المتقدمة و قد یستدل علی حرمة اخذ الهدیة للولاة بخبر الاصبغ عن امیر المؤمنین (علیه السلام) ( ایما وال احتجب عن حوائج الناس احتجب الله عنه یوم القیامة وعن حوائجه وان اخذ هدیة کان غلولا وان اخذ الاجرة فهو مشرک)(4) وهی ضعیفة بابی الجارود وسعد الاسکاف مع ما فی ذیلها من الاشکال

ص:74


1- جمع اداوة و هی اناء صغیر من جلد و تسمی المطهرة.
2- الوسائل باب 37 من احکام العقود ضعیفة باسماعیل بن ابی سماک.
3- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان) ج 6 ص 375 
4- الوسائل باب32 مما یکتسب به

و سیأتی الکلام فیه . و الایة المبارکة خاصة بالقضاء و لا تشمل الولاة لاختصاص الحکام بالقضاء لغةً(1).

و اما الرشوة فی غیر الحکم فهی علی اقسام ثلاثة:

الاولی: أن یعطی الرشوة لامر محرم و لا شبهة فی حرمته من غیر احتیاج الی ادلة حرمة الرشوة کما عرفت من حرمة اخذ المال علی عمل محرم.

الثانی: ان یعطی الرشوة لاصلاح امر مباح و لا شک فی جواز ذلک مع کون العمل سائغاً فی نفسه وصالحاً لان یقابل بالمال وان کان الغالب بین الناس فعله مجاناً تعاوناً و تعاضداً. و هی و ان کانت تحمل اسم الرشوة الا انه لا دلیل علی حرمة الرشوة مطلقاً بل فی الحکم و قد عرفت جوازها مما تقدم من الاخبار کما و انها و ان حملت اسم الرشوة الا انها فی الحقیقة هدیة نعم لو کانت علی سبیل الاجرة أو الجعل فهی تابعة لاحکام الاجارة و الجعالة.

الثالثة: ان یعطی الرشوة لاجل امر مشترک بین المحلل و المحرم و قد عرفت حکم ما لو قصد الحرام أو الحلال منه اما لو قصد ذات الشیء المشترک انجازه بین الحلال و الحرام فان قلنا ان العقد ینصرف الی الحلال فلا اشکال فی البین و ان قلنا ان المعاملة وقعت علی المشترک بلا تعیین لاحدهما فلا اشکال من جهة حلیة المشترک فی نفسه و عدم تعینه فی الحرام و ان کان المقصود منه فردین- الحلال و الحرام - علی سبیل التخییر و لم نقل بانصرافه الی الحلال و لا بوقوع المعاملة علی القدر المشترک فلابد من القول بوقوع المعاملة صحیحة و باطلة یعنی

ص:75


1- کما فی المصباح و الاساس و المجمع و المفردات و غیرها و بعض الاخبار .

صحیحة فی فرد الحلال و باطله فی فرد الحرام هذا اذا امکن التردید فی المعاملة و الّا فهی باطلة لعدم تعین متعلقها.

اجرة القاضی

و اما اجرة القاضی علی القضاء فقد اختلف العلماء فیه علی اقوال فذهب الی الجواز المفید و قال الشیخ فی النهایة بجوازه وجواز الرزق من بیت المال من جهة السلطان العادل و مثله القاضی ابن البراج(1) و جوز ابن ادریس الرزق من بیت المال من جهة السلطان العادل دون الاجرة(2) و فصل الشیخ فی المبسوط فقال «و لو کان عنده کفایته إلّا إذا کان ممّن یعیّن علیه القضاء فلا یجوز له إلّا إذا لم یکن عنده کفایة» و قال ابو الصلاح بحرمة اخذ الاجرة ووجه عدم الجواز ما سیأتی من حرمة اخذ الاجرة(3) علی الواجبات فان تم فهو و الّا فالاصل الجواز.

و اما الرزق من بیت المال فلا اشکال فیه فانه معد لمصالح المسلمین ومنها القضاء نعم فی صحیحة ابن سنان عن( الصادق (علیه السلام) عن قاض بین قریتین یأخذ من السلطان علی القضاء الرزق فقال: ذلک السحت)(4) لکنه لم یعمل بها الشیخ فی النهایة و لم یفت بها احد فلابد من حملها علی اخذ الرزق من السلطان الجائر کما صرحت به صحیحة عمار بن مروان المتقدمة و فیها:  «السحت انواع کثیرة فمنها

ص:76


1- النهایة ص367 و المهذب ج/1 ص346
2- السرائر ج/2 ص217
3- الکافی فی الفقه ص283
4- التهذیب ج/ 6ص222ح19

ما اصیب من اعمال الولاة الظلمة و منها اجور القضاء و اجور الفواجر...) فان الظاهر من سیاق الروایة ان کلمة منها الثانیة لتفسیر ما یصاب من اعمال الولاة الظلمة و بدلیل عدم تکرارها الی اخر الروایة فالمعنی ان من السحت ما یصاب من اعمال الولاة الظلمة و من ذلک امور القضاة یعنی ما یأخذونه من الاجرة علی القضاء من سلاطین الجور، و العلة فی الحرمة هو الاخذ من السلطان الجائر لا الاجر علی القضاء .

اقول: و لا شک فی حرمة هذا و مع ورود هذا الاحتمال فهو یکفینا فی عدم دلالة الصحیحة علی حرمة اجر القاضی و  بالتالی لا یبقی فی البین دلیل بالخصوص علی حرمة اخذ الاجرة علی القضاء بل ما یشیر الی العکس کما فی عهد امیر المؤمنین (علیه السلام) للاشتر ( و افسح له فی البذل ما یزیل علته و تقل معه حاجته الی الناس)(1) و لا یخفی ان عهد الامام لمالک فی غایة الاعتبار و الوثاقة .

هذا و یدل علی صرف بیت المال للمصالح معتبرة حماد المرسلة الطویلة و فیها: (فیکون بعد ذلک ارزاق اعوانه علی دین الله و فی مصلحة ما ینوبه من تقویة الاسلام و تقویة الدین فی وجوه الجهاد و غیر ذلک مما فیه مصلحة العامة لیس لنفسه من ذلک قلیل و لا کثیر)(2) و بذلک یظهر جواز الارتزاق من بیت المال.

ص:77


1- نهج البلاغة ؛ عهد الامام الی مالک الاشتر حینما بعثه الی مصر .
2- الکافی ج1 باب الخمس ص424

حکم المحاباة

و مما یلحق بالرشوة المعاملة المحاباتیة مثل ان یبیع للقاضی باقل من القیمة السوقیة لغرض ان یحکم له بالباطل او مطلقاً او لغرض جلب میل القاضی و حبه الیه حتی یحکم له.

اقول: فقد قیل ان المعاملة فی جمیع هذه الصور محرمة بعد دخولها تحت عنوان الرشوة فی الحکم و بما ان اعطاء المبیع فیها من الصور الثلاث بداعی الحکم له او باشتراطه علیه فیدخل فی عنوان الرشوة فی الحکم فیکون سحتاً و بذلک یظهر بطلان المعاملة بل اذا باعه من القاضی بثمن المثل و لکن کان البیع بداعی الحکم له بحیث لولا حکمه له امسک علی متاعه و لم یبعه لا منه و لا من غیره کما یتفق ذلک فی بعض ازمنة عزة وجود المبیع کان المبیع محرماً و سحتاً، نعم لو لم تدخل المعاملة المحاباتیة تحت عنوان الرشوة فلا وجه لبطلان المعاملة حینئذ لکن الصحیح صحتها مطلقاً لعدم تقیّد المعاملة بذلک الغرض .

 هذا و بعد کون الماخوذ - مماتقدم- حراماً فهل یضمن الاخذ بتلفه عنده؟ اقول: لا ریب فی ضمانه بعد استقرار السیرة من العقلاء علی الضمان.

 و اما الهدیة فحیث انها رشوة حقیقة فهی کذلک مضمونة علی القابض بلا فرق بینها و بین الرشوة فهی باقیة علی ملک مالکها فما قیل من انها هبة فاسدة و ما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسدة باطل صغری وکبری.

و اما اختلافهما فله ثلاث صور: فتارة یتفقان علی تملیک المال بعنوان الهبة الّا ان الدافع یدعی فسادها فحیث ان الاصل هو الصحة حسب بناء العقلاء فالقول قول

ص:78

مدعی الصحة و تارة اخری ما اذا لم یتفقا علی نوع التملیک کما فیما اذا ادعی الدافع الرشوة وقال القابض انها هبة صحیحة ففی مثل ذلک لا مجال لاصالة الصحة لانها مختصة بما اذا کان الاتفاق علی نوع خاص من المعاملة و الاصل حینئذ هو عدم تحقق الناقل فیجوز للدافع اخذ ماله مع بقائه و بدله مع تلفه کما هو مقتضی اصالة الضمان حیث ان موضوعه هو تلف مال الغیر فی یده مع عدم تسلیطه مجاناً. و ثالثةً ما اذا کان اتفاقهما علی فساد التملیک الّا ان الدافع یدعی انه کان بنحو الضمان و الاخر علی العکس و حکمه کما تقدم فی الصورة الثانیة من الضمان بدلیل اصالة الضمان.

حصیلة البحث:

یحرم حلق اللحیة لحرمة التشبه باعداء الله عزوجل, و تحرم الرشوة و هی ما یعطیه الشخص للحاکم أو غیره لیحکم له أو یحمله علی ما یرید, و تلحق بالرشوة الهدیة الی القاضی و هی لا تخرج عن حقیقة الرشوة و موضوعها. و یجوز اخذ الاجرة علی القضاء کما و یجوز الارتزاق من بیت المال.

و الرشوة فی غیر الحکم علی اقسام ثلاثة:

الاولی: أن یعطی الرشوة لامر محرم و لا شبهة فی حرمته .

الثانی: ان یعطی الرشوة لاصلاح امر مباح و لا شک فی جواز ذلک.

الثالثة: ان یعطی الرشوة لاجل امر مشترک بین المحلل و المحرم فلو قصد ذات الشیء المشترک انجازه بین الحلال و الحرام فان قلنا ان العقد ینصرف الی الحلال

ص:79

فلا اشکال فی البین و ان قلنا ان المعاملة وقعت علی المشترک بلا تعیین لاحدهما فلا اشکال من جهة حلیة المشترک فی نفسه و عدم تعینه فی الحرام و ان کان المقصود منه فردین- الحلال و الحرام - علی سبیل التخییر و لم نقل بانصرافه الی الحلال و لا بوقوع المعاملة علی القدر المشترک فلابد من القول بوقوع المعاملة صحیحة و باطلة یعنی صحیحة فی فرد الحلال و باطله فی فرد الحرام هذا اذا امکن التردید فی المعاملة و الّا فهی باطلة لعدم تعین متعلقها. و مما یلحق بالرشوة تکلیفا لا وضعا المعاملة المحاباتیة مثل ان یبیع للقاضی باقل من القیمة السوقیة لغرض ان یحکم له بالباطل او مطلقاً او لغرض جلب میل القاضی و حبه الیه حتی یحکم له فالمعاملة محرمة لکنها لیست بفاسدة, و یضمن آخذ الرشوة بتلفها عنده و کذلک الهدیة فهی مضمونة علی القابض.

حکم الرقص

العاشر: الرقص کما فی معتبرة السکونی عن الصادق (علیه السلام) (قال: قال رسول الله صلوات الله علیه و آله انهاکم عن الزفن و المزمار و عن الکوبات و الکبرات)(1)و الزفن کما فی المصباح و اساس البلاغة هو الرقص و بها عمل الکلینی .

اقول: و اطلاقها شامل لحرمته فی الاعراس و غیرها و کذلک شامل لرقص المراة لزوجها و لغیره کما لا یخفی. هذا و المفهوم من کتب الفقهاء انه من جملة انواع الاباطیل و بهذا العنوان یشار الیها.(2)

ص:80


1- الوسائل ج/12 ص233 ح/6
2- النهایة ص363 فقال: ( قل العیدان و الطنابیر و غیرهما من انواع الا باطیل محرم محظور)

حرمة سب المؤمن

الحادی عشر: سب المؤمن و شتمه حرام و استدل له بآیة {و اجتنبوا قول الزور}(1) بدعوی ان قول الزور هو الکلام القبیح و من اظهر افراده سب المؤمن الّا ان ظاهر الزور هو الباطل و حینئذ فقول الزور یعنی الکلام الباطل و هو یصدق فی الاخبار و اما الانشاء فقد تأمل البعض فی شموله له و ایضاً استدل له بآیة {لا یحب الله الجهر بالسوء من القول الّا من ظلم...}(2) و الظاهر من الایة؟ المبارکة هو ان الله لا یحب اظهار السوء و الجهر به الّا من المظلوم و هو و ان کان اعم من السب لکنه شامل له فالسب هو اظهار و اجهار بالسوء فی حق الاخرین و کیف کان فالروایات الدالة علی حرمته کثیرة منها: موثقة ابی بصیر عن الباقر (علیه السلام) قال: قال رسول الله صلی الله علیه واله (سباب المؤمن فسوق و قتاله کفر و اکل لحمه معصیة و حرمة ماله کحرمة دمه)(3) و قریب منها صحیحته و فی صحیحة ابن الحجاج عن ابی الحسن (علیه السلام) فی رجلین یتسابان فقال: البادی منهما اظلم و وزره و وزر صاحبه علیه ما لم یعتذر الی المظلوم)(4) و غیرها، اضف الی ذلک حکم العقل بحرمته لانه ایذاء و ظلم .

ص:81


1- الحج:آیة 30
2- النساء: 148
3- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 2 ص 360  باب السباب
4- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 2 ص 360  باب السباب

ثم ان المرجع فی السب الی العرف و الظاهر منه هو اعتبار الاهانة وکونه تنقیصاً علی المسبوب اقول: و هو کذلک لغةً ففی لسان العرب: سب ای عیر بالبخل و السب و الشتم والسبة العار. و فی المصباح: السبة العار. و فی المفردات: السب الشتم الوجیع.

و علی هذا فیدخل فیه کلما یوجب اهانة المسبوب و هتکه کالقذف والازراء وهو ذکر العیب والتوصیف بالوضیع و غیر ذلک. و لا یعتبر فیه مواجهة المسبوب و النسبة بینه و بین الغیبة هی العموم من وجه.

ثم انه یستثنی من حرمة السب:

اولاً: المتجاهر بالفسق حیث ان مقتضی جواز اغتیابه جواز سبه علی ما سیأتی فی الغیبة.

ثانیاً: المبدع لصحیحة ابی ولاد داود بن سرحان عن الصادق (علیه السلام) قال: «قال رسول الله صلی الله علیه واله اذا رأیتم اهل الریب والبدع من بعدی فأظهروا البراءة منهم و اکثروا من سبهم و القول فیهم و الوقیعة بهم و باهتوهم کی لا یطمعوا فی الفساد فی الاسلام و یحذرهم الناس و لا یتعلمون من بدعهم یکتب الله لکم بذلک الحسنات و یرفع لکم به الدرجات فی الاخرة»(1) و قوله (و القول فیهم و الوقیعة بهم) شامل للغیبة کما هو ظاهر.

ص:82


1- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 2 ص 375  باب مجالسة أهل المعاصی

حکم السید و الوالد و المعلم

و اما استثناء سب السید لعبده و الوالد لولده والمعلم للمتعلم فغیر واضح الّا للتأدیب بما فیه و الّا کان کذبا, و اما ما قیل من انه ان لم یتأثر المسبوب بالسب فلا اشکال فیه فهو خلاف الاطلاقات، و اما ما ورد فی الروایات الصحیحة من قوله صلی الله علیه واله (انت و مالک لابیک)(1) مما ظاهرها ملکیة الوالد للولد و اصرح منها خبر محمد بن سنان من تعلیل حلیة مال الولد لابیه بان الولد موهوب للوالد مفسراً بذلک الایة المبارکة یهب لمن یشاء فمعارضة لما دل من الروایات المعتبرة فی ان للاب ان یستقرض من ماله ابنه و یقوّم جاریته بقیمة عادلة و یتصرف فیها بالملک(2) و هی واضحة الدلالة فی انه لو کان الابن و ماله للاب لما احتاج فی جواز التصرف فی ماله و جاریته الی الاستقراض و التقویم.

و کیف کان فالظاهر من الطائفة الاولی من الروایات هو حرمة عقوق الوالدین کما دلت علیه بعض الروایات المعتبرة(3) و قد تضمنت ان الوالد لو أمر ولده بالخروج من بیته و ماله فلیفعل الولد فانه من الایمان. و الجمع بین الروایات یقتضی ان الولد یلزمه اطاعة الوالد(4) و ان لم یکن الوالد محقاً بل کان ظالماً وان کان لا یحق للوالد ان یتصرف فی مال ولده بلا حق و الحاصل هو ان روایات

ص:83


1- الوسائل باب 107 مما یکتسب به
2- الوسائل باب 107 مما یکتسب به
3- راجع اصول الکافی ج/2 ص  158 ح2
4- کما صرح المفید بوجوب اطاعة الولد للوالد.

انت و مالک لابیک توجب عدم الحق للولد فی مخالفة والده ولا یخفی ان التعبیر بالمالکیة تعبیر مجازی لا حقیقی.

حصیلة البحث:

یحرم الرقص فی الاعراس و غیرها بلا فرق بین رقص المراة لزوجها و لغیره. و یحرم سب المؤمن و شتمه و یستثنی من حرمة السب المتجاهر بالفسق و المبدع , و لا یجوز سب السید لعبده و لا الوالد لولده و لا المعلم للمتعلم الّا للتأدیب بما فیه و الّا کان کذبا.

حرمة السحر

الثانی عشر: السحر و حرمته من ضروریات الدین و قد استفاضت به الاخبار ففی صحیحة اسحاق بن عمار (ان علیاً (علیه السلام) کان یقول: من تعلم من السحر شیئا کان اخرعهده بربه وحده القتل الّا ان یتوب)(1) و تکفینا الایة المبارکة فی حرمته { و ما کفر سلیمان و لکن الشیاطین کفروا یعلمون الناس السحر ..}(2) .

وأما ما رواه الصدوق عن السکونی عن الصادق (علیه السلام) الظاهر فی عدم قبول توبة المرأة التی سحرت زوجها فمخالف للقرآن الدال علی قبول توبة کل احد الّا الشرک.

مفهوم السحر: والمهم معرفة مصادیق السحر ومفهومه فنقول: ذکر اهل اللغة انه صرف الشیء عن وجهه علی سبیل التمویه والخدعة بالاسباب الخفیة کما نقله

ص:84


1- الوسائل ج/12  باب53 مما یکتسب به
2- البقرة آیة 102

لسان العرب عن الازهری و قال: و من السحر الاخذة التی تأخذ العین حتی یظن ان الامر کما یری و لیس الاصل علی ما یری، و السحر الاخذة و کل ما لطف مأخذه و دق فهو سحر، و نقل قول الفراء فی قوله تعالی: {فانی تسحرون}(1) ان معناه فانی تصرفون. و نقل عن یونس انه قال: تقول العرب للرجل ما سحرک عن وجه کذا و کذا؟ ای صرفک.(2) و فی المفردات نحن قوم مسحورون أی مصروفون عن معارفتنا بالسحر(3) یعنی بواسطة السحر، وعن الخلیل الفراهیدی: السحر عمل یقرب الی الشیاطین و من السحر الاخذة التی تأخذ العین - الی- فالسحر عمل لخفاء سببه یصور الشیء بخلاف صورته و یقلبه عن جنسه فی الظاهر و لا یقلبه عن جنسه فی الحقیقة الّا تری الی قوله تعالی { ویخیل الیه من سحرهم انها تسعی}(4) و انت کما تری ان هذه التعاریف واحدة لا اختلاف فیها و

ص:85


1- المؤمنون آیة 89
2- لسان العرب - سحر
3- المفردات - سحر
4- العین - سحر ؛ و نقله عنه الطبرسی اقول: و تأییدا للخلیل نقول: لا داعی للقول بان للسحر حقیقة واقعیة فانا لا ننکر حقیقته  فی الظاهر باسباب السحر الّا انها لیست تقلب الشیء عن واقعه و بذلک صرح فی خبر الاحتجاج المروی عن مولانا الصادق (علیه السلام) و بذلک یظهر الفرق بین السحر و المعجزة فالمعجزة قضیة حقیقیة لها واقعیة الا انها غیر جاریة علی السنن الطبیعیة بخلاف السحر فقد عرفت انه لا حقیقة و لا واقعیة له و بخلاف الشعوذة التی هی خفة فی الید و بسرعة فی الحرکة والمشعوذ یفعل الامور العادیة و الافعال المتعارفة بتمام السرعة بحیث  یشغل اذهان الناظرین باشیاء و یأخذه حواسهم. و الایة من سورة طه ایة 66

بهذا المعنی اطلق المشرکون صفة الساحر علی النبی الصادق صلوات الله علیه و آله وکذلک اطلق السحر  بهذا المعنی علی البیان الجید .

اقول: و تعاریف الفقهاء کالمصادیق لما تقدم عن اهل اللغة من معناه و علی فرض مخالفتها للمعنی اللغوی فلا عبرة بها و علیه فیدخل فی تعریف السحر تسخیر الجن و ما یدعی من تسخیر الملائکة و الارواح  و حتی تسخیر الانسان و الحیوانات  بالاسباب الخفیة نعم لا یدخل فیه ما یرتبط بخواص المواد الکیمیاویة و التی هی لیست بالاسباب الخفیة بل الظاهرة لکل احد و ان لم یتفطن لها الشخص فیحصل له التعجب و یتخیل انه امر غریب.

ثم انه لا فرق فی حرمة السحر بین اقسامه سواء کان کان مضراً أم لا بدلیل الاطلاقات نعم ابطال السحر یجوز ان یکون بالسحر کما دلت علیه الایة المبارکة فی قصة هاروت و ماروت بتقریب ان السحر لو لم یکن جائز الاستعمال فی الجملة لم یجز تعلیمه فجواز التعلیم یدل علی جواز العمل فی الجملة و قد دلت روایة علی بن محمد بن الجهم عن الرضا (علیه السلام) فی حدیث (..واما هاروت وماروت فکانا ملکین علمّا الناس السحر لیحترزوا به سحر السحرة و یبطلوا به کیدهم)(1) الدالة علی جواز عمل السحر لابطال دعوی مدعی النبوة و یدل علی جوازه صریحاً للحل لا للعقد مرسلة ابراهیم بن هاشم انه دخل عیسی بن شقفی

ص:86


1- عیون أخبار الرضا باب 27 فیما جاء عن الرضا (ع) فی هاروت و ماروت خبر 3

وکان ساحرا علی الصادق (علیه السلام) - الی- (فقال له (علیه السلام): حل و لاتعقد)(1) و به افتی الکلینی و مال الیه الصدوق فرواه و فی اخره «نعم حل و لا تعقد»(2) و الظاهر ان ابطال دعوی مدعی النبوة من مصادیق الحل لا العقد.

اما لو عمل السحر من اجل ابطال دعوی المدعی فاطلاق روایة ابن الجهم تدل علی جوازه و قد یقال بدلالة مرسلة ابن هاشم علیه بالاولویة.

حکم الشعوذة

الثالث عشر: الشعوذة و قد مر تعریفها و اما حرمتها فهی تابعة لحرمة مطلق اللهو وسیجیء وعلیه فلو ثبت انها من مصادیقه و هو حرام تم المطلوب و الّا فلا.

و اما دخولها فی تعریف السحر فمحل تأمل و یکفی لعدم دخولها فیه الشک فی ذلک نعم معتبر عبد الله بن سنان الذی رواه الاحتجاج یدل علی دخولها فیه ففیه: (و نوع آخر منه خطفة و سرعة و مخاریق و خفة)(3) و الظاهر اعتباره و موثوقیته لکل من لاحظ الخبر خصوصا و قد شهد باعتباره الطبرسی.

حصیلة البحث:

یحرم السحر و هو صرف الشیء عن وجهه علی سبیل التمویه والخدعة بالاسباب الخفیة فکل ما لطف مأخذه و دق فهو سحر, و منه الاخذة التی تأخذ العین حتی

ص:87


1- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 5 ص 115 باب الصناعات
2- من لا یحضره الفقیه ج 3 ص 180 باب المعایش و المکاسب و الفوائد و الصناعات
3- الإحتجاج علی أهل اللجاج للطبرسی ج 2 ص 340  احتجاج الصادق (علیه السلام) .

یظن ان الامر کما یری و لیس الاصل علی ما یری، فیدخل فی السحر تسخیر الجن و ما یدعی من تسخیر الملائکة و الارواح  و حتی تسخیر الانسان و الحیوانات  بالاسباب الخفیة ومنه الشعوذة و هی عبارة عن خطفة و سرعة و مخاریق و خفة, نعم لا یدخل فیه ما یرتبط بخواص المواد الکیمیاویة و التی هی لیست بالاسباب الخفیة بل الظاهرة لکل احد و ان لم یتفطن لها الشخص فیحصل له التعجب و یتخیل انه امر غریب. و لا فرق فی حرمة السحر بین اقسامه سواء کان کان مضراً أم لا؟ نعم ابطال السحر یجوز ان یکون بالسحر .

حرمة الغش

الرابع عشر: الغش و تدل علی حرمته الروایات الکثیرة منها صحیح هشام بن سالم عن الصادق (علیه السلام) (لیس منا من غشنا)(1) و قریب منها صحیحته الاخری و فی صحیحة هشام بن الحکم قال کنت ابیع السابری(2) فی الظلال فمرّ بی ابوالحسن (علیه السلام) فقال لی( یا هشام ان البیع فی الضلال غش و الغش لا یحل)(3) و غیرها.

موضوع الغش: الغش أمر عرفی بمعنی الکدر و الخدیعة ففی لسان العرب: غشش نقیض النصح و هو مأخوذ من المغشش المشرب الکدر انشد ابن الاعرابی: (و منهل تروی به غیر غشش) أی غیرکدر و لا قلیل قال: و من هذا الغش فی

ص:88


1- ثوب جید رقیق.
2- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 5  ص160  باب الغش
3- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان) ج 7 ص 13   

البیاعات.(1) و فی بعض کتب اللغة: غشه اظهر له خلاف ما اضمره و خدعه الغش بالکسر  اسم من الغش بالفتح الخیانة، المغشوش غیر الخالص.(2)

اقول: و علی هذا فلا یتحقق ذلک الّا بعلم من الغاش و جهل المغشوش و هو کما تری فانه لا یعتبر انحصار معرفته بالغاش فان اکثر افراد الغش مما یعرفه کثیر من الناس خصوصا اهل التجربة، و قد ظهر مما تقدم ان الغش لا یصدق لغةً و لا عرفاً علی الخلط الظاهر الذی لا تحتاج معرفته الی امعان النظر و علیه دلت صحیحة محمد بن مسلم عن احدهما (علیه السلام) (انه سئل عن الطعام یخلط بعضه ببعض و بعضه اجود من بعض قال اذا رؤیا جمیعاً فلا بأس ما لم یغط الجید الردی)(3).

ثم انه لایعتبر فی صدق الغش قصد التلبیس اذ لادلیل علی اعتباره فی مفهوم الغش و اما ما قد یتوهم ذلک من صحیحة الحلبی قال «سألت ابا عبدالله (علیه السلام) عن الرجل یشتری طعاما فیکون احسن له و انفق ان یبله من غیر ان یلتمس زیادته فقال: ان کان بیعا لا یصلحه الّا ذلک و لا ینفقه غیره من غیر ان یلتمس فیه زیادة فلا بأس و ان کان انما یغش به المسلمین فلا یصلح»(4) فلا دلالة فیها علی اعتبار قصد التلبیس فی تحقق الغش و ذلک فانه قوله (علیه السلام) من غیر ان یلتمس فیه زیادة، لا ظهور له فی حصول الزیادة بل من المحتمل قویاً انه لا تحصل بعمله یعنی البل

ص:89


1- لسان العرب - غشش .
2- المنجد - غش .
3- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 5 ص 183
4- الوسائل ج/12 باب 9 من احکام العیوب ح/3

زیادة فمعنی عدم التماس الزیادة یعنی عدم حصولها خارجا لا قصدا و مع هذا الاحتمال تسقط عن الظهور و علی فرض دلالتها فلا دلالة فیها علی جواز السکوت و عدم الاعلام الّا بالاطلاق و هو ممنوع بعد ما تقدم من الروایات الدالة علی وجوب الاعلام.

ثم ان الظاهر من الاخبار المتقدمة الدالة علی وجوب الاعلام و حرمة الغش عدم کفایة التبری من العیوب بل و صدق الغش عرفا بعدم الاعلام مع علم البایع بالعیب.

   و اما ما قد یقال: من ان التزام البایع بالصحة اخبار عنها فالالتزام بها مع العلم بالعیب غش.

  فهو مدفوع بان التزام البایع بالصحة معناه جعل الخیارللمشتری علی تقدیر العیب(1) نعم عدم الاعلام یوجب الغش ولا ربط له بالتزامه بالصحة.

حکم معاملات الغش

و اماحکم المعاملة فنقول: حیث لا تلازم بین حرمة الشیء و فساده فلابد من   التکلم حول اقسام الغش کل علی انفراده فنقول الغش:

 1- اما باخفاء الادنی فی الاعلی کمزج الجید بالردئ.

 2- أو بأخفاء غیر المراد بالمراد کالماء باللبن.

ص:90


1- کما سیأتی تحقیقه فی الخیارات- فتامل.

3- أو بإظهار الصفة الجیدة فی المبیع مع عدمها واقعا و هو الذی یعبر عنه بالتدلیس.

 4- أو بإظهار ما لا ینطبق علیه عنوان المبیع بصورة ما ینطبق علیه کبیع المموه بالذهب علی انه ذهب.

 و لا شک فی بطلان القسم الاخیر لقاعدة ما وقع لم یقصد و ما قصد لم یقع باعتبار ان عنوان المبیع یکون بنظر العرف مقوما للبیع و مع فقده لا بیع و علیه یحمل خبر موسی بن بکر عن ابی الحسن (علیه السلام) الدال علی قطعه (علیه السلام) للدرهم المغشوش و امره بإلقائه بالبالوعة(1) و بقرینة ذیله فلا دلالة فیه علی بطلان المعاملة المشتملة علی الغش مطلقاً, کما و انه ضعیف سنداً .

و اما الثالث: فله خیار التدلیس کما هو واضح.

و اما الاول و الثانی فان لم یخرج المغشوش بالغش عن عنوان المبیع لاستهلاک الماء مع قلته فیکون البیع صحیحاً و یثبت للمشتری خیار العیب و منه ما اذا کثر التراب فی الحنطة و ذلک لان کثرته لا یخرج المبیع عن عنوان الحنطة. و اما اذا لم یستهلک المقصود بالبیع فی غیره فحینئذ یتبعض البیع و یکون بالاضافة الی المقصود صحیحاً و بالاضافة الی غیره باطلاً باعتبار عدم القصد الی بیعه .

حصیلة البحث:

ص:91


1- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 5 ص 160 باب الغش

یحرم الغش و لا یکفی التبری من العیوب بل و یصدق الغش عرفا بعدم الاعلام مع علم البایع بالعیب. و الغش:  اما ان یکون باخفاء الادنی فی الاعلی کمزج الجید بالردئ, أو بأخفاء غیر المراد بالمراد کالماء باللبن, أو بإظهار الصفة الجیدة فی المبیع مع عدمها واقعا و هو الذی یعبر عنه بالتدلیس, أو بإظهار ما لا ینطبق علیه عنوان المبیع بصورة ما ینطبق علیه کبیع المموه بالذهب علی انه ذهب , و الاخیر باطل لان ما وقع لم یقصد و ما قصد لم یقع , و الثالث له خیار التدلیس , و اما الاول و الثانی فان لم یخرج المغشوش بالغش عن عنوان المبیع لاستهلاک الماء مع قلته فیکون البیع صحیحاً و یثبت للمشتری خیار العیب و منه ما اذا کثر التراب فی الحنطة و ذلک لان کثرته لا یخرج المبیع عن عنوان الحنطة. و اما اذا لم یستهلک المقصود بالبیع فی غیره فحینئذ یتبعض البیع و یکون بالاضافة الی المقصود صحیحاً و بالاضافة الی غیره باطلاً باعتبار عدم القصد الی بیعه .

حرمة الغناء

الخامس عشر: الغناء و حرمته من ضروریات الدین و الروایات فی حرمته کثیرة منها صحیحة محمد بن مسلم عن الباقر (علیه السلام) قال: الغناء مما وعد الله علیه النار و تلا هذه الایة { و من الناس من یشتری لهو الحدیث لیضل عن سبیل الله}(1) و روی علی بن ابراهیم فی تفسیره صحیحاً «ان قول الزور الغناء»(2) و لا فرق فی کون

ص:92


1- وسائل الشیعة 12: 226 الباب 99 من أبواب ما یکتسب به الحدیث 6
2- تفسیر القمی ج/2 ص84

الغناء نفسه من مقولة الکلام کما یفهم مما تقدم او هو کیفیة مسموعة تقوم به کما تشهد له النصوص التالیة مثل:

صحیحة الریان بن الصلت: «سألت الرضا (علیه السلام) یوما بخراسان عن الغناء و قلت: ان العباس ذکر عنک انک ترخص فی الغناء، فقال: کذب الزندیق ما هکذا قلت له، سألنی عن الغناء فقلت: ان رجلا اتی ابا جعفر (علیه السلام) فسأله عن الغناء فقال: یا فلان إذا میّز اللّه بین الحق و الباطل فأین یکون الغناء؟ قال: مع الباطل، فقال: قد حکمت»(1)، فان انکاره (علیه السلام) للترخیص یدل علی المطلوب.

و صحیحة مسعدة بن زیاد: «کنت عند ابی عبد اللّه (علیه السلام) فقال له رجل: بأبی انت و أمی انی ادخل کنیفا ولی جیران و عندهم جوار یتغنین و یضربن بالعود فربما اطلت الجلوس استماعا منی لهنّ، فقال (علیه السلام): لا تفعل. فقال الرجل: و اللّه ما اتیتهن انما هو سماع اسمعه باذانی فقال (علیه السلام): باللّه انت، اما سمعت اللّه یقول: {إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤٰادَ کُلُّ أُولٰئِکَ کٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا ... }(2).

و موثقة عبد الاعلی: «سألت ابا عبد اللّه (علیه السلام) عن الغناء فقلت: انهم یزعمون ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله رخّص فی ان یقال: جئناکم جئناکم حیّونا حیّونا

ص:93


1- وسائل الشیعة 12: 227 الباب 99 من أبواب ما یکتسب به الحدیث 13
2- وسائل الشیعة 2: 957 الباب 18 من أبواب الاغسال المسنونة الحدیث 1

نحیکم فقال: کذبوا ان اللّه عز و جل یقول: {وَ مٰا خَلَقْنَا السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ وَ مٰا بَیْنَهُمٰا لٰاعِبِینَ ...}(1).

و صحیحة ابراهیم بن ابی البلاد: «قلت لأبی الحسن الاول (علیه السلام): جعلت فداک ان رجلا من موالیک عنده جوار مغنیات قیمتهن اربعة عشر الف دینار و قد جعل لک ثلثها، فقال: لا حاجة لی فیها، ان ثمن الکلب و المغنیة سحت»(2)، فان سحتیة الثمن تدل علی حرمة الغناء فانه لا یکون بطلان المعاملة علی الجاریة بما انها مغنیة الا مع حرمته .

اقول: و من المعلوم ان الغناء هو الکیفیة فی الکلام حقاً کان ام باطلاً کما تشهد به موثقة عبد الاعلی المتقدمة الدالة علی تکذیب من زعم ان النبی صلی الله علیه واله رخص فی الغناء بمثل جئناکم جئناکم حیّونا حیّونا فان الجمل المذکورة فیها لیست باطلة المضمون و مع ذلک کذّب (علیه السلام) ترخیصها .

ص:94


1- وسائل الشیعة 12: 228 الباب 99 من أبواب ما یکتسب به الحدیث 15
2- وسائل الشیعة 12: 87 الباب 16 من أبواب ما یکتسب به الحدیث4

مفهوم الغناء

ثم ان مفهوم الغناء هو کل صوت مرجع فیه علی سبیل اللهو و الباطل و الاضلال عن الحق سواء تحقق فی کلام حق ام باطل فسمّاه فی الصحاح بالسماع و یصدق علیه عرفاً انه قول زور(1) و صوت لهوی فان اللهو:

1- قد یکون بآلة اللهو من غیر صوت کالضرب الاوتار .

2-  و قد یکون بالصوت المجرد .

3-  و قد یکون بالصوت فی آلة اللهو کالنفخ فی المزمار والقصب.

و قد یکون بالحرکات المجردة کالرقص و غیر ذلک من موجبات اللهو و علی هذا فکل صوت کان صوتاً لهویاً و معدوداً من الحان اهل الفسوق و المعاصی فهو غناء محرم و علیه فلا ینبغی التامل فی کون الغناء عرفاً هو الکیفیة للصوت ولا دخل فی صدقه بطلان معنی الکلام و عدمه و لذا من سمع من بعید صوتاً یکون فیه الترجیع الخاص المناسب للرقص وضرب الاوتار یحکم بانه غناء و ان لم تتمیز عنده مواد الکلام و یشهد لذلک خبر عبدالله بن سنان عن الصادق (علیه السلام) قال: (قال رسول الله صلی الله علیه واله اقرؤا القرآن بألحان العرب و اصواتها و ایاکم و لحون اهل الفسق و اهل الکبائر فانه سیجیء بعدی

ص:95


1- کونه قول زور و باطل و لو من جهة غلبة لهویته و هی و ان لم ترجع الی ذات الکلام بل الی کیفیته فلاحظ.

1- اقوام یرجعون القرآن ترجیع الغناء و النوح و الرهبانیة)(1) و هذا هو المفهوم من کلمات الفقهاء .

و اما اللغویون ففی المصباح انه مد الصوت المشتمل علی الترجیع المطرب(2)، و فی لسان العرب (کل من رجع صوته و والاه فصوته عند العرب غناء , و قال بعد صفحات ثلاثة: الغناء من الصوت ما طرب به(3). و المراد من المطرب ما یقتضی و یناسب الطرب و ان لم یکن بالفعل مطرباً و الطرب کما فی الصحاح ( خفة تعتری الانسان لشدة حزن أو سرور)(4) و فی الاساس (خفة لسرور أو هم)(5).

و بذلک یظهر شمول الغناء لغیر الکلام الباطل کالدعاء و نحوه لو قرأ بکیفیة الغناء فان المفهوم عرفا من الغناء الکیفیة الخاصة بقطع النظر عن المادة، و لذا من سمع من بعید صوتا بالکیفیة الخاصة المناسبة لمجالس اهل الفسوق حکم بکونه غناء و لو لم یمیز مادته.

ص:96


1- الکافی ج 2 ص 614 ضعیف سندا من جهة ابراهیم الاحمر .
2- مصباح الفیومی ؛ غنا . 
3- لسان العرب ؛ غنا .
4- الصحاح للجوهری ؛ غنا .
5- اساس البلاغه للزمخشری ؛ غنا .

ثم ان المیزان فی صدق الغناء مناسبة الکیفیة لمجالس أهل الفسوق و هو و ان لم یذکر فی کلمات المشهور بل المذکور فیها ان الغناء هو الصوت المشتمل علی الترجیع او المشتمل علی الترجیع مع الطرب، و ما شاکل ذلک.

و علیه فاللازم الرجوع إلی العرف لأنه المرجع فی تحدید مفاهیم الالفاظ  و هو یحد الغناء بما ذکرناه. و عادة یتحقق ذلک فیما إذا کان الصوت من شأنه الاطراب.

و عند الشک بنحو الشبهة الموضوعیة یکون المرجع هو البراءة کما هو واضح.

ثم ان المفهوم من الغناء عرفا ما ذکرناه، و لکن لو فرض الشک فیه بنحو الشبهة المفهومیة و تردده بین السعة و الضیق فلابد من الاقتصار علی القدر المتیقن و اجراء البراءة عن حرمة الزائد.

هذا و الذی یبدو من کلمات البعض انه حصل خلط بین مفهوم الغناء و بین سائر المفاهیم العرفیة الاخری وهی: النیاحة والدعاء والاذان وقراءة القران کما ذکره المحقق الأردبیلی من انعقاد سیرة المتشرعة علی حضور مآتم أهل البیت علیهم السّلام و استماعهم إلی ألحان قراءة الخطیب بدون انکار منهم(1).

ص:97


1- مجمع الفائدة و البرهان 8: 61

و فیه: ان السیرة قائمة علی استماع ما یسمی عرفا بالرثاء والنوح و لا علاقة له عرفا بالغناء عرفا و حقیقة الذی هو کیفیة لهویة فهما خارجان تخصصا , ویکفی فی خروجهما الشک فی دخولهما عرفا وحقیقة .

و مثله فی الضعف ما ذکره النراقی من التمسک باطلاق أدلة قراءة القرآن الکریم و الدعاء و الرثاء(1). فان قراءة القران والدعاء ولو بصوت حزین و حسن خارجة عرفا وحقیقة عن الغناء الذی هو کیفیة لهویة , مضافا الی ان ادلة الحث علی قراءة القرآن مثلا ناظرة إلی قراءة القرآن بما هی و بقطع النظر عما یصاحبها و الا فهل یحتمل کونها حاثّة علیها حتی لو استلزمت ایذاء نائم مثلا؟ فلا تدل علی مشروعیة ما کان حراما فی نفسه لو فرضنا ان قراءة القران من مصادیق الغناء .

و اما ما قاله بعض متأخری المتأخرین من ان الغناء فی نفسه جائز و انما الحرام ما اقترن بمزمار ودخول الرجال علی النساء و ان الاخبار المانعة ناظرة الی المتعارف فی ذلک الزمان(2) مستشهداً بصحیحة ابی بصیر (اجر المغنیة التی تزف العرائس لیس به بأس و لیست بالتی یدخل علیها الرجال)(3) و خبره ( سألت الصادق (علیه السلام) عن کسب المغنیات فقال: التی یدخل علیها الرجال حرام و التی تدعی الی

ص:98


1- مستند الشیعة 2: 644
2- الوافی 17: 218 و کفایة الاحکام: 86
3- وسائل الشیعة ج/12 باب15 ح/3

الاعراس لیس به بأس)(1) و خبر علی بن جعفر عن اخیه (علیه السلام) «قال سألته عن الغناء هل یصلح فی الفطر و الاضحی و الفرح قال لا بأس به ما لم یعص به»(2) هکذا فی قرب الاسناد و فی مسائل علی بن جعفر «ما لم یزمر به»(3) «وهو بطریق قرب الاسناد و ان کان ضعیفا بعبد اللّه بن الحسن لکونه مجهول الحال الّا ان الحر رواه من کتاب علی بن جعفر، و طریقه إلیه صحیح حیث ان له طرقا صحیحة إلی جمیع الکتب التی روی عنها الشیخ الطوسی(4) و التی منها کتاب مسائل علی بن جعفر(5)، و طریق الشیخ بدوره إلی الکتاب المذکور صحیح فی الفهرست(6)» .

و اما دلالتها فیدعی ان ظاهرها جواز الغناء فی نفسه حیث لا یحتمل جوازه فی الاعیاد و الافراح کلها وحرمته فی غیر ذلک .

اقول: اول ما فیه انه خلاف الضرورة فان حرمة الغناء ضروریة و لا دلیل علی تقید الاطلاقات بما فی القیل و اما ما جعله شاهداً فلیس بشاهد حیث ان صحیح ابی بصیر و خبره ظاهران فی کون المغنیة علی قسمین قسم یدخل علیها الرجال وقسم

ص:99


1- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 5 ص 119 ؛ و لا اشکال فی سنده الّا من جهة البطائنی و هو ثقة عندنا .
2- قرب الاسناد ص294 رقم الحدیث: 1158
3- مسائل علی بن جعفر ص156 ح/219
4- راجع الفائدة الخامسة من الفوائد المذکورة فی وسائل الشیعة 20: 50
5- راجع الفائدة الرابعة من الفوائد المذکورة فی وسائل الشیعة 20: 3
6- فهرست الشیخ الطوسی: 87 الرقم 367

اخر تزف العرائس و الاول حرام و الثانی مستثنی کما سیأتی و لا اطلاق لها و اما خبر ابن جعفر فهو خبر واحد و ان اختلف ذیله لکنه لا یقاوم ما ثبت بالضرورة اضف الی ذلک موافقته للعامة مع ما یمکن ان یقال انه مجمل فلا نعلم ما المراد من ذیله «ما لم یعص به» او «ما لم یزمر به» و الحاصل انه لا یمکن العمل به , والحاصل شمول الحرمة للغناء ولو لم ینضم الیه محرّم من دخول الرجال علی النساء و استعمال الآلات الموسیقیة و التکلم بالباطل بمقتضی الاطلاقات فان ظاهر مثل قوله (علیه السلام) فی صحیحة ابن مسلم المتقدمة: «الغناء مما وعد اللّه علیه النار» حرمة الغناء نفسه لا انه مباح و الحرمة ثابتة لما یقارنه .

و ظهر مما تقدم ان استماع الغناء حرام ایضا کما هو صریح صحیحة مسعدة المتقدمة. مضافا إلی امکان استفادة ذلک من الحکم بکون ثمن المغنیة سحتا، إذ لا وجه لذلک ما دامت المنفعة محللة. و یؤید ذلک ما ورد من ان الاستماع إلی المغنیات نفاق(1) .

مستثنیات الغناء

و اما مستثنیات الغناء فقد ذکروا جواز الحداء لسوق الابل اقول: و فیه قال صاحب الجواهر و نعم ما قال: «ان الحداء قسیم للغناء بشهادة العرف و حینئذ یکون

ص:100


1- وسائل الشیعة 12: 88 الباب 16 من أبواب ما یکتسب به الحدیث 7

خارجاً عن الموضوع لا عن الحکم فلا باس به»(1) و یدل علی جوازه معتبر السکونی (زاد المسافر الحداء و الشعر ما کان منه لیس فیه خناء)(2) و به عمل الفقیه.

هذا و اما الاستدلال له بالنبوی المرسل المشتمل علی تقریر النبی صلی الله علیه واله لعبدالله بن رواحه حیث حدا للابل و کان حسن الصوت اذ قال له النبی صلی الله علیه واله حرک بالنوق فهی روایة عامیة(3) لا یمکن الاستدلال الیها مع ان الموجود فی السنن الکبری ذیلها دون صدرها و مثلها ما قد یقال من ان الطرماح حدا بإبله فی سفر کربلاء مع تقریر سید الشهداء (علیه السلام) له و اخذ یرتجز:

  یا ناقتی لا تذعری من زجری            وامض بنا قبل طلوع الفجر الخ(4)

فهی لم یذکر فیها انه اخذ یحدو بل ذکر فیها انه ارتجز و هو اعم من الحدو کما و ان المنقول عن الطبری انه قال ذلک قبل لقائه بالحسین (علیه السلام) (5).

هذا و اما لو قلنا بکونه غناءاً فهل یکون مستثنی بدلیل ما تقدم؟ ظاهر معتبر السکونی المتقدم ذلک.

ص:101


1- جواهر الکلام 22: 51
2- من لا یحضره الفقیه، ج 2، ص: 280 ح 2447 و الخنا: الفحش فی الکلام .
3- السنن الکبری للبیهقی ج/10 ص227 و مسائلک الافهام ج/2 ص403
4- بحار الانوار ج/44 ص378 ح/2 نقلاً عن کتب السیر و المقاتل.
5- قاموس الرجال ج/5 ص560

و من المستثنیات غناء المغنیة فی زف العرائس و الظاهر اختصاص ذلک بالنساء دون الرجال و یدل علیه صحیحة ابی بصیر قال: قال الصادق (علیه السلام): (اجر المغنیة التی تزف العرائس لیس به بأس و لیست بالتی یدخل علیها الرجال)(1) و غیرها(2) و الاستثناء هو ظاهر الکلینی و به افتی الشیخ فی النهایة(3) و قال: بشرط ان لا یغنین بالاباطیل و جعله ابن البراج مکروهاً(4) و قال ابوالصلاح یحرم الغناء کله(5) و مثله ابن ادریس(6) و اطلق المفید و سلار (7)و الحاصل عدم الاعراض عن الخبر.

و اما المراثی: فلا اشکال فی حرمتها لو کانت غناءاً و لا دلیل علی استثنائها و کذلک التغنی بالقران الکریم فلا شک فی حرمة ذلک نعم قرائته بالصوت الحسن لیس من الغناء فی شیء حتی تقع المعارضة بین ادلة استحباب القراءة و ادلة حرمة الغناء (و المعارضة من جهة ان الطائفة الاولی دالة علی اباحته و عدم حرمته) هذا و قد دلت علی استحبابه الروایات المستفیضة ففی خبر ابی بصیر (یا

ص:102


1- وسائل الشیعة ج/12 باب15 ح/3
2- الکافی ج/5 ص120 و غیرها راجع الوسائل ج/12 باب15 من ابواب المکاسب.
3- النهایة ص367
4- المهذب ج/1 ص366
5- الکافی فی الفقه ص281
6- السرائر ج/2 ص224
7- المراسم ص170 و المقنعة ص588

ایا محمد اقرا قراءة ما بین القرائتین تسمع اهلک ورجّع بالقران صوتک فان الله عزوجل یحب الصوت الحسن یرجع فیه ترجیعاً)(1).

و اما تعلم الغناء بالتوصیف و السؤال عن قواعده فالاصل جوازه الّا ان یطرأ علیه عنوان محرم و اما ما عن دعائم الاسلام (تعلمه کفر)(2) فمرسل و ضعیف و یمکن حمله ما هو الغالب فی تعلمه من الاستماع الیه حتی یحصل علی التمکن منه بل هو المتعین بدلیل الانصراف و لا شک حینئذ فی حرمته و مثله خبر سعید بن محمد الطاطری عن ابیه عن الصادق (علیه السلام) (و تعلیمهن کفر)(3) و غیره.(4)

حرمة مطلق اللهو و الباطل

و اما حرمة مطلق اللهو و الباطل فقد استدل علی حرمته بقوله تعالی {و الذین هم عن اللغو معرضون}(5) .

و فیه: ان المدح بفعل لا یدل علی وجوب ذلک الفعل. و اخری بروایات وارده فی وجوب التمام فی سفر الصید تنزهاً ففی موثق ابی بکیر سألت الصادق (علیه السلام) (عن الرجل یتصید الیوم والیومین و الثلاثة ایقصر الصلاة قال: لا الّا ان یشیع

ص:103


1- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 2 ص 616 ؛ و سنده و ان کان فی البطائنی المختلف فیه الّا ان الراوی عنه ابن محبوب و هو من اصحاب الاجماع .
2- مستدرک الوسائل باب 80 تحریم سماع الغناء مما یکتسب به
3- الکافی ج/5 ص120 ح/5 و الوسائل ج/12 ص88 ح/7
4- الکافی ج/5 ص120 ح/7        
5- المؤمنون/3

الرجل اخاه فی الدین فان الصید مسیر باطل لا تقصر الصلاة فیه)(1) و فی موثق زرارة عن الباقر (علیه السلام) قال: (سألته عمن یخرج عن أهله بالصقور و البزاة و الکلاب یتنزه باللیل واللیلتین والثلاثة هل یقصر الصلاة أم لا؟ قال: انما خرج فی لهو لا یقصر)(2), لکن لا یخفی عدم دلالتها علی حرمة اللهو و الباطل بالسفر فضلا عن غیره بل مدلولها عدم تشریع القصر فی ذلک السفر المقصود به اللهو و التنزه و الباطل... و المراد بالباطل عدم وجود غرض مطلوب فیه کالتکسب و تشییع الاخ , بل السیرة و عدم الردع یدلان علی عدم حرمة مطلق اللهو کما یفهم ذلک من الموثقین.

حرمة استعمال آلات اللهو

ثم انه لا شک فی حرمة استعمال آلات اللهو و حرمة الاستعمال لها کالمزمار و الموسیقی و النای و غیرها من آلات اللهو(3) و بذلک استفاضت الاخبار و تکاثرت منها موثق اسحاق بن جریر قال: سمعت ابا عبدالله (علیه السلام) یقول: (ان شیطاناً  یقال له القفندر اذا ضرب فی منزل الرجل اربعین صباحاً بالربط و دخل الرجل وضع ذلک الشیطان کل عضو منه علی مثله من صاحب البیت ثم نفخ فیه نفخة فلا یغار بعدها حتی تؤتی نساؤه فلا یغار)(4) و فی صحیح الحسن بن محبوب و هو من اصحاب

ص:104


1- الوسائل ج/5 باب 9 من ابواب صلاة المسافر ح/1 و ح/7
2- المصدر السابق
3- کما فی النهایة ص363 و غیرها و المقنع ص458 طبع الهادی
4- الوسائل ج/12 باب100 ح/1

الاجماع عن عنبسة عن الصادق (علیه السلام) قال (استماع اللهو و الغناء ینبت النفاق کما ینبت الماء الزرع)(1) و عن موسی بن حبیب عن السجاد (علیه السلام) قال: (لا یقدس الله امة فیها بربط یقعقع و نایة تفجع)(2) و فی معتبر السکونی عن الصادق (علیه السلام) قال: (قال رسول الله صلی الله علیه واله انهاکم عن الزفن و المزمار و عن الکوبات و الکبرات)(3) و لا یخفی دلالته علی حرمة الرقص فانه هو الزفن و فی خبر کلیب الصیداوی قال سمعت ابا عبدالله (علیه السلام) یقول: (ضرب العیدان ینبت النفاق فی القلب کما ینبت الماء الخضرة)(4).

حصیلة البحث:

ص:105


1- الوسائل ج/12 ص235ح1 رواه عن الکلینی .
2- الوسائل ج/12 ص233ح/4 رواه عن الکلینی .
3- الوسائل ج/12 ص233ح/6رواه عن الکلینی و سنده معتبر و ان کان فیه النوفلی فکتاب السکونی من المعتبرات و الکوبة: الطبل الصغیر المخصّر معرب و قال ابو عبید الکوبة: النرد فی کلام اهل الیمن راجع المصباح ص543 و الکبر بفتحین الطبل له وجه واحد و جمعه کبار مثل جبل و جبال و هو فارسی معرب و هو بالعربیة اصف - الی- و قد یجمع علی اکبار - راجع المصباح ص524 و الزفن: هو الرقص کما فی الاساس ص193 و راجع المصباح ص254 و المزمار: آلة الزمر - المصباح ص255 و یزمر فی المزمار: ینفخ فیه راجع اساس البلاغة ص195
4- الوسائل ج/2 ص233 ح/3 رواه عن الکلینی. و فی الکافی بدل ضرب العیدان - صوت العیدان .

یحرم الغناء و هو کل صوت مرجع فیه علی سبیل اللهو و الباطل و هو الکیفیات المناسبة لمجالس أهل الفسوق سواء تحقق فی کلام حق ام باطل. و یستثنی من ذلک غناء المغنیة فی زف العرائس و الظاهر اختصاص ذلک بالنساء دون الرجال و الحداء علی فرض کونه غناءً والظاهر خروجه عن الغناء موضوعاً, کما ان مراثی الامام الحسین (علیه السلام) و قراءة القران بالصوت الحسن لیست من الغناء فی شیء . ویحرم استعمال آلات اللهو نعم لا یحرم مطلق اللهو و اللغو و الباطل .

حرمة الغیبة

السادس عشر: الغیبة و حرمتها معلوم بالضرورة من الدین للایة قال تعالی { و لایغتب بعضکم بعضا ایحب احدکم ان یأکل لحم اخیه میتا فکرهتموه}(1) و الروایات بحرمتها متظافرة و متواترة من طرق الشیعة و العامة و العقل حاکم بحرمتها ایضا لکونها ظلماً للمغتاب - بالفتح- و هتکاً له.

ص:106


1- الحجرات ایه:12 و فی معنی الایة ذکر بعض العلماء ( انه تعالی شبه عرض المؤمن یعنی شخصیته و کرامته – باللحم لانه ینتقص بالهتک کما ینتقص اللحم بالاکل و شبه الاغتیاب بالاکل لحصول الالتذاذ بهما و وصف المؤمن بانه اخ فان المؤمنین اخوة و من طبیعة  الاخوة ان یکون بینهم تحابب و توادد و شبه المغتاب - بالفتح- بالمیت لعدم حضوره - فی اکثر حالات الاغتیاب- و صدر سبحانه و تعالی الجملة بالاستفهام الانکاری اشعاراً للفاعل بان هذا العمل یقبح ان یصدر من احد- هذا و قیل ان التشبیه ناظر الی الوزر و ان وزر الغیبة کوزر اکل المیت لحم المیت)

و یدل علی حرمتها قوله تعالی {ویل لکل همزة لمزة}(1) ففی المصباح همزت الشیء همزاً تحاملت علیه و لمزه لمزاً عابه و اصله الاشارة بالعین(2) و فی الکشاف: الهمز الکسر و اللمز الطعن و المراد الکسر من اعراض الناس و الغض منهم و اغتیابهم(3).

اقول: و الغض کما فی الصحاح: «وضعه و نقص من قدره»(4) و هی بهذا التفسیر شاملة للغیبة والاهانة الحضوریة و تدل علی کونها من الکبائر بدلیل الویل الّا ان التاء فیهما (یعنی اللمز و الهمز) حیث انها للمبالغة-کما قیل- فقد دلت الایة علی حرمته بالنسبة الی کثیر الطعن علی غیره سواء کان فی غیابه أم حضوره فتکون اخص من  المدعی وهو حرمتها بدون الکثرة , و مع ذلک فالایة المبارکة تدل علی اصل حرمة هذه الاعمال وان کان بین عنوان الغیبة و ما فی الایة عموم و خصوص من وجه و الّا فلا معنی لحرمتها بالکثرة نعم دلالة الایة علی کونها من الکبائر غیر معلومة حیث ان الویل لمن اکثر من ذلک، و هاهنا امور:

الامر الاول: هل ان الغیبة من الکبائر؟ اقول لابد من  تحقیق القول اولاً فی کون الذنوب هل انها علی قسمین- کبائر وصغائر- کما هو الظاهر من بعض الایات المبارکة و بعض الاخبار أم انها قسم واحد؟ و انها کلها کبائر الّا ان بعضها اکبر

ص:107


1- الهمزة: آیه 1
2- المصباح ص640 و ص558
3- الکشاف ج/4 ص794
4- الصحاح - غض .

من بعض و اطلاق الکبیرة علیها بالتشکیک علی اختلاف مراتبها شدة و ضعفا وعلیه فلا وجه للنزاع فی ان الغیبة من الکبائر أم من الصغائر؟ اختار الثانی الصدوق و الطبرسی فی تفسیره و ادعی ابن ادریس الاجماع علیه(1) فانه بعد ما نقل کلام الشیخ فی المبسوط- الظاهر فی ان الذنوب علی قسمین صغائر و کبائر- قال و هذا القول لم یذهب الیه (ره) الّا فی هذا الکتاب اعنی المبسوط و لا ذهب الیه احد من الاصحاب لانه لا صغائر عندنا فی المعاصی الّا بالاضافة الی غیرها.

اقول: و یؤید ذلک ان الکبیرة لیست لها حقیقة شرعیة بل المراد بها هو معناها اللغوی و هو الذنب العظیم و تعرف عظمته تارة بالنص علی کونه من الکبائر کالشرک و الزنا و قتل النفس المحترمة وغیرها واخری بالتوعد علی الفعل فی الکتاب أو السنة المعتبرة و ثالثة بترتب اثار الکبیرة علیه و رابعةً بالقیاس الی ما ثبت کونه من الکبائر الموبقة کقوله تعالی (و الفتنة اشد من القتل)(2) هذا اولا وثانیاً انه لم یرد تقسیم الذنوب فی الاخبار الی ان هذا الذنب صغیر و ذاک کبیر نعم ورد ذکر الکبائر فی قسم من الروایات لکن لا یعلم منها ان مقابلها صغیر فی نفسه بل لعله صغیر بالنسبة الیها و یشهد للثانی ما فی الصحیفة السجادیة من استحقاق عذاب الخلائق لمن هم بالمعصیة فکیف من فَعَلَها. و کیف کان فلا ثمرة لهذا البحث بعد کون فعل الصغیرة ایضاً مسقط للعدالة و مناف لها الّا مع التوبة.

ص:108


1- السرائر کتاب الشهادات .
2- البقرة: آیه 187

الامرالثانی: اختصاص حرمة الغیبة بالمؤمن و المراد منه هو: من آمن بالله تعالی و برسوله (ص) و بالمعاد و الائمة علیهم السلام الاثنی عشر , ویدل علی ذلک وجوه:

الاول: انه ثبت فی الروایات و الادعیة و الزیارات جواز لعن المخالفین و وجوب البراءة منهم و سبهم و الوقیعة بهم لانهم من اهل البدع و الریب کما تقدم فی صحیحة ابی ولاد و کما فی آیات اللعن علی الظالمین و المنافقین و الکاتمین لبیان ما انزل الله من البینات والهدی.

الثانی: ان المخالفین متجاهرون بالفسق بتقصیرهم فی الاعتقاد بالحق و مخالفتهم له.

الثالث: ان ادلة تحریم الغیبة تختص بالمؤمن وهم خارجون عن هذا العنوان نعم القاصرون منهم یقبح عقلاً غیبتهم لانها ظلم.

الامرالثالث: ثم انه لا فرق فی حرمة الغیبة بین الکبیر و الصغیر لصدق المؤمن و الاخ علیه فتشمله الایة المبارکة و الاطلاقات  الا انه قیل بخروج الامور التی هی من مقتضیات الصباوة بحیث لا تعد من العیوب أو لا یکرهها الصبی کاللعب ببعض الملاعیب و امثال ذلک، عن کون ذکرها غیبة.

و اما غیر الممیز من الصبیان و المجانین فاستدل علی جواز اغتیابهم بان الامور الصادرة منهم لا تعد عیباً حتی یکون ذکرها کشفاً لما ستره الله تعالی علیهم فتأمل(1).

ص:109


1- انه خلاف اطلاق الایة الّا ان یدعی انصرافها عنهما أو عن غیر الممیز من الصبیان .

الامر الرابع: ثم ان قلنا ان موضوع الغیبة حیث لم یرد فیه نص صحیح فی تحدید مفهومه و لا تعریف من اهل اللغة جامعاً مانعاً للافراد فحینئذ لابد من الاخذ بالقدر المتیقن منه و یخرج المشکوک باصالة العدم وهو یعنی المتیقن ان تقول فی اخیک ما ستره الله علیه فما زاد خارج بالاصل بل هو الثابت بعد ملاحظة ما فی اللغة و الشرع ففی المصباح:اغتابه اذا ذکره بما یکرهه من العیوب و هو حق و الاسم الغیبة. (1)و فی القاموس: غابه أی عابه و ذکره فیه من السوء.(2) و فی النهایة: ان یذکر الانسان فی غیبته بسوء مما یکون فیه.(3) و فی الصحاح: ان یتکلم خلف انسان مستور بما یغمه لو سمعه.(4) اقول: و هی اعم من کونها للاهانة و التنقیص أم لا.

و اما ما فی الروایات ففی صحیح یونس بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن سیابة(5) قال: «سمعت الصادق (علیه السلام) یقول: الغیبة ما تقول فی اخیک مما ستره الله

ص:110


1- المصباح ص627
2- القاموس ج/1 ص112
3- النهایةج/3 ص399
4- الصحاح ج/1 ص196
5- و هو ممن یمکن القول بوثاقته فقد روی الکشی عنه صحیحاً و بواسطة ابن ابی عمیر ما یدل علی اعتماد الصادق (علیه السلام) علیه فی تقسیم ألف دینار فان قلت الراوی هو قلت بعد اعتماد ابن ابی عمیر لا یضر ذلک الّا انه مع ذلک لا یعتمد علیها لانها فی نسخة عبدالله بن سیابة - بدل هذا - نعم یمکن استفادة وثاقته من بعض الروایات الاخر و الروایة هنا بعد کون الراوی یونس الذی هو من اصحاب الاجماع و اعتماد الکلینی علیها موثوق بها .

علیه و اما الامر الظاهر فیه مثل الحدة(1) و العجلة و البهتان: ان تقول فیه ما لیس فیه»(2) و عن العیاشی عن ابن سنان: (الغیبة ان تقول فی اخیک مما فیه قد ستره الله علیه)(3) و فی خبر ابن سرحان عن الصادق (علیه السلام) (ان تقول لاخیک فی دینه ما لم یفعل و ثبت علیه امراً قد ستره الله تعالی علیه لم یقم علیه فیه حد)(4) و غیرها. فهذه الروایات مطابقة لما تقدم عن اهل اللغة بزیادة شیء من التفصیل فقد اشتملت اولاً علی کون العیب الظاهر کالحدة و العجلة لیست من الغیبة و ثانیاً: خروج العیوب التی اجری فیها الحد علیه.

حرمة اذاعة سر المؤمن

ثم ان الغیبة قد تجتمع مع اذاعة سر المؤمن و قد یختلفان و کیف کان فلا شبهة فی حرمة اذاعة سره کما فی صحیحة ابن سنان عن الصادق (علیه السلام) قال: (قلت عورة المؤمن علی المؤمن حرام قال: نعم قلت یعنی: سفلیه قال: لیس حیث تذهب انما هی اذاعة سره)(5) و سیأتی خبر المکارم عن النبی صلی الله علیه واله (یا اباذر المجالس بالامانة و افشاء سر اخیک خیانة) و هو شامل للغیبة و غیرها ولعل هذا هو المراد مما فی خبر  المکارم عن ابی ذر عنه صلی الله علیه واله بان (الغیبة

ص:111


1- الحدة: الغضب .
2- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 2 ص 358  باب الغیبة و البهت ح/7
3- تفسیر العیاشی ج/1 ص257 ح/270
4- الکافی ج/2 ص357 ح/3
5- الکافی ج/2 ص358 ح/2

ذکرک اخاک بمایکره)(1) فلا دلالة فیها علی حرمة ذکر اوصاف انسان لیست مما ستره الله علیه و ذکرها لا یوجب شینه و نقصه.

بقی ما لو کان الشخص یرید ان یشین اخاه و ینقصه بما لا عیب  ولا تنقیص فیه کأن یشیع علیه ان قال: کذا بما لا یکره المغتاب- بالفتح- و لا نقص فیه فهذا خارج عن الغیبة و داخل فی اذیّة و اهانة المؤمن و بذلک یعلم ان ذکر الشخص بلا قصد التنقیص مما یوجب کشف عیبه غیبة کما هو مفاد ما تقدم من بعض الروایات مثل ما عن ابن سیابة و حینئذ فالتفصیل فیها بین الظاهر و الخفی انما یکون مع عدم قصد القائل المذمة و الانتقاص و اما مع قصده فلا فرق بینهما فی الحرمة من جهة الاهانة و الاذیة هذا وقد قیل ان الروایات فی حرمة  ایذاء المؤمن متواترة .

الامر الخامس: انه لا فرق فی صدق الغیبة بین ان یکون المقول نقصاً فی دین المقول فیه أو بدنه أو نسبه أو اخلاقه أو قوله أو عشیرته أو ثوبه أو غیر ذلک نعم الظاهر من خبر ابن سرحان(2) ان الغیبة ذکر الانسان بما یکون نقصاً فی دینه فقط الّا انها معارضة باطلاق غیرها مثل ما فی الصحیح عن ابن سیابة، و توهم حمل المطلق علی المقید فاسد بعد ما فصلت الثانیة بین العیب الظاهر و الخفی و من الواضح ان مقتضی التفصیل القاطع للشرکة هو عموم مفهوم الغیبة بذکر مطلق العیوب غیر الظاهرة .

ص:112


1- مرآة العقول فی شرح أخبار آل الرسول ؛ ج 10 ص 408 ح1
2- الکافی ج/2 ص357 ح/3

فان قلت: ان الثانیة ضعیفة السند.

قلت: اولاً: الاولی ایضاً ضعیفة السند علی انه علی انه یمکن توثیق ابن سیابة فیرتفع الاشکال السندی .

و ثانیاً: انه لم یفت احد بحرمة الغیبة فی العیب الدینی دون غیره فهذه الروایة اذاً لم یعمل بها احد کما و من المحتمل حصول تحریف فیها بابدال فی غیبه ب(فی دینه) .

و ثالثاً: انه لا ضیر فیه حیث یدل علی شمول الغیبة للبهتان بقرینة انه لم یفعل، وذیله یدل علی الغیبة المصطلحة کما هو واضح.

ثم ان ذکر الاوصاف العادیة أو نفیها عن المغتاب انما لا یکون غیبةً اذا لم تستلزم نقصاً فیه و الّا فهی عین الغیبة کنفی العدالة عنه فانه یدل بالملازمة علی ارتکابه المعاصی.

ثم انه قد تتحقق الغیبة بالتعریض و الاشارة کأن یقول: الحمد لله الذی لم یبتلنِی بکذا و کذا، و بالفعل کأن یحکی عیب الغائب بافعاله، و بالکتابة  وقد قیل ان القلم احد اللسانین.

ثم انه لابد من صدق الغیبة من وجود احد یقصد بالتفهیم فهی لا تتحقق بمجرد حدیث النفس ومن هنا یعلم عدم تحقق الغیبة بذکر الانسان بعیوب یعلمها المخاطَب، نعم قد یحرم ذلک من جهات اخر.

ص:113

ثم انه لا تحقق الغیبة الّا بکون المغتاب معلوماً بالتفصیل عند المخاطبین فلو کان مردداً عندهم بین اشخاص محصورین أم غیر محصورین فذکره بالنقائص و المعائب المستورة لا یکون غیبة نعم یحرم من جهة انطباق عناوین محرمة اخر.

کفارة الغیبة و تدارکها

و اما کفارة الغیبة و تدارکها فالموجود فی بعض الروایات الاستغفار له کلما ذکرته أو کما ذکرته ففی خبر حفص بن عمر عن الصادق (ع) «سئل النبی (ص) ما کفارة الاغتیاب قال: تستغفر الله لمن اغتبته کلما ذکرته»(1) و اعتمدها الکلینی لکن ذکر المجلسی فی المرآة انه کما ذکرته لا کلما ذکرته. اقول: الّا انه تعارضها معتبرة السکونی (من ظلم احدا ففاته فلیستغفر الله له  فانه کفارة له)(2) الظاهرة فی کون الاستغفار انما هو عند عدم التمکن من ارجاع الحق لاهله بالتحلل و الاستیهاب الّا ان الانصاف قوة ظهور الاولی بکفایة الاستغفار و لو مع التمکن من التحلل و الاعتذار مضافاً الی اخصیة الاولی من الثانیة فالظلم اعم من الغیبة فتخصص الثانیة بالاولی.

ص:114


1- الکافی طبعة ج/2 ص357 ح/4 و الوسائل ج/12 باب 155 من ابواب العشرة الطبع الجدید - ال البیت- هذا و سندها معتبر الّا من جهة حفص بن عمر.
2- الکافی ج/2 ص334 ح/20 و لا یضر فی سندها النوفلی بعد اعتماد الاصحاب علی کتاب السکونی.

هذا و هی تدل علی کون الاستغفار مرةً فتؤید نسخة المجلسی و یؤیدهما ما فی الجعفریات (من ظلم احداً فغابه فلیستغفر الله له کما ذکره فانه کفارة له)(1). و ما فی تکملة الصحیفة السجادیة من دعاء یوم الاثنین.

اقول: و لا شک ان الغیبة حق الناس کما انها حق الله جل و علا و بدلیل الاخبار و العقل القاضی بانها ظلم للناس و خروج عن طاعة الله عزوجل. هذا و حیث ان الکافی اعتمده و الظاهر انه اخذ الروایة من کتاب هارون بن الجهم بدلیل سنده و قد اعتمد هذا الکتاب ابن الولید بدلیل طریق الشیخ فی الفهرست الیه و علیه فهو موثوق به فالصحیح ان تدارک الغیبة یکون بالاستغفار له و قد عرفت عدم الدلیل علی وجوب التحلل منه .

و اما ما روی النبی «ص» «من کانت لاخیه فی قبله مظلمة فی عرض أو مال فلیستحللها منه من قبل أن یأتی یوم لیس هناک دینار و لا درهم انما یؤخذ من حسناته فان لم تکن له حسنات أخذ من سیئات صاحبه فزیدت علی سیئاته»(2) فروایة عامیة لا عبرة بها.

ص:115


1- الجعفریات ضعیف الّا من ثلثه المنقول عن خط الشهید فانه یمکن القول باعتباره و الباقی مشکوک فیه هذا و عن الجواهر الاشکال فی اصل ما وصل الینا
2- أخرجه أحمد فی مسنده: ج 2 ص 506 من حدیث أبی هریرة.

ثم انه لا مانع من التحلل من المغتاب الّا اذا ترتب علی ذلک عسر و حرج و لعل ما فی الصحیفة اشارة الی ذلک (او ضاق وسعی عن ردها الیه) و یظهر من الدعاء ان الغیبة قسیمة للمظلمة .

ثم ان التحلل وحده لا یکفی بعد کون الغیبة عمل حرام فلابد من التوبة و الاستغفار منه و اما ما عن مصباح الشریعة عن الصادق (علیه السلام) (ان اغتبت فبلغ المغتاب فاستحل منه فان لم تبلغه و لم تلحقه فاستغفر الله له(1)) فالکتاب ضعیف لا یعتمد علیه فی الفتاوی.

ثم ان الاستغفار له من اعمال التوبة و شرائطها فلا یقال ان التوبة تکفی لمحو تبعات الغیبة لقیام الضرورة و الایات و الروایات المتضافرة من الفریقین علی کفایة التوبة و فی بعضها (التائب من الذنب کمن لا ذنب له)(2).

مستثنیات الغیبة

الاول: المتجاهر بالفسق کما تدل علیه صحیحة هارون بن الجهم عن الصادق (علیه السلام): (اذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غیبة(3)) و یؤید ذلک خبر ابی

ص:116


1- و ذکر فی محله انه من تالیف القاضی بن عیاض احد شخصیات الصوفیة.
2- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 2 ص 435 باب التوبة
3- امالی الصدوق ص42 ح/7 و سند الحدیث لا اشکال فیه الّا من جهة احمد بن هارون القامی (او القاضی) الذی ترضی و ترحم علیه الصدوق قدس الله سره هذا و یعلم من فهرست الشیخ ص693 ان الروایة اخذت عن کتاب محمد بن عبدالله بن جعفر فقد ذکر الشیخ طریقه الی کتابه وهو عن جماعة عن الصدوق عن احمد بن هارون الفامی و جعفر بن الحسین عنه اقول: و جعفر بن الحسین هو شخص واحد و هو ابن علی بن شهریار و هو ثقة و قد عرفه رجال الشیخ بانه روی عنه الصدوق و لیس من احد مشترک معه الّا ابن مسکه و هو توهم فهو ابن الحسن  ابن مسکه یروی عن الصدوق و هذا یروی عنه الصدوق فالسند اذاً صحیح بعد قیام جعفر بن الحسین مقام احمد بن هارون اقول: و یمکن القول بوثوق الخبر بطریق اخر من جهة تعدد السند و معروفیة و مشهوریة کتاب محمد بن عبدالله جعفر و کون السند الّا لمحض الاتصال لئلا تصبح روایاته مراسیلاً .

البختری عنه (علیه السلام) (ثلاثة لیس لهم حرمة: صاحب هوی مبتدع و الامام الجائر و الفاسق المعلن بفسقه(1)) و یدل علیه ایضاً موثقة سماعة عن الصادق (علیه السلام) «من عامل الناس فلم یظلمهم و حدثهم فلم یکذبهم و وعدهم فلم یخلفهم کان ممن کملت مروته و ظهر عدالته و وجبت اخوته و حرمت غیبته»(2) فان مفهومها انتفاء حرمة الغیبة مع انتفاء الشرط نعم مفهومها ان من لم تحرز عدالته تجوز غیبته و لو لم یکن متجاهراً فلابد من تقییدها بصحیحة هارون بن الجهم  المتقدمة و خبر ابن ابی یعفور عن الصادق (علیه السلام) بعد السؤال عن العدالة فی الرجل قال: تعرفوه بالستر و العفاف وکف البطن والفرج والید واللسان - الی- و الدلالة علی ذلک ان یکون ساتراً لجمیع عیوبه حتی یحرم علی المسلمین ماوراء ذلک من تفتیش عوراته و عیوبه)(3) فان ظاهرها اعتبار الستر فی حرمة الفحص عن عیوبه فیجوز مع عدم

ص:117


1- قرب الاسناد ص176 ح/645
2- الکافی ج/2 ص239 ح/28 و الوسائل ج/12 ص279 باب 152 من ابواب احکام العشرة.
3- الفقیه ج/3 ص24 ح/1 و الوسائل ج/27 باب41 من ابواب الشهادات ح/34032

التستر و هذا الخبر مع صحیح ابن الجهم یکونان قرینةً علی رفع الید عن اطلاق المفهوم فی الموثقة.

و اما خبر صالح بن عقبة عن علقمة(1) فبعد مخالفته للمشهور و ضعف سنده بإبن عقبة الذی قال عنه ابن الغضائری: (غال کذاب لا یلتفت الیه) لا نحتاج الی تأویله بإرجاعه الی المتجاهر بالفسق بدلیل انصرافه الی من ظاهره الصلاح و التدین بل هو المفهوم منها بقرینة ذیله (فهو من اهل العدالة والستر) و لعله الیه استند ابن الجنید ان کل المسلمین علی العدالة الی ان یظهر ما یزیلها(2) و قد عرفت بطلانه .

و اما ما فی خبر ابن ابی یعفور بروایة الشیخ و بسند ضعیف التی فیها زیادة لیست فی الفقیه من انه (ص) قال: (لا غیبة لمن صلی فی بیته و رغب عن جماعتنا و من رغب عن جماعة المسلمین وجب علی المسلمین غیبته و سقطت بینهم عدالته و وجب هجرانه و اذا رفع الی امام المسلمین انذره وحذره فان حضر جماعة المسلمین و الّا احرق علیه بیته و من لزم جماعتهم حرمت علیهم غیبته و ثبتت عدالته بینهم)(3) فقد مر الجواب عنها فی اول بحث صلاة الجماعة و قلنا ان الشیخ قد تفرد بروایتها و انه لم یفت بها احد نعم قد مر احتمال دلالتها علی حرمة الاعراض عن جماعة المسلمین و الرغبة عنهم بالمرة لا وجوب حضور الجماعة و

ص:118


1- امالی الصدوق ص91 ح/3 و رواها المحاسن ایضاً ج/ ص و هی (فمن لم تره بعینک یرتکب ذنباً و لم یشهد علیه بذلک شاهدان فهو من اهل العدالة و الستر).
2- المختلف ج/2 ص513
3- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان) ج 6  ص 241 باب  91 باب البینات .

قلنا انه من قبیل ما فی معتبر السکونی عن الصادق (علیه السلام) (من اصبح و لم یهتم بامور المسلمین فلیس بمسلم)(1) و غیره(2) وذکرنا ما یرتبط بذلک فراجع.

ثم انه یعلم مما تقدم جواز غیبة المتجاهر و لو فی غیر ما تجاهر به لانه لا حرمة له و هو الذی تقتضیه روایة ابن ابی یعفور حیث ان ظاهرها جواز تفتیش سائر عیوب المتجاهر فیجوز اظهار تلک العیوب بعد العلم بها لظهورها فی عدم الفصل بین الامرین- التفتیش و الغیبة- فاذا جاز الاول جاز الثانی حسب المتفاهم العرفی. و مما ذکرنا یظهر الحال فیما اذا کان متجاهراً فی بلد دون آخر فانه یجوز بیان عیوبه حتی فی البلد الاخر لعین ما ذکرنا.

نعم اذا کان ساتراً لعیوبه و معتذراً عن عیبه المتجاهر به بارتکابه للاضطرار أو الاکراه أو التزاحم بینه و بین تکلیف آخر أو بدعوی انه یری جوازه - تقلیداً أم اجتهاداً- فان کان بطلان اعتذاره واضحاً عند الناس فلا یعد الاعتذار ستراً و اما لو احتمل العذر- و لو کان باطلاً عند البعض- فلا یکون بارتکابه جاهراً بفسقه(3).

الثانی: المبدع و هو من یحدث بدعة فی الاسلام و البدعة هی الادخال فی الدین ما لیس فیه و لا شک فی حرمة البدعة مطلقاً سواء کانت سیاسیة أم عبادیة أم اعتقادیة ام غیرها هذا و قد تقدم فی کتاب الصلاة عدم انقسامها  الی الاحکام الخمسة بل هی منحصرة فی قسم واحد و هو الحرام.

ص:119


1- الکافی ج/2 باب الاهتمام بامور المسلمین و النصیحة لهم و نفعهم ح/1
2- المصدر السابق ح/4 صحیحة الحسن بن محبوب عن الهاشمی. و ح/5
3- حلق اللحیة یصلح مثالاً لکل الاقسام المذکورة.

و اما حکم المبدع فالذی دلت علیه صحیحة ابی ولاد هو وجوب محاربة المبدع و وجوب هتکه وغیبته بل و الکذب علیه و هی عن أبی عبد اللَّه (علیه السلام) قال قال رسول اللَّه (ص) «إذا رأیتم أهل الرَّیب و البدع من بعدی فأظهروا البراءة منهم و أکثروا من سبّهم و القول فیهم و الوقیعة و باهتوهم کیلا یطمعوا فی الفساد فی الإسلام وَ یحذرهم النَّاس و لا یتعلَّمُوا من بدعهم یکتب اللَّه لکم بذلک الحسنات و یرفع لکم به الدَّرَجَاتِ فی الآخرة»(1) .

الثالث: المنافق الّا انه لم یتعرض احد من العلماء لاستثنائه و المراد به هنا هو من اظهر الاسلام و الایمان و هو غیر معتقد به کما جاء فی قوله تعالی {و من الناس  من یقول امنا بالله والیوم الاخر و ما هم بمؤمنین}(2) .

و له معنی اخر و هو من اظهر الاسلام و الایمان و تخلف عنه عملیاً و یشهد له قوله تعالی {و منهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن و لنکونن من الصالحین فلما آتاهم من فضله بخلوا به و تولوا و هو معرضون فأعقبهم نفاقاً فی قلوبهم الی یوم یلقونه بما اخلفوالله ما وعدوه و بما کانوا یکذبون}(3) و قد اوضحت الایة علتین مستقلتین لنفاقهم خلفهم للوعد و کذبهم کل واحدة منها تکفی لحصول النفاق کما هو ظاهر الایة کما و ان الایة واضحة المراد من

ص:120


1- الکافی (ط - الإسلامیة)، ج 2، ص: 375ح4
2- البقرة: آیة 8
3- التوبة: الایات 70 و 76و 77

الکذب و هو الکذب العملی یعنی عدم مطابقة الفعل بالبخل عما وعدوه و فی خبر حماد عن الصادق (علیه السلام) (وللمنافق ثلاث علامات یخالف لسانه قلبه و قلبه فعله و علانیته سریرته)(1) و فی خبر مسمع عن الصادق (علیه السلام) قال قال رسول الله (ص) (ما زاد خشوع الجسد علی ما فی القلب فهو عندنا منافق)(2) و غیرها.(3)

هذا و لا یخفی ان بین عنوان المنافق و المتجاهر بالفسق عموم و خصوص من وجه بالنسبة الی التعریف الاول و عموم و خصوص مطلق بالنسبة الی التعریف الثانی و علی أی حال فالمنافق قد یکون مستتراً .

و اما حکم المنافق بالمعنی الاول فقد قال تعالی {یا ایها النبی جاهد الکفار و المنافقین و اغلظ علیهم و مأواهم جهنم و بئس المصیر}(4) و قد تکررت فی موضعین من القرآن الکریم و قال تعالی {لئن لم ینته المنافقون و الذین فی قلوبهم مرض و المرجفون فی المدینة لنغرینک بهم ثم لا یجاورنک فیها الّا قلیلا}(5).

ص:121


1- الخصال ص121 و عن مصباح الشریعة (و الکتاب غیر معتبر) عن النبی صلوات الله علیه و آله من خالفت سریرته علانیته فهو منافق. سفینة البحار ج/8 ص307
2- اصول الکافی ج/2 ص396
3- نهج البلاغة خطبة 210
4- سورة التوبة ایه 73 و سورة التحریم ایه 9
5- سورة الاحزاب ایه 60

اقول: و من الواضح ان کان حکم المنافق بالمعنی الاول هو ان یجاهد و یغلظ علیه فالمفهوم منه عرفاً عدم الحرمة له و جواز غیبته و قد جعلت الایة و هی {المنافقون و المنافقات بعضهم من بعض یأمرون بالمنکر و ینهون عن المعروف ...}(1) المنافقین فی مقابل المؤمنین فی قوله تعالی {و المؤمنون و المؤمنات بعضهم اولیاء بعض یأمرون بالمعروف و ینهون عن المنکر...}(2) فهم اذاً لیسوا من المؤمنین و انما المحرم هو غیبة المؤمن .

هذا و قد یستدل لجواز غیبة المنافق بتقریر امیر المؤمنین (علیه السلام) لمالک الاشتر حین طلب جریر من امیر المؤمنین (علیه السلام) ان یبعثه الی معاویة لیدعوه علی ان یسلّم الامر لامیر المؤمنین (علیه السلام) فقال الاشتر للامیر (علیه السلام) (لا تبعثه ودعه و لا تصدقه فوالله انی لاظن هواه هواهم و نیته نیتهم فقال له علی (علیه السلام) دعه حتی ننظر ما یرجع  به الینا)(3) و جریر آنذاک لم یکن متجاهراً بمخالفة امیر المؤمنین (علیه السلام) کما و لم یقل الاشتر انه متجاهر بل قال انه منافق و ان قلبه معهم لا معنا و یشهد لذلک ما فی ذیل الکتاب (و قد ارسلت الیک والی من قبلک جریر بن عبد الله و هو من اهل الایمان و الهجرة)(4) لکنه محل اشکال و ذلک لانه من مصادیق النصح و هو جائز و ان استلزم الغیبة فلا یمکن الاستدلال به للمقام .

ص:122


1- سورة التوبة ایه 67
2- سورة التوبة ایه 71
3- صفین ص27 و ص28 و مصادر نهج البلاغة ج/1 ص464
4- صفین ص29 و ص30 کتاب امیر المؤمنین (علیه السلام) الی معاویة لعنه الله.

الرابع: تظلم المظلوم و اظهار ما فعل به الظالم و ان کان الظالم متستراً, و التظلم جائز حتی فی غیر ما فعل به الظالم کما هو مقتضی اطلاق قوله تعالی {لا یحب الله الجهر بالسوء من القول الّا من ظلم}(1) و الایة مطلقة شاملة للغیبة و الشتم فما جاء من تفسیرها فی بعض التفاسیر بالثانی فهو من باب بیان المصداق کما و هی مطلقة من جهة اظهار مساوئ الظالم مما فعله فی حق المظلوم و غیره من عیوبه المستورة و مناسبة الحکم و الموضوع تقتضی ان للظلم دخلاً فی جواز الاغتیاب بحیث لولا ظلمه لما جاز اغتیابه و اما اختصاص الجواز بخصوص ظلمه فلا تقتضیه المناسبة بل مقتضاها بیان جمیعها حتی یحصل للناس امکان التصدیق بظلمه و یدل علی ذلک ایضاً خبر ابی البختری المتقدم (ثلاثة لیس لهم حرمة: صاحب هوی مبتدع و الامام الجائر و الفاسق الملعن بفسقه) .

اقول: و هی و ان کانت ضعیفة سنداً من جهة ابی البختری الّا انها مما یشهد القرآن و الاحادیث الصحیحة علی صحتها و قد ورد الامر بالاخذ بالروایات التی علیها شاهد من القرآن أو السنة ففقراتها الثلاثة موافقة لهما فقد دلت صحیحة ابی ولاد علی عدم الحرمة للمبتدع و الایة المتقدمة دلت علی جواز القول السیء فی حق الظالم و صحیحة ابن الجهم دلت علی عدم حرمة الفاسق المعلن بفسقه و ایضاً فان قوله تعالی {انما المؤمنون اخوة} و ما ورد صحیحاً من ان المسلم اخو

ص:123


1- النساء آیه 148

المسلم و المؤمن اخو المؤمن(1) یدل علی ان احکام الاخوة تثبت للاخوة دون غیرهم ممن خرج عنهم بفسقه و ظلمه و بدعته و نفاقه قال تعالی {لا تجد قوماً یؤمنون بالله و الیوم الاخر یوادّون من حاد الله و رسوله و لو کانوا آباءهم أو ابناءهم أو ...}(2) و قال تعالی {یا ایها الذین امنوا لا تتخذوا الیهود و النصاری اولیاء بعضهم أولیاء بعض و من یتولهم منکم فانه منهم ان الله لا یهدی القوم الظالمین}(3) و قد دلت موثقة سماعة المتقدمة بمفهومها علی عدم الاخوة مع الفاسق و الظالم و الکاذب هذا و قد دلت الایة المبارکة {انما المؤمنون من آمن بالله و الیوم الاخر ثم لم یرتابوا و جاهدوا باموالهم و انفسهم فی سبیل الله اولئک هم الصادقون}(4) علی ان الایمان مقرون بالجهاد بالمال والنفس، و دلت الایة { و من لم یحکم بما انزل الله فاولئک هم الفاسقون}(5) علی کون الجائر فاسق و قال تعالی {و الذین امنوا و لم یهاجروا ما لکم من ولایتهم من شیء حتی یهاجروا}(6) و هی دالة علی ان من لم یهاجر و ان اسلم فلا یجب تولیه بل قد تکون دالة علی

ص:124


1- مثل ما عن الصادق (علیه السلام) صحیحاً: المسلم اخو المسلم لایظلمه و لا یخذله و لا یخونه و عنه صحیحاً: (ان المؤمن اخو المؤمن عینه و دلیله لا یخونه) الکافی (ط - الإسلامیة) ج 2  ص167  باب أخوة المؤمنین بعضهم لبعض .
2- المجادلة- آیة 22
3- المائدة آیة 51
4- الحجرات ایة 15
5- المائدة آیة 47
6- الانفال آیة 72

الحرمة ومآل عدم التولی الی انهم ما لم یهاجروا لا یحظون بنعمة اخوة المؤمنین و غیر ذلک فراجع.

غیبة المضیّف

هذا و اما ما دل علی جواز غیبة المضیّف اذا ما اساء فی حق الضیف(1) و الظاهر انها روایة واحدة و مرسلة و ان تعدد مصدرها, فمحمولة علی کون الاساءة بحد مرتبة من مراتب الظلم .

اقول: و الصحیح حملها علی ما سیأتی من جواز الشکایة مضافاً الی ضعفها بالارسال.

جواز الاشتکاء و عدمه

و اما خبر الکافی عن حماد بن عثمان قال (دخل رجل علی ابی عبدالله (علیه السلام) فشکی الیه رجلاً من اصحابه فلم یلبث ان جاء المشکو فقال له ابو عبدالله (علیه السلام) ما لفلان یشکوک فقال له: یشکونی انی استقضیت منه حقی قال فجلس ابو عبد الله (علیه السلام) مغضباً ثم قال کأنک اذا استقضیت حقک لم تسیء)(2).

ص:125


1- تفسیر العیاشی ج/1 ص283 و مجمع البیان ج/3 ص131 و هی کما عن العیاشی (من اضاف قوماً فاساء ضیافتهم فهو ممن ظلم فلا جناح علیهم فیما قالوا فیه) و بالمعنی نقلها المجمع.
2- الکافی ج/5 ص100 ضعیفة سنداً بمعلی بن محمد . والتهذیب ج/6 ص194

اقول: الّا انها اجنبیة عما نحن فیه و لیست من الغیبة فی شیء الّا اذا فسرنا الغیبة - بذکرک اخاک بما یکره- وقد مرّ عدم ثبوته و کیف کان فهی تدل علی جواز الشکایة اذا کانت بحق و یجوز استماعها حتی لو قلنا انها من الغیبة و لو لم تکن بحق فهی کذب و اتهام. و مثلها مرسلة ثعلبة بن میمون(1).

الخامس: نصح المستثیر فتجوز الغیبة بقصد النصح، کما لو استشار شخص فی تزویج امرأة فیجوز نصحه، و لو استلزم إظهار عیبها بل یجوز ذلک ابتداء بدون استشارة، بل یجب إذا علم بترتب مفسدة علی ترک النصیحة کما هو مقتضی الاخبار المستفیضة الدالة علی وجوب نصیحة المؤمن ففی صحیحة ابی المغرا عن الصادق (علیه السلام) (المسلم اخو المسلم لایظلمه ولا یخذله ولا یخونه ...)(2) و فی صحیحة علی بن عقبة عن الصادق (علیه السلام) (ان المؤمن اخو المؤمن عینه و دلیله لا یخونه)(3) و هی اصرح من الاولی فی کونه عینه و دلیله و هما کنایتان عن اعطاء المعلومات الیه التی لا یطلع علیها احد و ارشاده لما هو الصواب هذا و الاولی اشتملت علی انه لا یخذله و لا شک ان ترک النصیحة بعد الاستشارة نوع خذلان له، نعم قد یدعی کونه اخص. اقول وتعبیر الثانیة بالمؤمن اخو المؤمن اصح من الاولی المسلم ... بدلیل الایة المبارکة.

ص:126


1- الکافی ج/2 ص651
2- الکافی ج/2 ص174 ح15
3- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 2  ص167  باب أخوة المؤمنین بعضهم لبعض .

هذا: و فی صحیحة عیسی عن الصادق (علیه السلام) «یجب للمؤمن علی المؤمن ان یناصحه»(1) و فی صحیحة ابن وهب عنه صلی الله علیه واله «یجب للمؤمن علی المؤمن النصیحة له فی المشهد و المغیب»(2) وغیرهما(3) دلالة علی وجوب النصیحة ابتداءً فضلاً عما لو استشاره هذا قسم من الروایات العامة و هنالک روایات خاصة فی نصیحة المؤمن عند الاستشارة مثل خبر الحسین بن عمر عن الصادق (علیه السلام): ( من استشار اخاه فلم ینصحه محض الرأی سلبه الله عزوجل رأیه)(4) و مثله خبر حماد بن عثمان او ابن عیسی فی خبر «فإنَّ من لم یُمْحِضِ النَّصیحة لمن استشاره سلبه اللَّه رأیه»(5) و غیرها.

السادس: الاستفتاء ویدل علی جواز الشکایة ما تقدم و صحیحة ابن سنان عن الصادق (علیه السلام) قال (جاء رجل الی رسول الله صلی الله علیه واله فقال ان امی لا تدفع ید لامس قال: فاحبسها قال: قد فعلت قال: فامنع - الی- قال: فقیدها فانک لا تبرها بشیء افضل من ان تمنعها عن محارم الله عزوجل)(6) و دلالتها علی المطلوب

ص:127


1- الکافی ج /2ص208 ح/1
2- الکافی ج /2ص208 ح/2
3- الکافی ج /2ص208 ح/3 - ح/4
4- الکافی ج /2ص363 ح5
5- المحاسن ج2 ص375
6- من لا یحضره الفقیه ج 4 ص 72 باب نوادر الحدود

واضحة فما قیل من انها قد تکون امه غیر معروفة مدفوع بانها اصبحت معروفة باستفتاء ولدها فقد حصل العلم للمسؤول انها ام هذا السائل .

لایقال: ان هذه الصحیحة منافیة لقوله تعالی{و لا تقل لهما اف} الدال علی حرمة ایذاء الوالدین بالحبس و الضرب وغیرهما فانه یقال: مضافاً الی کونها اخص من الایة المبارکة فان المتیقن من حرمة ایذاء الوالدین انما هو عقوق الوالدین و صحیحة ابن سنان تقول ان هذه الاعمال من بر الوالدین اذاً فالصحیحة حاکمة علی مفاد الایة المبارکة کما لا یخفی.

السابع: قصد ردع المغتاب عن المنکر الذی یفعله و استدل له بوجهین:

   الاول: ان الغیبة هنا احسان فی حقه.

   الثانی: ان عمومات النهی عن المنکر شامله لذلک.

و الجواب: انه لا یخفی ما فیهما فانه لا یعبد الله من حیث یعصی نعم یمکن الاستدلال له بفحوی صحیحة ابن سنان المتقدمة و ذلک: انه لا یحتمل الفرق بین جواز حبسها و قیدها و بین جواز اغتیابها حسب المتفاهم العرفی فان الحبس والقید حرامان لولا الردع عن المنکر فاذا جازا لاجل الردع عن المنکر جازت الغیبة لذلک.

الثامن: قصد حسم مادة الفساد عن الناس و استدل له بصحیحة داود بن سرحان الواردة فی المبدع بمقتضی ذیلها (کیلا یطمعوا فی الفساد فی الاسلام) و ثانیاً: بان مصلحة دفع فتنته عن الناس اولی من الستر علیه فی الموارد التی یحکم العقل بلزوم تلک المصلحة.

ص:128

اقول: الّا ان مورد البحث لیس هو المبدع کما هو مقتضی الدلیل الاول و لا المنافق, انما موضوع البحث الجاهل الناسک الذی یضر الاسلام و یفسد من حیث لا یعلم و حینئذ فلا مجال للدلیل الاول فیبقی الدلیل الثانی و حینئذ یدخل فی باب التزاحم و یؤخذ بالاقوی ملاکاً- بحکم العقل بعد کونها واجبین- و بعبارة اخری یقع التزاحم بین وظیفة اقامة الدین بمقتضی قوله تعالی: { شَرَعَ لَکُم مِنَ الدّینِ مَا وَصّی بِهِ نُوحاً وَالّذِی أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ وَمَا وَصّیْنَا بِهِ إِبْرَاهِیمَ وَمُوسَی وَعِیسَی أَنْ أَقِیمُوا الدّینَ وَلَا تَتَفَرّقُوا فِیهِ کَبُرَ عَلَی الْمُشْرِکِینَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَیْهِ اللّهُ یَجْتَبِی إِلَیْهِ مَن یَشَاءُ وَیَهْدِی إِلَیْهِ مَن یُنِیبُ}(1) و بین حرمة الغیبة و المقرر- اصولیا- تقدم الاهم علی غیره و هو حفظ الدین.

التاسع: جرح الشهود و الرواة و یشهد لذلک السیرة القطعیة من المتشرعة قیل و علی هذا سیرة الائمة علیهم السلام .

و اما حکم الشهادة علی الناس بالقتل والزنا و السرقة و نحوها لاقامة الحد علیهم فقد ثبت جواز الشهادة بذلک کتاباً و سنةً کما هو واضح.

العاشر: جواز الاغتیاب لدفع الضرر عن المغتاب - بالفتح -کما اذا أراد احد ان یقتله أو یهتک عرضه أو یأخذ امواله أو یضره بما یرجع الیه و یدل علی ذلک ما رواه الکشی صحیحاً عن الصادق (علیه السلام) الصریحة فی تنزیه زرارة و تقدیسه عن المطاعن و المعائب و فیها (انما اعیبک دفاعاً منی عنک)(2) و هذه الفقرة شاملة

ص:129


1- الشوری آیة 13
2- رجال الکشی ص138 ح/221

لموارد الغیبة و غیرها من القدح فی شخصیته الدالة علی جواز الغیبة من اجل الدفاع عن المغتاب و قد شبّه (علیه السلام) ذلک بتعییب الخضر (علیه السلام) سفینة المساکین لئلا یأخذها الغاصب من ورائهم بل تبقی صالحة لاهلها و قد جاء فیها (فافهم المثل رحمک الله) هذا و تشکیک البعض فی دلالتها لا محل له.

فائدة مستفادة من قصة الخضر (علیه السلام)

فائدة: و الایة المبارکة بضمیمة الصحیحة تعطینا قاعدة عامة و هی: لو حصل التزاحم بین حفظ اموال الناس أو اعراضهم إو انفسهم و بین حرمة غیبتهم فالاول هو المقدم و فی ذلک دلالة علی حجیة القرآن بکل امثاله و قصصه و لو کان عن الامم السابقة بدلیل: قوله (علیه السلام) فافهم المثل و استشهاده (علیه السلام) به و قوله (علیه السلام) هذا التنزیل من عند الله الذی فیه دلالة علی عمومیة الاستشهاد بالتنزیل بمجرد وجوده فیه. هذا و فی الایة دلالة علی جواز التصرف باموال الناس- لذلک- من دون اذن مسبق منهم بعد الغاء الخصوصیات.

الحادی عشر: ان یکون الانسان معروفاً بوصف یدل علی عیب فیه کالاعمش و الاعرج کما یشهد لذلک سیرة العقلاء والمتشرعة.

الثانی عشر: القدح فی مقالة باطلة فی ما اذا توقف بیان حقائق الدین علی سوء التعبیر لما تقدم من تقدم الاهم علی غیره و الّا فهو خارج عن موضوع الغیبة تخصصاً لاطلاق ادلة وجوب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر و ارشاد الجاهلین.

ص:130

الثالث عشر: رد من ادعی نسباً لیس له و یمکن القول بخروج هذا المورد کسابقه من موضوع الغیبة و الذی هو کشف العیب المستور و الّا فحیث لا دلیل علیه بالخصوص فان جری فیه تزاحم بین واجبین مما یحصل منه جواز الغیبة فهو(1) و الّا فلا.

الرابع عشر: ذکر الشهید الثانی (ره): انه قیل اذا علم اثنان من رجل معصیة شاهداها فاجری احدهما ذکرها فی غیبة ذلک العاصی عند الاخر جاز(2).

اقول: و هو الذی تساعد علیه الادلة مما تقدم و لا دلیل علی الحرمة هنا.

استماع الغیبة

استماع الغیبة: و من المعلوم حرمته بعد وجوب انکار المنکر فی نفسه کما هو ثابت فی محله فیحرم الاستماع من هذه الجهة بعد کونه تأییداً للمنکر بل و تشجیعاً له قال تعالی {و قد نزل علیکم فی الکتاب ان اذا سمعتم ایات الله یکفر بها و یستهزء بها فلا تقعدوا معهم}(3) الدالة علی حرمة مجالسة من یکفر بآیات الله و هی و ان کانت اخص من جمیع المنکرات الّا انه قد یتعدی منها الی جمیعها بمعونة بعض الاخبار فراجع هذا ان لم نعتمد علی الاخبار الکثیرة الواردة فی تحریم الاستماع لضعفها السندی ولم نقل ان کثرتها توجب الوثوق بها.(4)

ص:131


1- من قبیل موارد الارث و التزویج (فی الجملة) و غیرهما.
2- کشف الریبة ص 80
3- النساء ایة 140
4- راجع المستدرک ج/9 ص133 باب136 من ابواب احکام العشرة.

و من هذه الاخبار: ما فی تفسیر ابی الفتوح الرازی مرسلاً (ان السامع احد المغتابین)(1) و حدیث المناهی الذی اعتمده الصدوق فی الفقیه(2) و فیه (نهی عن الغیبة و الاستماع الیها و نهی عن النمیمة و الاستماع الیها).(3)

وجوب الردع عن الغیبة

ثم انه یجب ردع الغیبة کما دلت علیه الاخبار المستفیضة منها ما تقدم فی حدیث المناهی و موثقة ابراهیم بن عمر الیمانی عن الصادق (علیه السلام) قال (ما من مؤمن یخذل اخاه المؤمن و هو یقدر علی نصرته الّا خذله الله فی الدنیا والاخرة)(4) و المراد بالخذلان ترک النصرة بقرینة المقابلة بقوله (و هو یقدر علی نصرته) و حینئذ فالواجب هو نصرة المغتاب وهی غیر النهی عن المنکر و ان افادته وهی تختلف باختلاف المعایب فما کان من الامور الدنیویة یختلف عما هو من الامور الدینیة.

و فی صحیح الحسن بن محبوب وهو من اصحاب الاجماع عن علی بن رئاب عن أبی الورد عن أبی جعفر علیه السلام قال: من اغتیب عنده أخوه المؤمن فنصره و

ص:132


1- تفسیر ابی الفتوح ج/1 ص125
2- و سنده صحیح الّا من جهة شعیب بن واقد.
3- الفقیه ج/4 ص15 ح/4968
4- الوسائل ج/8 باب146 ح/9 من ابواب العشرة

اعانه نصره اللّه و اعانه فی الدنیا و الآخرة و من لم ینصره و لم یعنه و لم یدفع عنه و هو یقدر علی نصرته و عونه الّا خفضه اللّه فی الدنیا و الآخرة(1).

و معتبر السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال: قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله: من رد عن عرض أخیه المسلم وجبت له الجنة البتة(2).

حرمة البهتان

و من الکبائر: البهتان علی المؤمن و هو ذکره بما یعیبه و لیس هو فیه و البهتان من مصادیق الکذب و لا اشکال فی تأکد حرمة البهتان بل یستفاد من بعض النصوص کونه کبیرا ففی صحیح حماد بن عیسی و هو من اصحاب الاجماع عن ابراهیم بن عمر الیمانی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال: اذا اتهم المؤمن أخاه انماث الایمان فی قلبه کما ینماث الملح فی الماء(3)، فان البهتان بمقتضی هذه الروایة یوجب زوال الایمان.

ص:133


1- وسائل الشیعة، ج 12، ص: 291 باب 156 وجوب رد غیبة المؤمن و تحریم سماعها.
2-   ثواب الأعمال و عقاب الأعمال ص 145    
3- الوسائل الباب 161 من أبواب أحکام العشرة الحدیث: 1

اصالة الصحة

هذا و لو شک السامع فی استحقاق المقول فیه ذلک المقال بان کان لا تحرم غیبته فالاصل و ان کان هو حرمة الاستماع الّا ما علم خروجه الّا ان اصالة الصحة حاکمة علیه بعد احتمال ان القائل معذوراً لم یعص الله فی اغتیابه و استدل للصحة بمفاد قوله تعالی {قولوا للناس حسناً}(1) و دلالتها تامة فقد روی الکلینی فی تفسیرها عنه (علیه السلام) (لا تقولوا الّا خیراً حتی تعلموا ما هو)(2) و کیفما کانت دلالتها فهی دالة علی المقام سواء فسرناها بالقول او الاعتقاد.

هذا و قیل بعدم جواز الردع لان ردعه یستلزم انتهاک حرمته , قلت: و هو اخص من المدعی. ثم انه یتضاعف عقاب المغتاب - بالکسر- اذا ما کان ذا لسانین کما ورد فی المستفیضة منها موثقة عمرو بن خالد عن زید بن علی (علیه السلام) قال (قال رسول الله صلوات الله علیه و آله یجیء یوم القیامة ذوالوجهین والعاً- دالعاً- لسانه فی قفاه و آخر من قدامه یلتهبان ناراً حتی یلهبا جسده)(3).

حصیلة البحث:

ص:134


1- ال بقرة آیة 83
2- الکافی ج2 ص164 ح9
3- الوسائل ج/8 باب122 ح/24 من ابواب العشرة

تحرم الغیبة، و هی: أن یذکر المؤمن بعیب فی غیبته، سواء أ کان بقصد الانتقاص، أم لم یکن، و سواء أ کان العیب فی بدنه، أم فی نسبه، أم فی خلقه، أم فی فعله، أم فی قوله، أم فی دینه، أم فی دنیاه، أم فی غیر ذلک مما یکون عیبا مستورا عن الناس، کما لا فرق فی الذکر بین أن یکون بالقول، أم بالفعل الحاکی عن وجود العیب، و الظاهر اختصاصها بصورة وجود سامع یقصد إفهامه و إعلامه، کما أن الظاهر أنه لا بد من تعیین المغتاب، فلو قال: واحد من أهل البلد جبان لا یکون غیبة، و کذا لو قال: أحد أولاد زید جبان، نعم قد یحرم ذلک من جهة لزوم الإهانة و الانتقاص، لا من جهة الغیبة، و یجب عند وقوع الغیبة التوبة و الندم و لا یجب الاستحلال من الشخص المغتاب و لا مانع منه إذا لم تترتب علیه مفسدة, و یجب الاستغفار له کلما ذکره .

و تجوز الغیبة فی موارد، منها: المتجاهر بالفسق، فیجوز اغتیابه فی غیر العیب المتستر به، نعم اذا کان ساتراً لعیوبه و معتذراً عن عیبه المتجاهر به -کحلق اللحیة- بارتکابه للاضطرار أو الاکراه أو التزاحم بینه و بین تکلیف آخر أو بدعوی انه یری جوازه - تقلیداً أم اجتهاداً- فان کان بطلان اعتذاره واضحاً عند الناس فلا یعد الاعتذار ستراً و اما لو احتمل العذر- و لو کان باطلاً عند البعض- فلا یکون بارتکابه جاهراً بفسقه.

و منها: المبدع و هو من یحدث بدعة فی الاسلام و البدعة هی الادخال فی الدین ما لیس فیه و لا شک فی حرمة البدعة مطلقاً سواء کانت سیاسیة أم عبادیة أم

ص:135

اعتقادیة ام غیرها , و حکم المبدع هو وجوب محاربته ووجوب هتکه وغیبته بل و الکذب علیه .

ومنها: المنافق الّا انه لم یتعرض احد من العلماء لاستثنائه و المراد به: هو من اظهر الاسلام و الایمان و هو غیر معتقد به وحکم المنافق هو ان یجاهد و یغلظ علیه و علیه فتجوز غیبته .

و منها: الظالم لغیره، فیجوز للمظلوم غیبته، و منها: نصح المستثیر، فتجوز الغیبة بقصد النصح، کما لو استشار شخص فی تزویج امرأة فیجوز نصحه، و لو استلزم إظهار عیبها بل یجوز ذلک ابتداء بدون استشارة، بل یجب إذا علم بترتب مفسدة علی ترک النصیحة، ومنها: الاستفتاء و منها: ما لو قصد بالغیبة ردع المغتاب عن المنکر، فیما إذا لم یمکن الردع بغیرها، و منها: ما لو خیف علی الدین من الشخص المغتاب، فتجوز غیبته، لئلا یترتب الضرر الدینی، و منها: جرح الشهود، و منها: ما لو خیف علی المغتاب الوقوع فی الضرر اللازم حفظه عن الوقوع فیه، فتجوز غیبته لدفع ذلک عنه، و منها: القدح فی المقالات الباطلة، و إن أدی ذلک إلی نقص فی قائلها اذا ما توقف بیان حقائق الدین علی سوء التعبیر.

و یجب علی سامع الغیبة أن ینصر المغتاب، و یرد عنه، و أنه إذا لم یرد خذله اللّه تعالی فی الدنیا و الآخرة.

و یحرم البهتان علی المؤمن- و هو ذکره بما یعیبه و لیس هو فیه- و یحرم سب المؤمن و إهانته ایضا، و لو شک السامع فی استحقاق المقول فیه ذلک المقال بان کان لا تحرم غیبته فالاصل حمل المتکلم علی الصحة.

ص:136

القمار

السابع عشر: القمار و فیه مسائل اربع:

الاولی: انه لا خلاف بین الفقهاء قاطبة - سنة و شیعة- فی حرمة اللعب بالآلات المعدة مع المراهنة و تدل علیه الایات والروایات المتواترة من طرقنا و طرق العامة(1) قال تعالی{ یا ایها الذین آمنوا انما الخمر والمیسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشیطان فاجتنبوه لعلکم تفلحون}(2) و قد اشیر الی حکمة أو علة التحریم فی قوله تعالی فی الایة التالیة لها {انما یرید الشیطان ان یوقع بینکم العداوة و البغضاء فی الخمر و المیسر و یصدکم عن ذکر الله و عن الصلاة فهل انتم منتهون}.(3)

الثانیة: اللعب بآلالات المعدة للقمار بدون الرهن بان کان الغرض منه الانس و الفرح و هو حرام ایضاً و یدل علی تحریمه صحیحة زید الشحام قال (سألت ابا عبدالله (علیه السلام) عن قول الله عزوجل {فاجتنبوا الرجس من الاوثان و اجتنبوا اقول الزور} قال الرجس من الاوثان الشطرنج و قول الزور الغناء)(4) و خبر السکونی عن

ص:137


1- و من هذا القبیل اوراق الحظ و النصیب المعروف فی زماننا و هو نظیر اللعب بالاقداح فی زمن الجاهلیة.
2- المائدة: آیه 92
3- المائدة: آیه13
4- الوسائل ج/12 –الطبع القدیم- باب102 من ابواب یکتسب به ح/1-9-10

الصادق (علیه السلام) (نهی رسول الله صلی الله علیه واله عن اللعب بالشطرنج و النرد)(1) و نحوهما و هذا الاطلاقات شاملة لما کان مع المراهنة أو بدونها و دعوی انصرافها الی ما کان فی اللعب عوض مدفوعة:

اولا: بان اللعب بها من غیر عوض لیس بامر نادر لتکون ندرته منشأ للانصراف الی غیره.

و ثانیاً: ان مجرد غلبة الوجود فی الخارج لا توجب الانصراف الا ما اذا کان الفرد النادر أو غیر الغالب علی نحو لا یراه العرف فرداً للعمومات و المطلقات کما فی انصراف الروایات المانعة عن الصلاة فی غیر المأکول عن الانسان و یمکن الاستدلال له بصدق القمار  فتکون علیه الایة المتقدمة شاملة له و ذلک بعد تصریح القول به عند اهل اللغة ففی المصباح: «قامرته قماراً من باب قاتل فقمرته قمراً من بابی  قتل و ضرب غلبته فی القمار»(2) وکذلک فی الصحاح(3) و فی مختاره «القمار: المقامرة و تقامروا: لعبوا القمار و قامره فقمر من باب ضرب غلبه فی لعب القمار»(4) ولا ینافیه ما فی القاموس و لسان العرب تقمره راهنه فغلبه و ذلک فانه جاء ان اصل القمار الرهن علی اللعب بشیء کما قاله مجمع البحرین قلت: و یشهد لذلک ما فی القاموس و تاج العروس و لسان العرب و اقرب الموارد فی

ص:138


1- الوسائل ج/12 –الطبع القدیم- باب102 من ابواب یکتسب به ح/1-9-10
2- المصباح ص515
3- الصحاح ج/2 ص799
4- مختار الصحاح ص550

مادة یسر: المیسر کمنزل و مجلس اللعب بالقداح. و هو صریح علی کونه حاصل بمطلق المغالبة بآلات القمار. و دعوی انه من باب المجاز للمشابهة و المشاکلة بلا شاهد بل یشهد العرف بخلافها(1) فلا تصل النوبة للشک فی صدق مفهومة حتی لا یجوز التمسک بالمطلقات.

الثالثة: المراهنة علی اللعب بغیر الالات المعدة للقمار کالمراهنة علی حمل الحجر الثقیل و علی المصارعة و الملاکمة و نطاح الکباش وصراع البقر و مهارشة الدیکة و مضاربتها و المراهنة علی الطیور و علی الطفرة و غیر ذلک و هی ایضاً حرام بمعنی بطلانها وعدم تملک المال بها.

و یدل علی الحرمة الروایات المعتبرة منها: صحیحة معمر بن خلاد عن ابی الحسن (علیه السلام) قال( النرد والشطرنج والاربعة عشر بمنزلة واحدة و کل ما قومر علیه فهو میسر)(2).

ص:139


1- و یشهد لذلک و هو ان الروایات شاملة للقسم الاول و لهذا القسم: ان قسماً من العامة لم یحرم هذا القسم الثانی و هو اللعب بالقمار من دون عوض کما حکی فی شرح فتح القدیر ج/8 ص132 عن الشافعیة اباحة اللعب بالشطرنج لما فیه من تشحیذ الخواطر و فی فقه المذاهب ج/2 ص52 عن الشافعیة یحل اللعب بالشطرنج و الکرة و المشابکة بالاصابع و عن الحنفیة تحل المسابقة بدون عوض فی کل ما ذکر عند الشافعیة الا الشطرنج اقول و بذلک یعرف ان مصب الروایات شامل و ناظر الی کل هذه الاقسام فلاحظ.
2- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 6 ص 435 باب النرد و الشطرنج

اقول: و قوله (علیه السلام) (کل ما قومر علیه) شامل للمغالبة بکل ما ذکرنا کما تقدم کلام اهل اللغة فی تعریف القمار و قد اعتمد ذلک الکلینی و الصدوق فروی الاول عن جابر عن الباقر (علیه السلام) قال: «کما انزل الله علی رسوله انما الخمر و المیسر ...الخ قیل یا رسول الله صلی الله علیه واله ما المیسر؟ قال: کلما تقومر به حتی الکعاب و الجوز»(1).

اقول: و هی و ان کانت ضعیفة سنداً بعمرو بن شمر لکن ضعفها مجبور باعتماد الکلینی علیها وموافقتها لقوله تعالی {لا تأکلوا اموالکم بینکم بالباطل}.

و روی الثانی صحیحاً عن العلاء بن سیابة(2) «قال: سألت الصادق (علیه السلام) عن شهادة من یلعب بالحمام قال: لا بأس اذا کان لا یعرف بفسق قلت من قبلنا یقولون قال عمر هو شیطان فقال: سبحان الله اما علمت ان رسول الله صلی الله علیه واله قال: ان الملائکة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه ما خلا الخافر و الحف و الریش و النصل فانها تحضرها الملائکة»(3) و ما عن اسحاق بن عمار قلت للصادق (علیه السلام) «الصبیان یلعبون بالجوز و البیض و یقامرون؟ فقال: لا تأکل منه فانه حرام»(4) و غیرها من الروایات. و اذا ما اشکلنا سندیاً علی هذه الروایات فنقول: انها مع

ص:140


1- الکافی ج/5 ص123
2- و قد مدحه المفید فی الارشاد.
3- وسائل الشیعة 13: 347 الباب 1 من السبق و الرمایة الحدیث 6
4- الکافی ج/ باب 40 القمار من ابواب المعیشة و التهذیب ج/

موافقتها لقوله تعالی {لا تأکلوا اموالکم بینکم بالباطل} انها بمجموعها تورث الوثوق بالصدور اولاً مضافاً الی ما عرفت من کونها قماراً و میسراً لغةًو عرفاً.

و اما صحیحة محمد بن قیس عن الباقر (علیه السلام) قال: (قضی امیر المؤمنین (علیه السلام) فی رجل آکل و اصحاب له شاة فقال: ان أکلتموها فهی لکم و ان لم تأکلوها فعلیکم کذا و کذا فقضی فیه ان ذلک باطل، لا شیء فی المؤاکلة من الطعام ما قل و ما کثر و منع غرامةً فیه)(1) فقیل انها اجنبیة عما نحن فیه و ذلک لانها تنحل الی امرین: الاول اباحة الشاة بشرط متأخر و الثانی: عدم تحقق الاباحة عند عدم الشرط.

اقول: و هل هذا الّا عین المعاقدة و المعاملة و أی اباحة فی البین بلا تعلیق؟ فالصحیح هو دلالة الصحیحة علی بطلان هذه المعاقدة و منع حصول غرامة فیها علی الخاسر بعد بطلانها شرعاً و اما دلالته علی التحریم تکلیفاً فیعلم من الصحیحة بعد تصریحها بالبطلان الذی لا ینفک فی المورد عن حرمتها لان من یقصد ذلک مرتباً آثارها فلاشک انه فعل حراماً و ان لم یکن قاصداً لآثار المعاقدة و یعطی شاته بلا شرط و شروط فقد خرج عن مفروض المسألة و کانت اباحة فعلیة فان قلت لا دلالة فیها علی التحریم تکلیفاً قلت: و لا دلالة فیها علی عدمه ایضاً فهی ساکتة عن ذلک و لا دلالة فیها علی تقریر الامام لعملهم بعد حکمه ببطلانها. و اما ما حصل من اکل فیها بلا غرامة بحکم الامام (علیه السلام) بعد قولنا ببطلان المعاملة فلدلیل الاقدام فقد اقدم صاحب الشاة علی تقدیم شاته للاخرین بعقد باطل فهو

ص:141


1- الکافی (ط - الإسلامیة)، ج 7، ص: 428 ح11

الذی یتحمل مسؤولیة اقدامه و ان ابیت قلنا لاضمان لخصوصیة المورد بقرینة قوله (علیه السلام) ( لا شیء فی المؤاکله).

الرابعة: المغالبة بغیر عوض فی غیر ما نص علی جواز المسابقة فیه: کالمصارعة و حمل الاثقال والمکث فی الماء والمسابقة علی السفن وحفظ الاشعار والاخبار ورمی الاحجار. و قد ذکر لحرمة هذا القسم وجوه کلها مخدوشة.

الاول: ما ورد فی جملة من الاحادیث منها صحیحة حفص عن ابی عبد اللّه (علیه السلام): «لا سبق الّا فی خف أو حافر أو نصل»(1) بدعوی ان السبق بسکون الباء مصدر لکلمة سبقه الی کذا ای تقدمه و خلفه وغلبه فیراد من نفیه نفی مشروعیة المسابقة و المغالبة .

و فیه: ان ذلک یتم لو کان المذکور هو السبق بسکون الباء و لم یثبت ذلک بل فی المسالک(2) ان قراءة الفتح هی المشهورة و السبق - بالفتح- هو العوض و علیه فلا تدل الروایة الا علی تحریم المعاوضة فقط و مع الاغماض عن ذلک فالروایة مجملة فلا یجوز التمسک بها الّا فی القدر المتیقن.

الثانی: ان مفهوم القمار صادق علی مطلق الغالبة ولو بدون العوض.

ص:142


1- وسائل الشیعة 13: 348 الباب 3 من السبق و الرمایة الحدیث 1
2- المسالک ج6 ص69

و فیه: انه و ان قلنا ان القمار مطلق المغالبة لکن الظاهر من العرف هو:ما کان بآلات القمار أو مع  العوض و لو بدونها و علیه فمطلق المغالبة عرفاً و لغةً  لا یشمل ما نحن فیه و لو سلمنا ذلک فان السیرة القطعیة قائمة علی جوازها کالسباحة و المصارعة و المکاتبة و المشاعرة و غیر ذلک.

الثالث: انه قد علل تحریم اللعب فی بعض الاخبار بانه من اللهو الباطل و هو جار فیما نحن فیه و کذلک ما ورد: ( کل ما ألهی عن ذکر الله فهو من المیسر) مما تقدم.

و فیه: انه لا دلیل علی حرمة مطلق اللهو و بدلیل السیرة القطعیة القائمة علی جواز اکثر مصادیق اللهو فلابد من التصرف فی ظهور هذه الاطلاقات و سیأتی.

ثم ان الایة من سورة یوسف {انا ذهبنا نستبق و ترکنا یوسف عند متاعنا}(1) دالة علی جواز ذلک فی شریعة یعقوب (علیه السلام) وهی کذلک فی شریعتنا کما تقدم الحدیث عن حجیة کل ما فی التنزیل.

حصیلة البحث:

یحرم القمار باللعب بالآلات المعدة لذلک مع المراهنة و بدونها بان کان الغرض منه الانس و الفرح و هو حرام ایضاً وتحرم المراهنة علی اللعب بغیر الالات المعدة للقمار کالمراهنة علی حمل الحجر الثقیل و علی المصارعة و الملاکمة و نطاح الکباش وصراع البقر و مهارشة الدیکة و مضاربتها و المراهنة علی الطیور و

ص:143


1- یوسف آیة 17

علی الطفرة و غیر ذلک بمعنی بطلانها وعدم تملک المال بها, و لا اشکال فی المغالبة بغیر عوض کالمصارعة و حمل الاثقال والمکث فی الماء و المسابقة علی السفن وحفظ الاشعار و الاخبار و رمی الاحجار.

القیادة

الثامن عشر: القیادة و هی لغة السعی بین شخصین لجمعهما علی الوطی المحرم و قد یعبر عنها بکلمة الدیاثة و لا شک فی حرمتها وضعاً و تکلیفاً و فی خبر عبد الله بن سنان(1) (ان حده خمسة و سبعون ضربة(2)).

التاسع عشر: القیافة و القائف: هو الذی یعرف الاثار کما فی الصحاح و القاموس و المصباح(3) و کذلک فی النهایة مع زیادة (یعرف شبه الرجل بأخیه و ابیه(4)) و لا دلیل علی حرمتها بالخصوص بل قد یقال الدلیل علی العکس نعم لا دلیل علی

ص:144


1- ضعیفة سنداً بمحمد بن سلیمان الّا ان کتب ابن سنان صحیحة کلها و ذلک لقول النجاشی رواها جماعات من اصحابنا لجلالته و ثقته و سندا الشیخ و الصدوق الیه صحیحان و متعدد و من المعلوم ان تلک الاسانید قد وصلت الی الکلینی و قد قال النجاشی فی حقه: لا یطعن علیه فی شیء فقد یقال بظهور هذه العبارة و شمولها لکل ما ینقل عنه من روایات.راجع رجال النجاشی ص214 .
2- الکافی ج/7 ص261 ح/10
3- الصحاح ج/4 ص1419 و القاموس ج/3 ص188 و المصباح ص519
4- النهایة ج/4 ص121

جواز الاعتماد علیها فی ترتیب الاثار الشرعیة علیها و الحاصل ان وقوع المعاملة علیها تابع لامکان الاعتماد علیها فان جاز فی مورد الاعتماد علیها جازت والّا فلا لما تقدم و علیه یحمل خبر الجعفریات (من السحت اجر القافی(1)) لکنه ضعیف لما تقدم و یؤید عدم حرمة القیافة ذاتاً خبر الخصال عن الصادق (علیه السلام): فی خبر قال: «ما احب ان تأتیهم- الی- القیافة فضل من النبوة ذهبت فی الناس حتی بعث النبی صلوات الله علیه و آله»(2) و یشهد لذلک ایضاً(3) خبر زکریا بن یحیی الوارد فی قصة ابی الحسن الرضا(4) (علیه السلام) الّا ان فی القضیة امور تحتاج الی تأویل و توجیه.

حصیلة البحث:

تحرم القیادة و هی السعی بین شخصین لجمعهما علی الوطی المحرم, و لا تحرم القیافة تکلیفاً, و القائف: هو الذی یعرف الاثار نعم لا یجوز الاعتماد علیها فی ترتیب الاثار الشرعیة علیها فلا یجوز وقوع المعاملة علیها لعدم امکان الاعتماد علیها .

ص:145


1- المستدرک باب 23 تحریم اتیان القافة مما یکتسب به ص434
2- الخصال ص20 ح/68
3- الخبر ضعیف سنداً بزکریا الّا ان الکلینی نقله و کذلک المفید فی کتابه الارشاد و هذا و قد ذکر ما یقاربها فی سفینة البحار فراجع .
4- الکافی ج/1 ث322 ح/14

حرمة الکذب

العشرون: الکذب و لا شک فی حرمته بالادلة الاربعة کما و ان قبحه ذاتی و القول بانه بالاقتضاء باطل، وهو من الکبائر کما یشهد له معتبر الفضل بن شاذان(1) الوارد بطرق متعددة و القرائن السندیة و المضمونیة تشهد بصحته , و فیه جعل الکذب من الکبائر , و موثقة محمد بن مسلم (ان الله عزوجل جعل للشر اقفالاً و جعل مفاتیح تلک الاقفال الشراب و الکذب شر من الشراب)(2) و غیرهما(3) و یمکن الاستدلال علی کونه من الکبائر بقوله تعالی{ انما یفتری الکذب الذین لا یؤمنون بالله}(4) الدالة علی جعل الکاذب غیر مؤمن بآیات الله کافراً بها ولا یضر بدلالتها دلالة سیاقها علی تکذیب الیهود و المشرکین الذین یفترون علی الله و الرسول.

نعم اذا کان الافتراء اخص من الکذب - کما قیل- تکون اخص من المدعی فراجع و یمکن الاستدلال علی کونه کبیرة بآیة { و اجتنبوا قول الزور} و ذلک لظهور الزور فی الامر الباطل، و اتصاف القول بالباطل بطلان معناه و عدم تطابقه مع الخارج کما هو الکذب و ظاهر الامر بالاجتناب عن فعل حرمته کما  فی غیر هذا المورد فهو اذاً منهی عنه فی الایة المبارکة، و اما کونه کبیرة فلصریح معتبر

ص:146


1- العیون باب 35 ج/2 ص127
2- الکافی ج2 ص339
3- الخصال باب 400 خبر الاعمش
4- النحل/107

الفضل المتقدم و لان الامام (علیه السلام) فی صحیحة عبد العظیم الحسنی استشهد به لکون شرب الخمر کبیرة بان الله عزوجل نهی عنها کما نهی عن عبادة الاوثان , و المراد اقتران الاجتناب عن قول الزور بالاجتناب عن الاوثان قال تعالی {فاجتنبوا الرجس من الاوثان و اجتنبوا قول الزور} و بذلک یثبت ان القمار ایضاً کبیرة و لا ینافی ما تقدم ما فی خبر(1) ابی خدیجة (الکذب علی الله و علی رسوله و علی الاوصیاء من الکبائر(2)) لان اثبات شیء لاینفی ما عداه و لا مفهوم له حتی یقال بحجیته أم عدم حجیته.

نعم مرسلة سیف بن عمیرة قسمت الکذب الی صغیر وکبیر الّا انه یمکن ان یکون المراد منه صغره بالنسبة الی غیره لا نفسه کما تقدم فی کتاب الصلاة. و اما ما فی صحیحة ابن الحجاج «قال: قلت لابی عبدالله (علیه السلام) الکذاب هو الذی یکذب فی الشیء قال: لا، ما من احد الّا یکون ذلک منه و لکن المطبوع علی الکذب»(3) فموضوعها کثیر الکذب فهی اجنبیة عما نحن فیه.

ص:147


1- ضعیفة سنداً بمحمد بن علی.
2- الکافی ج/2 ص239 ح/5
3- الکافی ج/2 ص255 ح/12

الکذب الهزلی

اقول: و حرمته تدور مدار صدق الکذب و حصوله خارجاً فمتی ما صدق حرم و لا استثناء له و متی ما لم یصدق فهو خارج موضوعاً فلا تصل النوبة الی خروجه حکماً و قد قیل فی المقام انه لو کان الهازل قاصداً للاخبار - و ان کان الداعی له اضحاک الناس- فکلامه کذب حقیقةً و لا دخل للداعی فی حرمته و عدمها، و اما اذا کان تکلمه بلا قصد الاخبار بل قصده تردید الفاظ لها معان فی الاذهان فهذا غیر داخل فی الکذب و حاصل هذا التفصیل هو: انه قد یکذب فی مقام الهزل و قد تقدم القول بحرمته و قد یوجد الفاظاً لمجرد احضار معانیها من دون قصد الحکایة عن الواقع - یعنی بلا ارادة جدیة و ن کانت الارادة الاستعمالیة موجودة - من قبیل ان یقول للجبان انت بطل مع نصب القرینة علی المراد. و حینئذ لا اشکال فی جوازه لعدم الحکایة و الاخبار. و علی الاول یحمل ما ورد من حرمة الکذب فی الجد و الهزل مثل خبر الحارث الاعور(1) و مرسلة سیف بن عمیرة و فیها «اتقوا الکذب الصغیر منه و الکبیر فی کل جد و هزل»(2).

خلف الوعد

اقول: الوعد علی قسمین: فتارة یعد بلا عزم علی الایفاء واخری مع العزم علی الایفاء و الاول لا شک انه یرجع الی جملة خبریة و هی حکایة المتکلم عن عزمه

ص:148


1- امالی الصدوق ح/9 ص342
2- الکافی ج/2 ص253 ح/2

علی الوفاء بشیء فی المستقبل و ذلک بمقتضی الدلالة الالتزامیة للوعد, و حیث انه غیر عازم علی ذلک فهو کاذب و یشهد لکونه کذباً صحیح صفوان و هو من اصحاب الاجماع عن ابی مخلد السراج عن عیسی بن حسان و فیه (کل کذب مسؤول عنه صاحبه یوماً الّا ... أو رجل وعد اهله و هو لا یرید ان یتم لهم)(1).

و اما القسم الثانی: فالروایات شاهدة بوجوب الوفاء به وان لم یتحقق الکذب فیه ففی صحیحة هشام بن سالم قال: (سمعت ابا عبدالله (علیه السلام) یقول: عدة المؤمن اخاه نذر لا کفارة له فمن اخلف فبخلف الله بدء و لمقته(2) تعرض و ذلک قوله {یا ایها الذین آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون کبر مقتاً عندالله ان تقولوا ما لا تفعلون}(3) و فی الصحیح عن شعیب العقرقوفی عن الصادق (علیه السلام) قال: قال رسول الله صلوات الله علیه و آله: ( من کان یؤمن بالله و بالیوم الاخر فلیفِ اذا وعد)(4) و ما ورد فی علامات المنافق من انه اذا وعد اخلف(5) و ان المؤمن یفی بوعده .

لکن قیل: بعدم عمل المشهور بها و لعل المراد مشهور المتأخرین الّا انه لم نجد تعرضهم لذلک و هو اعم و اما المتقدمون فلم یعلم عدم عملهم بذلک فهذا الکلینی قد اعتمدها فلیراجع .

ص:149


1- الکافی ج/2 ص256
2- المقت: الغضب .
3- الکافی ج/2 ص270 ح/1 و الآیتان: 2 و 3 من سورة الصف .
4- الکافی ج/2 ص270 ح/2
5- راجع سفینه البحار باب نفق ج/8 و راجع البحار مما اشار الیه .

و من جملة ما یدل علی وجوب الوفاء بالوعد ما تقدم من موثقة سماعة فی باب الغیبة و قد دلت علی ان خلفه یضر بالعدالة(1).

و اما ما قیل من ان السیرة القطعیة بین المتشرعة قائمة علی جواز خلف الوعد و علی عدم معاملة من أخلف بوعده معاملة الفساق فهو ممنوع و انی لنا العلم بهذه السیرة و علی فرضها فهی ناشئة فی الاعصار المتأخرة و الروایات المتقدمة کافیة فی ردعها.

و اما ما قیل من ان الایة المبارکة تدل علی حرمة القول بلا عمل لا وجوب العمل بالقول قلت: ان استشهاد الامام (علیه السلام) بها فی مقام حرمة خلف الوعد یکفی فی دلالتها لکل من الموردین.

و اما احتمال اختصاص ما دل علی حرمة خلف الوفاء بالوعد بمن یعده و هو لا یرید الوفاء بقرینة استثناء الکذب لمن یعد زوجته و هو لا یرید ان یفی لها. فهو مدفوع بانه لا شاهد له و اطلاق الروایات محکم و مؤید بالنص القرانی و لا دلالة لاستثناء ذاک المورد علی اختصاص حرمة الخلف بذاک المورد نعم یمکن ان یقال ان خلف الوعد لیس بکذب الّا انه حرام شرعاً لما تقدم من الادلة .

و اما الوعید فلا علاقة له بالوعد فلا یجب الوفاء به بل قد یحرم حسب المورد نعم انشاؤه لمن لا یرید العمل به حرام من جهة الکذب کما فی الوعد.

و اما المبالغة: فهی خارجة عن الکذب موضوعاً فیما اذا دلت القرائن علی ذلک بلا فرق بین اقسامها من التشبیه و الاستعارة کتشبیه الرجل بالبحر الزاخر و المواج

ص:150


1- الکافی ج/2 ص239 ح/28

و الوجه الحسن بفلقة القمر و کالکنایة عن الجود بکثرة الرماد، نعم اذا انتفی ما هو ملاک المبالغة من وجه الشبه کان الکلام کذباً موضوعاً لکنه مع القرینة خارج حکماً.

التوریة

التوریة(1): و هی ان یرید بلفظ معنی مطابقاً للواقع مخالفاً للظاهر  ومطابقته للواقع من جهة مراد المتکلم - ای الدواعی النفسانیة له- لا من جهة ظهور الکلام کما توهم و ان المراد من المطابق- بالفتح- هو الواقع و نفس الامر المحکی بالدواعی النفسانیة و حینئذ لا شبهة فی خروج التوریة عن الکذب موضوعاً فانها- لغةً- بمعنی الستر کما فی مجمع البحرین فکأن المتکلم واری مراده من المخاطب بإظهار غیره و خیل الیه انه اراد ظاهر کلامه ویدل علی جوازها ایضاً مرسلة الاحتجاج انه (سئل الصادق (علیه السلام) عن قوله الله عز و جل فی قصة ابراهیم (علیه السلام) { بل فعله کبیرهم هذا فأسألوهم ان کانوا ینطقون} قال: ما فعله کبیرهم و ما کذب ابراهیم قیل و کیف ذلک؟ فقال: انما قال ابراهیم فاسألوهم ان کانوا ینطقون- أی ان نطقوا فکبیرهم فعل و ان لم ینطقوا فلم یفعل کبیرهم شیئاً فما نطقوا و ما کذب ابراهیم (علیه السلام) و سئل الصادق (علیه السلام) عن قول الله تعالی{ایتها العیر انکم لسارقون}

ص:151


1- التوریة بمعنی ستر الشیء و اظهار غیره ففی القاموس وراه توریة اخفاه قیل و هی کما تحصل بالاقوال تحصل کذلک بالافعال کما اذا اکره الجائر احداً علی شرب الخمر فاخذها المکره و صبها علی صدره من دون ان یفهم الجائر اقول: لکن لم یعلم من اللغة تسمیة ذلک توریةً.

قال: انهم سرقوا یوسف من ابیه الا تری انهم قالوا نفقد صواع الملک و لم یقولوا سرقتم صواع الملک و عن قول الله عزوجل حکایة عن ابراهیم (علیه السلام) {انی سقیم} قال (علیه السلام) (ما کان ابراهیم سقیماً و ما کذب انما عنی سقیماً فی دینه أی مرتاداً(1))و المرتاد: طالب الحق.

و فی المستطرفات عن کتاب ابن بکیر قال (قلت لابی عبدالله (علیه السلام) الرجل یستأذن علیه فیقول للجاریة قولی لیس هو هاهنا فقال (علیه السلام) لا بأس لیس بکذب(2)) و فی المبسوط: ان واحداً من الصحابة و هو سوید بن حنظلة صحب آخر (و هو وابل بن حجر) فاعترضهما اعداء المصحوب فانکر الصاحب انه هو فأحلفوه فحلف لهم انه اخوه فلما اتی النبی صلوات الله علیه و آله قال له صدقت المسلم اخو المسلم(3). فانهما لا وجه لهما الا الحمل علی التوریة .

اقول: و توجد روایة فی مسند المروزی(4) من اصحاب الامام الکاظم اسندها للامام (علیه السلام) مفادها ان التوریة کذب الّا ان الکتاب ضعیف.

هذا و لا یخفی انه لا یجوز اظهار کلمة الکفر ولو مع التوریة فانه محرم فی نفسه کما هو مقتضی فحوی وجوب انکار المنکر فی نفسه.

ص:152


1- الاحتجاج ج/2 ص256 و ص257 و الروایة متنها شاهد علی صحتها. و الایات من سور یوسف/70 و 72 و الصافات/89 و الانبیاء/63
2- السرائر ج/3 ص632
3- المبسوط ج/5 ص95
4- و قد طبع اخیرا فی سوریة .

مسوغات الکذب

الاول: الکذب للضرورة کما هو مقتضی حدیث الرفع و موثقة(1) سماعة المرویة فی نوادر الاشعری عنه بلا واسطة عن الصادق (علیه السلام) ( ما من شیء الّا و قد احله الله لمن اضطر الیه(2)) و یشهد لجوازه قوله تعالی{ الّا من اکره و قلبه مطمئن بالایمان}(3) و دلالتها بالفحوی و مثله قوله تعالی فی آل عمران {لا یتخذ المؤمنون الکافرین أولیاء من دون المؤمنین و من یفعل ذلک فلیس من الله فی شیء الّا ان تتقوا منهم تقاة}(4) الدالة علی عدم جواز تولی الکافر و ان هذا الحکم یرتفع بالاکراه و الایتان من جملة ادلة التقیة، و یشهد لذلک ضرورة العقول مضافاً للاخبار المستفیضة:

ص:153


1- من المعلوم ان احمد الاشعری لا یروی عن سماعة الّا بواسطة عثمان بن عیسی او بواسطة الحسین بن سعید عن عثمان بن عیسی کما ذکر صاحب معجم رجال الحدیث و الواسطه هنا و ان سقطت الا ان الخبر لا یکون مرسلاً باعتبار معلومیة کتاب سماعة کما ذکر ذلک النجاشی انه یروی کتابه جماعة کثیرة و ذکر له سنداً واحد غیر سند الصدوق الیه رجال النجاشی ص194 رقم 517 .
2- نوادر احمد الاشعری ص75 طبع مدرسة الامام المهدی (عجل الله تعالی فرجه) .
3- النحل/16
4- ال عمران/28

منها: صحیحة اسماعیل ابن سعد الاشعری عن ابی الحسن (علیه السلام) (عن رجل یخاف علی ماله من السلطان فیحلف لینجو به منه قال: نعم)(1) و موثقة زرارة عن الباقر (علیه السلام) قال (قلت انا نمر بهؤلاء القوم فیستحلفونا علی اموالنا و لقد ادینا زکاتها فقال: یا زرارة اذا خفت فاحلف لهم ما شاؤوا فقلت جعلت فداک بطلاق و عتاق قال: بما شاؤوا قال: ابو عبدالله (علیه السلام) التقیة فی کل ضرورة و صاحبها اعلم بها حین تنزل به)(2) .

و بذلک یعلم ان التقیة و الضرورة شیء واحد کما وان الضرورة اعم من کونها لنفسه بل تعم مال اخیه و نفسه و فی خبر السکونی عن الصادق (علیه السلام) قال: قال رسول الله صلوات الله علیه و آله (احلف بالله کاذباً و نج اخاک من القتل)(3) و ظاهره الوجوب، و فی خبر الصدوق عن الصادق (علیه السلام) (الیمین علی وجهین- الی- فاما الذی یؤجر علیها الرجل اذا حلف کاذباً و لم تلزمه الکفارة فهو ان یحلف الرجل فی خلاص امرئ مسلم أو خلاص ماله من متعد یتعدی علیه من لص أو غیره(4)) .

اقول: و الروایات صریحة و نص فی جواز الکذب عند الضرورة.

ص:154


1- الکافی ج/7 ص440 ح/4
2- نوادر الاشعری ص73
3- التهذیب ج/8 ص300 و لا اشکال فی سندها الّا من جهة النوفلی و امره سهل کما تقدم فهی معتبرة.
4- الفقیه ج/3 ص366

ثم انه قیل ان مقتضی التعارض بین الاطلاقات الدالة علی جواز الکذب فی خلاص امرئ مسلم و غیره مما تقدم و بین موثقة سماعة الدالة بمفهومها علی عدم جواز ذلک الّا عند الضرورة بضمیمة ان لا ضرورة مع التمکن من التوریة فلا یجوز الکذب لعدم الاضطرار والاکراه للقادر علی التوریة.

اقول: لکن الضرورة عرفاً حاصلة للقادر علی التوریة الّا مع انتخابه للتوریة أو ایجاب التوریة علیه و لم یعلم ذلک فانه تکلیف زائد یحتاج الی دلیل نعم لا تصدق الضرورة علیه بالدقة العقلیة الّا ان العرف یراه مضطراً و الخطابات الشرعیة تحمل علی الفهم العرفی لا العقلی و بذلک یرتفع التعارض بین موثقة سماعة و الاطلاقات المتقدمة هذا و لم ینقل القول بوجوب التوریة لمن اضطر الی الکذب نعم قیل بها لمن اضطر الی الحلف کاذباً(1) لا الی الکذب وحده، و لم یظهر لهم دلیل, بل اطلاق ما تقدم یردهم و لعلهم قالوا بذلک احتیاطاً لاهمیة الحلف(2). و یؤید ذلک بل یشهد له خبر ابن سنان عن الصادق (علیه السلام): «لا یمین فی غضب و لا فی قطیعة رحم و لا فی جبر و لا فی اکراه قال: قلت اصلحک الله فما الفرق بین الاکراه و الجبر قال: الجبر من السلطان یکون و الاکراه من الزوجة والاب و الام

ص:155


1- قاله المفید فی المقنعة ص556 و ص557 و المحقق فی الشرائع ج/1 ص402 و ابن زهرة فی الغنیة ص538 من الجوامع الفقهیة و ابن ادریس فی السرائر ج/2 ص435 و الشهید الاول فی اللمعة ص154 و الشیخ فی المبسوط ج/5 ص97
2- هذا و من المحتمل قویاً انه لم یقل بذلک من تقدم ممن سمیناه فلابد من المراجعة .

و لیس ذلک بشیء»(1) لانه موثوق به, الظاهر فی صدق الاکراه موضوعاً أو حکماً فی حق من اکره من قبل ابیه أو امه أو زوجته مع کون الغالب تمکنه من الخروج عنه فان قلت: تمکنه من الخروج عنه قد یوجب له اختلال المعیشة و اضطراب الفکر بل ربما ینجر الی ما هو اعظم من ذلک مضافاً الی ما فی مخالفة الوالدین من محذور العقوق الذی هو من الکبائر قلت: لولا ذلک لما حصل الاکراه  له من قبلهم اصلاً بل بذلک و امثاله یکون مکرهاً.

فان قلت: ما کان واجباً شرعاً امتثاله خارج عن الاکراه. قلت: نعم الّا ان الوالد و الوالدة لم یعلم جواز اکراههما للولد فی بیع أو شراء ماله و ان کان الواجب علی الولد اطاعة الوالدین کما دل علی ذلک صحیح الحسن بن محبوب و هو من اصحاب الاجماع عن خالد بن نافعٍ البجلیّ عن محمّد بن مروان «قال سمعت أبا عبد اللّه (علیه السلام) یقول إنّ رجلًا أتی النّبیّ (ص) فقال یا رسول اللّه أوصنی فقال لا تشرک باللّه شیئاً و إن حرّقت بالنّار و عذّبت إلّا و قلبک مطمئنٌّ بالإیمان و والدیک فأطعهما...»(2) الظاهر فی وجوب اطاعتهما و لو لم یحصل العقوق من ترک الاطاعة .

ص:156


1- الفقیه ج/3 باب 98 ص373 و الکافی ج/7 ص442
2- الکافی (ط - الإسلامیة)، ج 2، ص: 158ح2

و الحاصل انه مع اکراههم لا یحصل معه طیب النفس المعتبر وجوده فی صحة العقد والایقاع، و بذلک یرتفع الاشکال  عما ذهب الیه الاصحاب من اطلاق القول بفساد ما اکره علیه من العقود و الایقاعات و لم یقیدوا ذلک بعدم القدرة علی التوریة، نعم لو لم نفرق بین الاضطرار العقلی والعرفی فالصحیح ان یفصل بین الاحکام التکلیفیة و بین الاحکام الوضعیة فی باب العقود و الایقاعات فالمناط فی رفع الاولی هو عدم القدرة علی الامتثال و لو بالتوریة بناءاً علی عدم الفرق .

و اما الثانیة فانها تدور مدار صدورها عن الرضا وطیب النفس لآیة التجارة و ما دل علی حرمة التصرف فی مال الغیر الّا بطیب نفسه فاذا انتفی الرضا فسدت المعاملة و لم یترتب علیها آثارها فلو اکره الظالم احداً علی بیع امواله فباعها بغیر رضی و لا عن طیب نفس کان البیع فاسداً سواء تمکن المکره فی دفع الاکراه بالتوریة ام لم یتمکن .

و یوضح ذلک: انه لو کان امامه طریقان احدهما یحصل به الاکراه من الظالم و الاخر لا اکراه فیه فلو سلک الاول و اکره علی الحلف کاذباً فیجوز له ذلک و ان کان له طریق اخر لا اکراه فیه نعم قد یقع الاشکال فی سلوکه لهذا الطریق الذی قد یعد عن مصادیق الارض التی توبق دینه الذی تقدم حکم العقل والشرع فیه بالتحفظ والاحتیاط.

 ثم انه لا فرق بین الاکراه و الاضطرار فکلاهما من واد واحد - و هو حصول الاسباب القاهرة - الّا ان الاول من شخص و الثانی لا عن شخص قاهر لکنهما

ص:157

یختلفان فی الاحکام الوضعیة و ان اشترکا فی رفع الحکم التکلیفی فالمضطر الی اکل المیتة کالمکره علیها لا یحرم علیه اکلها الا ان المضطر لبیع امواله لأداء دینه أو لمعالجة مریضه لا شبهة فی عدم ثبوت احکام المکره علیه و ذلک لان حدیث الرفع انما ورد فی مقام الامتنان علی الامة و الحکم بفساد بیعه مناف له بل هذا هو المفهوم منه عرفاً مع غض النظر عن مقام  الامتنان.

ثم ان الضرر یطلق علی معنیین: الاول: النقص فی المال أو العرض أو النفس، و الثانی: عدم النفع، وما تقدم یرتبط بالاول و اما ما فی النهج عن مولانا امیر المؤمنین (علیه السلام) (علامة الایمان ان تؤثر الصدق حیث یضرک علی الکذب حیث ینفعک)(1) .

اقول: و هذه الحکمة عین الصواب فلا یجوز الکذب لاجل الضرر بل لابد من الصدق وان کان فیه ضرر و یحرم الکذب و ان کان فیه نفع و لم یُستثنَ من حرمة الکذب الضرر و انما المستثنی هو الضرورة نعم لابد من تقیید الضرر بما لا یبلغ حد الضرورة و ما لا یتحمل غالبا - یعنی الذی یحصل غالباً عند الصدق - لا الضرر بمعنی الحرج و ما هو مفاد لا ضرر فان ذاک خارج لحکومة لا ضرر و قاعدة نفی الحرج علی مرسل النهج هذا و قد یتوهم دلالة المرسلة علی استحباب ایثار الصدق مع الضرر فلا تنافی نفی الضرر و نفی الحرج لکنه خلاف الظاهر.

ص:158


1- کلمات القصار: رقم 458 و هی و ان کانت مرسلة و قد رواها ابن شمس الخلافة فی کتاب الاداب ص4 راجع مصادر نهج البلاغة ج/4 ص314 اقول: لکنا یکفینا شهادة السید الشریف الرضی (قدس سره) علی انها لامیر المؤمنین (علیه السلام) .  

فائدة: ثم ان الاوامر الصادرة عنهم صلوات الله علیه و آله لو دارت بین الحمل علی التقیة أو الاستحباب فلا دلیل لحملها علی الثانی نعم الاصل هو کون الکلام لاجل بیان الحکم الواقعی الا ان الفرض غیر هذا حیث ان الفرض هو انه لو کانت الدلالة ظاهرة فی الوجوب و هو مما یقول به العامة ولا یقول به الخاصة فهل یحمل علی التقیة أم الاستحباب؟ و حیث ان الاستحباب کالوجوب لابد له من دلیل فلا یکفی فیه ما فی الفرض فی الحمل علی الاستحباب.

الثانی: من مسوغات الکذب ارادة الاصلاح ففی صحیح معاویة بن عمار عن الصادق (علیه السلام) «المصلح لیس بکذاب»(1) و فی مرسلة الواسطی عنه (علیه السلام) قال (الکلام ثلاثة: صدق و کذب و اصلاح بین الناس ...(2)) و فی مرسلة الصدوق عن الرضا (علیه السلام) (ان الرجل لیصدق علی اخیه فیصیبه عنت من صدقة فیکون کذاباً عند الله وان الرجل لیکذب علی اخیه یرید به نفعه فیکون عندالله صادقاً(3)) و صحیح محمد بن ابی عمیر عن محمد بن حمران عن ابیه عن الباقر (علیه السلام) حول هجران المؤمن ففیها: «ما من مؤمنین اهتجرا فوق ثلاث الّا برأت منهما  فی الثالثة قیل: هذا حال الظالم فما بال المظلوم؟ فقال ما بال المظلوم لا یصیر الی الظالم

ص:159


1- الکافی ج/2 ص342 ح/19 و لا یضر بصحته ابن هاشم و قد رواه صحیحاً فی ذاک الباب ایضاً .
2- الکافی ج/2 ص341 ح/16
3- الوسائل ج/22 ص255 باب 144 من احکام العشرة؛ و مصادقة الاخوان للصدوق طبع مکتبة صاحب الزمان (علیه السلام) فی الکاظمیة ص76 باب الوقیعة بالاخوان ح/2

فیقول: انا الظالم حتی یصطلحا»(1) و من الواضح ان قول المظلوم انا الظالم کذب و قد ذمه الامام علی ترکه.

وعد الزوجة

ثم انه یجوز الوعد الکاذب للزوجة بل لمطلق الاهل کما فی الصحیح عن عیسی بن حسان قال سمعت ابا عبدالله (علیه السلام) یقول: (کل کذب مسؤول عنه صاحبه یوماً الّا کذباً فی ثلاثة: رجل کاید فی حربه فهو موضوع عنه أو رجل اصلح بین اثنین  ...أو رجل وعد اهله شیئاً و هو لا یرید ان یتم لهم(2)) و غیره(3).

حصیلة البحث:

یحرم الکذب فی کل جد و هزل اذا لم یعلم کونه هزلیاً. و یحرم الوعد بلا عزم علی الایفاء لانه من الکذب و اما مع العزم علی الایفاء فالظاهر وجوب الوفاء به مع التمکن وعدم الحرج, و اما الوعید فلا یجب الوفاء به بل قد یحرم حسب المورد نعم انشاؤه لمن لا یرید العمل به حرام من جهة الکذب کما فی الوعد. و اما المبالغة: فهی خارجة عن الکذب موضوعاً فیما اذا دلت القرائن علی ذلک، نعم اذا انتفی ما هو ملاک المبالغة من وجه الشبه کان الکلام کذباً موضوعاً لکنه

ص:160


1- الخصال ص183 باب لا هجرة فوق ثلاث ح/2 و لا یضر بصحة ابن هاشم هذا و الروایات فی مذمة الهجران متظافرة ففی صحیح هشام بن حکم عن الصادق (علیه السلام) قال قال رسول الله (ص) (لا هجرة فوق ثلاث) الکافی ج/2 ص257 باب الهجرة ح/2 طبع المکتبة الاسلامیة .
2- الکافی ج/2 ص322 فی سنده صفوان وهو من اصحاب الاجماع فالخبر موثوق به .
3- الفقیه ج/4 ص353 و الخصال ص87 ح/20

مع القرینة خارج حکماً. و یجوز الکذب للضرورة و لا تجب التوریة عند الضرورة وان کان قادرا علیها. و یجوز الکذب عند ارادة الاصلاح فالمصلح لیس بکذاب کما ورد فی الصحیح(1). و یجوز الوعد الکاذب للزوجة بل لمطلق الاهل.

حکم الکهانة

الواحد و العشرون: الکهانة و هی من کهن یکهن یکهن ککتب یکتب کتابة کما فی الصحاح قال: و یقال: کهن بالضم کهانة - بالفتح - اذا صار کاهنا(2). وفی النهایة: ان الکاهن من یتعاطی الخبر عن  الکائنات فی مستقبل الزمان فقد کان فی العرب کهنة فمنهم من کان یزعم ان له تابعاً من الجن یلقی الیه الاخبار و منهم من کان یزعم انه یعرف الامور بمقدمات و اسباب یستدل بها علی مواقعها من کلام من سأله أو فعله أو حاله و هذا یخصونه باسم العراف(3).

و یدل علی حرمتها صحیح ابن ابی عمیر عن البطائنی عن ابی بصیر عن الصادق (علیه السلام): ( قال: من تکهن أو تکهن له فقد بری من دین محمد صلی الله علیه واله الخ(4)) و فی کتاب الحسن بن محبوب عن الهیثم عن الصادق (علیه السلام) انه قال: (قال رسول الله صلی الله علیه واله من مشی الی ساحر أو کاهن أو کذّاب یصدقه فیما

ص:161


1- الکافی ج/2 ص342 ح/19
2- الصحاح ج/6 2191
3- النهایة لابن الاثیر ج/4 ص214
4- الخصال ص19 ح/68

یقول فقد کفر بما انزل الله من کتاب(1)) و الحسن من اصحاب الاجماع و ظاهره حرمة التصدیق مطلقاً و هو اعم من التصدیق العملی بمعنی ترتیب الاثر علی قوله کما هو مقتضی الروایة الاولی بل یقال بحرمتها حتی علی سبیل الظن و الاحتمال اذا ما صدقت الکهانة . و تدل الثانیة علی حرمة اتیانه ایضاً کما تدل علی حرمة نفس العمل من الکاهن.

هذا و قیل ان الظاهر من الثانیة جعل المخبر بالشیء الغائب بین الساحر و الکاهن و الکذاب حصراً لا رابع لهم.

هذا و بعد کون الکهانة هی الاخبار عن الغائبات سواء کان بالاعتماد علی العلوم الغریبة أو الجن أو غیرهما فمقتضی القاعدة شمولها للجفر و الرمل اذا ما استخدما لکشف المغیبات الّا اذا قام الدلیل علی استثنائها .

و یدل علی حرمة الکهانة مضافا لما تقدم ما فی حدیث المناهی من: انه صلی الله علیه واله (نهی عن اتیان العراف و انه صلی الله علیه واله قال: من اتاه و صدقه فقد برأ مما انزل الله علی محمد صلی الله علیه واله)(2).

ص:162


1- المستطرفات ص83 ح/22 و وصول الکتاب الی ابن ادریس مورد وثوق لنا بعد معلومیته و صحة سند الشیخ الی کتاب الحسن بن محبوب.
2- الفقیه ج/4 ص6 ح/4968

حکم التفأل بالقرآن

هذا و قد ورد النهی عن التفأل بالقرآن کما فی مرسل محمد بن عیسی عن الصادق (علیه السلام) انه قال: (لا تتفأل بالقرآن)(1) و هو مضافا لارساله ضعیف سندا و تعریف النهایة المتقدم شامل للتکهن بالقرآن و لابد من ملاحظة باقی کلمات اهل اللغة.

حکم اللهو

الثانی و العشرون: اللهو قد مر الکلام فیه و اهم دلیل ذکر هو ما قیل من حرمة صید اللهو(2) و قد اجبنا عنها هناک نعم عبر الشیخ فی المبسوط بالسفر الحرام(3) و مثله المحقق فی المعتبر(4) و ابن ادریس(5) و یؤید ما قلنا سابقاً من ان اتمام الصلاة فی سفر صید اللهو اعم من حرمة السفر: انه قد فرق الصدوق بین الاتمام لسفر الصید و سفر المعصیة(6).

ص:163


1- الکافی ج/2 ص629 ح/7 من باب النوادر .
2- و هو مذهب المحقق السید محسن الاعرجی المعروف بالمحقق البغدادی صاحب کتابی وسائل الشیعة فی الفقه و المحصول فی الاصول .
3- المبسوط ج/1 ص136
4- المعتبر ج/2 ص471
5- السرائر ج/1 ص327
6- الفقیه ج/1 ص288

ثم انه یمکن القول بحرمة صید اللهو لا من جهة اللهویة بل من جهة الاسراف اذا ما فسرناه بکل ماأتلف المال کما هو المفهوم لغةً قال الراغب: السرف: تجاوز الحد فی کل فعل یفعله الانسان و قال الزبیدی: «السَّرَفُ، مُحَرَّکَةً: ضِدُّ الْقَصْدِ، کما فی الصِّحاحِ، و العُبَابِ، و فی اللِّسَانِ: مُجَاوَزَةُ القَصْدِ، و قال غیرُه: هو تَجَاوُزُ ما حُدَّ لک»(1) و یشهد لهذا المعنی مرسل اسحاق بن عبد العزیز عن الصادق (علیه السلام): انما الاسراف فیما افسد المال و اضر بالبدن(2), و به افتی فی الفقیه(3) و علیه فیحرم سفر الصید بناءً علی ان مقدمة الحرام محرمة و لا علاقة له بحرمة اللهو مطلقاً.

و اما ما یدل علی حرمة اللهو مطلقاً فلیس فی الروایات ما یدل علی ذلک کخبر العیون و هو معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا (علیه السلام) الدال علی حرمة الاشتغال بالملاهی(4) و روایة عنبسة (استماع اللهو و الغناء ینبت النفاق کما ینبت الماء الزرع(5)) فانها انما تدل علی حرمة قسم خاص من اللهو اعنی الاشتغال بالملاهی و المعازف و استعمالها و لا نزاع فی ذلک انما الکلام فی حرمة المطلق اللهو واما

ص:164


1- تاج العروس ج12 ص 268
2- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 4  ص 54 ؛ و رواه بنفس السند بلا ارسال فی ج6 ص499 ؛ قلت: و النتیجة تتبع اخس المقدمات و هو کونه مرسلا کما هو مقتضی اصالة عدم الزیادة ایضا.
3- الفقیه ج1 ص70
4- العیون ج/2 باب 35 ص 127
5- الوسائل ج/12 باب 100 من ابواب ما یکتسب به ح/3

الاخبار الظاهرة ظهوراً بدویاً فی حرمته مطلقاً مثل خبر العیاشی (کلما الهی عن ذکر الله فهو من المیسر)(1) فلا یمکن العمل باطلاقها لما دلت علیه الضرورة من جواز اللهو فی الجملة کما فی اللعب بالسبحة و اللحیة و الحبل و غیر ذلک وعلیه فیحصل فیها اجمال من هذه الجهة - یعنی جهة الاطلاق- فلابد من حملها علی قسم خاص من اللهو و بذلک یظهر الجواب عن خبر الاعمش حیث عد من جملة الکبائر الملاهی التی تصد عن ذکر الله عزوجل.(2) فهی مع ضعف سندها و اشتمالها علی ما لم یفت به احد کما فی قوله (و النفساء لا تقعد اکثر من عشرین یوماً) لا دلالة لها علی مطلق اللهو بل علی الملاهی التی تصد عن ذکر الله و هی اما منصرفة لذاک القسم الخاص من اللهو أو مجملة فیأخذ بذاک القسم الخاص کقدر متیقن.

حکم اللعب و اللغو

الثالث و العشرون: اللعب و اللغو و هما غیر اللهو و ان فسرنا اللهو بهما و لا دلیل علی حرمتهما ما لم یدخلا تحت العناوین المحرمة الاخر بل السیرة القطعیة شاهدة علی جوازهما فی الجملة کما تقدمت الایة من سورة یوسف (علیه السلام) علی جواز اللعب فی الجملة ولا یبعد ان یکون مثل الافعال الناشئة من غیر القوی

ص:165


1- امالی الطوسی ج/1 ص345
2- الخصال ص603

الشهویة فیعم اللعب مثل افعال الاطفال بخلاف اللهو فانه ما تلتذ به النفس و ینبعث عن القوی الشهویة.

و اما اللغو: و هو ما کان من الافعال التی لا ثمرة و لا فائدة من ورائها نعم یستحب ترک اللغو کما دلت علیه الایة { و الذین هم عن اللغو معرضون}(1) و ایضاً { و اذا مروا باللغو مروا کراماً}(2) و اما خبر الکابلی المفسر للذنوب التی تهتک العصم بتعاطی  ما یضحک الناس من اللغو و المزاح(3)، فهو مع ضعف السند اولاً محمول علی قسم خاص مما یضحک الناس مما یدخل تحت عنوان اللهو المحرم و ذلک للسیرة القطعیة الدالة علی عدم حرمة المزاح بل و یعارضه ما دل استحباب المزاح مثل ما فی صحیح معمر بن خلاد فی خبر  (ان رسول الله صلی الله علیه واله کان یأتیه الاعرابی فیهدی له الهدیة ثم یقول مکانه اعطنا ثمن هدیتنا فیضحک رسول الله صلی الله علیه واله و کان اذا اغتم یقول: ما فعل الاعرابی لیته أتانا)(4) و غیره(5) و قد ذکر ابن ابی الحدید حول اخلاق امیر المؤمنین (علیه السلام) (و اما سجاحة الاخلاق و

ص:166


1- المؤمنون آیة 3
2- الفرقان آیة 72
3- المعانی ص271
4- اصول الکافی ج/2 ص486 ح/1 باب الدعا به و الضحک والدعابة هی اللعب و المزاح والمداعبة ؛ طبع المکتبة الاسلامیة.
5- المصدر السابق ح/2 و ح/3 و ح/4 و فیه (ان الله یحب المداعب فی الجماعة بلا رفث) و الرفث الفحش من القول ؛ و راجع ثواب الاعمال ص181

بشر الوجه و طلاقة المحیا و التبسم فهو المضروب به المثل فیه حتی عابه بذلک اعداؤه)(1) .

اقول: و منهم- بل لعله الاصل لهم- عمر بن الخطاب و عمرو بن العاص.

حکم مدح من لا یستحق المدح

الرابع و العشرون: مدح من لا یستحق المدح و هو فی نفسه لا اشکال فیه بل الاشکال فی انطباق العناوین الاخر علیه کالکذب فاذا وقعت معاملة علی عنوان محرم فهی فاسدة لانها اکل للمال الباطل.

و اما تعظیم صاحب المال و اجلاله طمعاً فی ماله فلا علاقة له بما نحن فیه نعم ربما یقال بحرمته لما دل علی ذلک ففی النبوی «من عظم صاحب دنیا و احبه طمعاً فی دنیاه سخط الله علیه و کان فی درجته مع قارون فی التابوت الاسفل من النار»(2) و فی حدیث المناهی (من مدح سلطاناً جائراً أو تخفف أو تضعضع له طمعاً فیه کان قرینه فی النار(3)) و الثانی تقدم القول فی اعتباره و یؤید ذلک النهی عن اذلال المؤمن نفسه و لا شک ان هذا العمل منه اذلالاً لنفسه(4).

ص:167


1- شرح نهج البلاغة ج/1 المقدمة.
2- عقاب الاعمال ص331
3- الفقیه ج/4 ص11 التضعضع: الخضوع، و التخفف: من الخفة هذا و نقل فی مصباح الفقیه بدل تخفیف تخفف و فسرها بالحفوف بمعنی الاغناء بالشیء و مدحه .
4- الکافی ج/5 ص63 احادیث الباب

حرمة معونة الظالمین فی ظلمهم

الخامس و العشرون: معونة الظالمین فی ظلمهم و لا شک فی حرمة ذلک واستدل لذلک بقوله تعالی {و لا ترکنوا الی الذین ظلموا فتمسکم النار}(1) و الرکون هو المیل الیسیر قاله الزمخشری(2) او المیل والسکون کما قاله فی لسان العرب او الاعتماد کما فی بعض کتب اللغة فاذا کان المیل او السکون او الاعتماد الی الذین ظلموا یوجب النار فمعونتهم بطریق اولی توجب النار اقول:الاان المیل لا ربط له بالمعونة فلا دلالة للایة علی حرمة المعونة نعم هی دالة علی حرمة الاعتماد او السکون الیهم او محبة بقائهم کما ورد فی خبر صفوان (من احب بقائهم فهو منهم ومن کان منهم کان ورد النار)(3) و الخبر وان کان ضعیفا بالرازی الّا انه مطابق للایة.

و الروایات متظافرة فی حرمتها ففی صحیحة ابن سنان قال (سمعت ابا عبدالله (علیه السلام) یقول: من اعان ظالماً علی مظلوم لم یزل الله علیه ساخطاً حتی ینزع من معونته)(4).

ص:168


1- هود آیة 113
2- الکشاف ج/2 ص433
3- وسائل الشیعة ج 16 ص 259 باب تحریم مجاورة أهل المعاصی و مخالطتهم اختیارا و محبة بقائهم .
4- الوسائل ج/11 باب 80 من ابواب جهاد النفس ح/5

و اما اعانة الظالم علی فعله المباح کالبنایة و الخیاطة و امثالهما فقد یقال بحرمتها بدلیل طائفة من الروایات:

الاولی: خبر محمد بن عذافر عن ابیه و فیه: «فما حالک اذا نودی بک فی اعوان الظلمة»(1) .

و فیه: انها غیر صریحة فی الحرمة بل هی شرطیة و تعلیقیة و لم یعلم تحقق الشرط و هو النداء و لسانها لسان الارشاد لا المولویة بالابتعاد عنهم لئلا یکون الانسان من اعوانهم .

الثانیة: خبر ابن ابی یعفور (ما احب انی عقدت لهم عقدة(2)) و فیه: انه ظاهر فی الکراهة.

الثالثة: خبر صفوان و فیه: «فقال لی یا صفوان ایقع کراؤک علیهم قلت نعم جعلت فداک قال: اتحب بقائهم حتی یخرج کراؤک قلت نعم قال: من احب بقاءهم فهو منهم و من کان منهم کان ورد النار»(3) .

و فیه: انه کالاول فی کونه للارشاد الی اجتنابهم والابتعاد عنهم و لم یعلم منها ان هذا المقدار من محبتهم أو بتعبیر اخر ارادة بقائهم لیخرج کراءه، داخل تحت من

ص:169


1- الکافی ج/5 ص105 ح/1 ضعیفة سنداً بسهل .
2- الکافی ج/5 ص107 ح/7 و لا اشکال فی سندها الّا من جهة بشیر و هو و ان کان من مشایخ ابن ابی عمیر الّا انه مهمل.
3- رجال الکشی ج/2 ص740 ؛ و سندها ضعیف لاهمال محمد بن اسماعیل الرازی.

احب بقاءهم بل صدر الروایة یدل علی عدم الحرمة حیث قال: (علیه السلام) ( یا صفوان کل شیء منک حسن جمیل ما خلا شیئاً واحداً) نعم یدل علی حرمة محبة بقائهم.

 و اما باقی ما یستدل به علی حرمة ما نحن فیه فأجنبی عن ذلک کما فی معتبرة السکونی عن الصادق  عن النبی صلی الله علیه واله «انه قال: اذا کان یوم القیامة فنادی مناد این اعوان الظلمة ومن لاق لهم دواةً»(1) و قریب منها صحیحة یونس بن یعقوب قال: قال لی ابو عبدالله (علیه السلام) (لا تعنهم علی بناء مسجد)(2) فمحمولتان علی ان مطلق اعانتهم مرغوب عنه کما هو مفاد الثانی منهما أو علی الاعانة علی الظلم و یختص هذا الحمل بالاول نعم اذا کان بناء المسجد لتقویة شوکتهم کمسجد الضرار {و الذین اتخذوا مسجداً ضراراً}(3) الذی یکون مرکزاً لترویج أمرهم و تشیید سلطانهم، شمل الحمل الثانی للثانی نعم یبقی الاشکال فی الشاهد علی هذا الحمل بعد الاطلاق الثانی و عدم تقییده بما یکون اعانة لهم علی ظلمهم و الذی یمکن ان یجعل شاهداً علی حرمة الاعانة مطلقاً من تلک الاخبار المتقدمة فتأمل .

ثم انه لا یخفی ان المراد من الظالم لیس هو العاصی الظالم لنفسه بل هو الظالم للغیر و من مصادیقه سلاطین الجور و قد یقال باختصاص الحکم بهم للانصراف و فیه تأمل.

ص:170


1- الوسائل باب 71 تحریم معونة الظالمین مما یکتسب به
2- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان) ج 6 ص 338
3- التوبة/108

حکم النجش

السادس و العشرون: النجش و قد فسره الصدوق بأنه: ان یزید الرجل الرجلَ فی ثمن السلعة و هو لایرید شراءها و لکن لیسمعه غیره فیزید لزیادته(1) و هکذا عن الجوهری و المصباح(2) لکن فسره فی تاج العروس بما هو اعم من جهة و اخص من اخری فقال: النجش: ان تواطیء رجلاً اذا اراد بیعاً ان تمدحه أو هو ان یرید الانسان ان یبیع بیاعة فتساومه فیها بثمن کثیر لینظر الیک ناظر فیقع فیها) و عن ابی عبید ما یتفق مع الجوهری و عن ابی شمیل: (هو ان تمدح سلعة غیرک لبیعها أو تذمها لئلا تنفق عنه) و کیف کان فشموله لمجرد المدح مع المواطأة أم بدونها و کذلک الذم غیر معلوم و ان ذکرها بعض اهل اللغة.

هذا و یدل علی حرمة النجش خبر الکافی عن الصادق (علیه السلام) قال: «قال رسول الله صلی الله علیه واله الواشمة و الموتشمة و الناجش و المنجوش ملعونون علی لسان محمد صلی الله علیه واله»(3) و خبر المعانی عنه صلی الله علیه واله (و لاتناجشوا(4)) لکن الاولی ضعیفة بمحمد بن سنان و الثانیة عامیة نعم عمل بهما الکلینی و الصدوق فلو حصل الوثوق باحدهما فهو و الّا فلا حرمة فی النجش من حیث هو

ص:171


1- المعانی ص284
2- الصحاح للجوهری ؛ و المصباح للفیومی: نجش
3- الکافی ج/5 ص559
4- معانی الاخبار ص284

و انما حرمته تکون من جهة ما لو کان من مصادیق الغش أو الضرار بناءاً علی حرمة الضرار کما هو الاقوی و الّا فلا.

هذا کله بالنسبة للمعنی الاول للنجش و الّا فمجرد المدح لا دلیل علی حرمته الّا من باب الکذب أو الضرار لو قلنا بحرمته و هو المختار و تحقیقه فی الاصول.

حرمة النمیمة

السابع العشرون: النمیمة و هی محرمة بلا خلاف و قد تواترت الروایات من طرق الفریقین علی حرمتها ففی صحیح عبد اللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال: «قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أنبئکم بشرارکم؟ قالوا بلی یا رسول اللّه قال: المشاءون بالنمیمة المفرقون بین الاحبة الباغون للبرآء المعایب»(1).

و فی صحیحة ابن جعفر (حرمت الجنة علی ثلاثة مدمن خمر و النمام و الدیوث و هو الفاجر)(2) و فی صحیحة محمد بن قیس (الجنة محرمة علی القتاتین المشائین بالنمیمة)(3).

ثم ان المعیار فی النمیمة هو نقل ما یکون وقیعة بین المنقول عنه و المنقول الیه و لیس کما توهم من انها متقومة بکراهة الکشف.

ص:172


1- الوسائل الباب 164 من أبواب أحکام العشرة الحدیث: 1
2- مسائل علی بن جعفر و مستدرکاتها ص 349
3- الکافی ج2 ص 329 ح2

هذا و قد تزاحم حرمة النمیمنة عنوان اخر مهم فی نظر المولی فتجری فیها حینئذ قواعد التزاحم و یتضح ذلک بملاحظة ما تقدم فی الغیبة.

حکم النیاحة

الثامن و العشرون: النیاحة و المراد منها هو النوح بالباطل و هو الکذب - و لم یظهر له مصداق اخر- و بحرمتها بهذا المعنی قال الشیخان(1) و سلار(2) و ابن ادریس(3) و المحقق(4) .

و اما ما فی المبسوط و الوسیلة(5) من التحریم مطلقاً فمحمول علی الباطل. هذا و مقتضی الاصل و الروایات هو جواز اخذ الاجرة علی النیاحة نظیر سائر الاعمال المحللة ففی صحیحة ابی بصیر قال: (قال ابو عبدالله (علیه السلام) لا بأس بأجر النائحة التی تنوح علی المیت)(6) و مرسلة الصدوق (لا بأس بکسب النائحة اذا قالت صدقاً)(7) و غیرهما(8) و فی صحیحة یونس بن یعقوب عن الصادق (علیه السلام) «قال لی

ص:173


1- المقنعة ص588 و النهایة ص365
2- المراسم ص170
3- السرائر ج/2 ص215
4- الشرائع ص10 ج/2
5- المبسوط ج/1 ص189 و الوسیلة ص69
6- الوسائل ج/12 باب 17 من ابواب التکسب ح/7 و التهذیب ح/149 من المکاسب
7- الفقیه ج/3 ص98 ح/26 و به افتی فی المقنع طبع الهادی ص362
8- الکافی ج/ ص ح/2 باب 35 من المعیشة خبر ابی حمزة عن الباقر (علیه السلام) فی قصة ام سلمة و ندبها لابن عمها و تقریر النبی (ص) لها. و الحدیث الاخر خبر عذافر عنه (علیه السلام) و قد سئل فی کسب النائحة قال: تستحله بضرب احدی یدیها علی الاخری.

ابی: یا جعفر أوقف لی من مالی کذا و کذا  للنوادب تندبنی عشر سنین بمنی ایام منی»(1) و هذه تدل علی استحبابه الّا انها لا یمکن ان یتعدی فیها الی غیر المعصومین اذ لا اطلاق فیها و سیأتی تمام الکلام.

و اما ما اشتمل علی النهی عنها مثل خبر الخصال الذی جاء فیه: (و علیها سربال من قطران)(2) و خبر الزعفرانی عن الصادق (علیه السلام) (و من اصیب بمصیبة فجاء عند تلک المصیبة بنائحة فقد کفرها)(3) و الاول صریح فی الحرمة و الثانی ظاهر فیها فمقتضی الجمع بینهما و بین ما تقدم هو الحمل علی النوح بالباطل هذااذا قلنا باعتبارهما و یمکن حمل الثانی منهما علی الکراهة و کذلک حدیث المناهی: (ان النبی صلی الله علیه واله نهی عن الرنة عند المصیبة ونهی عن النیاحة و الاستماع لها)(4) بقرینة صحیحة علی بن جعفر (علیه السلام) (سألته عن النوح علی المیت ایصلح قال: یکره)(5) فهو بقرینة صحیح ابی بصیر الدال علی جواز اصل النیاحة تتعین فیه الکراهة.

ص:174


1- الکافی ج5 ص 117 باب 35 من المعیشة ح/1
2- الخصال ج1 ص 226 ضعیفة لسلیمان بن جعفر البصری باب الاربعة .
3- الکافی ج6 ص433 ح/3 من باب 35 المعیشة
4- من لا یحضره الفقیه ج 4 ص 5 باب ذکر جمل من مناهی النبی (ص).
5- مسائل علی بن جعفر ص 156

وکیف کان فهذه الروایات لا تقاوم صحیح ابی بصیر سنداً و لا دلالةً و یبقی موثق سماعة ( قال سألته عن کسب المغنیة و النائحة فکرهه)(1) فظاهره مجمل لان المغنیة علی قسمین من تزف العرائس و عملها حلال کما تقدم و غیرها وعملها حرام وکذلک النائحة من تنوح بالباطل و عملها حرام و غیرها و حینئذ فان کان المراد منهما القسم الحرام فهو و لا اشکال لکن لا شاهد له غیر ادعاء الانصراف . و ان کان المراد منهما الاعم فلابد من کون الکراهة فیها الاعم من الحرمة و الکراهة.

هذا و فی خبر خدیجة بنت عمر بن علی عن عمها الباقر (علیه السلام) (انما تحتاج المرأة الی النوح لتسیل دمعتها و لا ینبغی لها ان تقول هجراً فاذا جاء اللیل فلا تؤذی الملائکة بالنوح)(2) و فیه دلالة علی کراهة النوح فی اللیل و الخبر موثوق به. و بقی ان والد الصدوق وکذلک ابنه فی المقنع(3) و الهدایة قیّد جواز کسب النائحة بعدم الاشتراط و یشهد لهما صحیح حنان بن سدیر قال: کانت امرأة فی الحی و لها جاریة نائحة فجاءت الی ابی فقالت یا عم انت تعلم ان معیشتی من الله تعالی ثم من هذه الجاریة النائحة وقد احببت ان تسال ابا عبد الله (علیه السلام) عن ذلک فان کان حلالا و الّا بعتها و اکلت من ثمنها حتی یأتی الله بالفرج فقال لها ابی و الله لأعظّم

ص:175


1- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان) ج 6 ص 359  
2- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 1 ص  358
3- المقنع طبع الهادی ص361 وفیه کلام والده و مثله الفقه المنسوب لمولانا الرضا (علیه السلام) ص252 و الهدایة ص80 .

ابا عبدالله (علیه السلام) ان اسأله عن هذه المسألة فلما قدمنا علیه اخبرته انا بذلک فقال (علیه السلام) «اتشارط قلت و الله ما ادری اتشترط أم لا؟ فقال: قل لها: لا تشارط و تقبل ما اعطیت»(1) و لعله هو المفهوم من الکلینی حیث اعتمده و یبقی الکلام فی دلالته و النهی فیه ظاهر فی التنزیه والارشاد کما فسره الصدوقان فقالا: لا بأس بکسبها ما لم تشترط و یشهد لهذا الحمل ذیله: ( و تقبل ما اعطیت) .

حصیلة البحث:

تحرم الکهانة و هی الاخبار عن الغائبات بالاعتماد علی العلوم الغریبة أو الجن أو غیرهما, و تحرم معونة الظالمین فی ظلمهم, و یحرم النجش و هو ان یزید الرجل الرجلَ فی ثمن السلعة و هو لایرید شراءها ولکن لیسمعه غیره فیزید لزیادته. و تحرم النمیمة بین المؤمنین سواء اوجب الفرقة بینهم ام لا. و تحرم النیاحة و المراد منها هو النوح بالباطل و هو الکذب.

حکم الولایة من قبل الجائر

التاسع و العشرون: الولایة من قبل الجائر و الروایات فی حرمتها مستفیضة منها معتبر السکونی عن الصادق (علیه السلام) قال (قال رسول الله صلی الله علیه واله اذا کان یوم القیامة نادی مناد این اعوان الظلمة و من لاق لهم دواةً أو ربط لهم کیساً أو

ص:176


1- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 5 ص 118  باب کسب النائحة

مد لهم مدة قلم فاحشروهم معهم)(1) و کذلک موثقته الاخری و معتبرة ابن ابی یعفور و خبر الکاهلی و خبر زیاد بن ابی سلمة، و ظاهرها ان التولی بنفسه حرام لا لاجل ارتکاب المحرمات، هذا و قد یتوهم من بعض الروایات انه لاجل ارتکاب الحرام یحرم تقبلها مثل صحیحة ابی بصیر سألت ابا جعفر (علیه السلام) عن اعمالهم فقال لی «یا ابا محمد و لا مدة قلم ان احدکم لا یصیب من دنیاهم شیئاً الّا اصابوا من دینه مثله»(2) .

اقول: و کما یمکن ان یکون اصابة الدین لاجل ارتکاب المحرمات کذلک یکون لاجل کونه معدوداً من اعوانهم و الحاصل لا دلالة فیها علی المطلوب. مضافاً الی عدم دلالتها فی نفسها علی کون العلة هی ارتکاب المحرمات لا غیر.

و اما صحیحة الحلبی قال: و سألته عن رجل مسکین خدمهم رجاء ان یصیب معهم شیئاً فیعینه الله فمات فی بعثهم قال: (هو بمنزلة الاجیر انه انما یعطی الله العباد علی نیاتهم)(3) فالظاهر منها انها فی معونتهم لا فی تولی الامر منهم اولاً و من باب الضرورة لحاجته ومسکنته دخل معهم ثانیاً. و مثلها فی الظهور للضرورة موثقة عمار الساباطی انه سأل الصادق (علیه السلام) (عن عمل السلطان یخرج فیه الرجل؟ قال: لا، الّا ان لا یقدر علی شیء یأکل و لا یشرب و لا یقدر علی حیلة فان فعل فصار

ص:177


1- الوسائل ج12 باب 71 تحریم معونة الظالمین مما یکتسب به .
2- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 5 ص 107 باب عمل السلطان و جوائزهم
3- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان) ج 6 ص 339

فی یده شیء فلیبعث بخمسه الی اهل بخمسه الی اهل البیت»(1) و اما اشتماله علی الخمس فقد تقدم الکلام فیه فی باب الخمس, و کذلک صحیحة زربی عن مولی لعلی بن الحسین (علیه السلام) و هی ایضاً لا دلالة فیها باعتبار فرض السائل و جواب الامام (علیه السلام) له علی اساس ما فرضه فلا دلالة لها حینئذ.

ثم انه یسوغ الولایة المذکورة امور:

الاول: الضرورة و امرها معلوم.

الثانی: فیما اذا کان فی تولّیه نفع للمؤمنین أو دفع الضرر عنهم کما یشهد لذلک صحیح علی بن یقطین قال: قال لی ابو الحسن موسی بن جعفر علیهما السلام (ان لله تبارک و تعالی مع السلطان اولیاء یدفع بهم عن اولیائه(2)) و خبر النجاشی(3) عن بعض اصحابنا عن ابن الولید عن محمد بن اسماعیل بن بزیع عن الرضا (علیه السلام) (ان لله تعالی بابواب الظالمین مَن نوّر الله له البرهان و مکن له فی البلاد لیدفع بهم عن اولیائه و یصلح الله بهم امور المسلمین الیهم ملجأ المؤمن (المؤمنین) من الضرر و الیهم یفزع ذوو الحاجة من شیعتنا و بهم یؤمن الله روعة المؤمن فی دار الظلمة

ص:178


1- المقنع ص122 و ص539 طبع الهادی ؛ التهذیب ج/6 ص330 ح/36
2- الفقیه ج/3 ص176 ح/3664
3- الخبر و ان ارسله النجاشی عن بعض الاصحاب الّا ان شخصیة النجاشی فی التحری عن الروایة عن الضعفاء قد توجب الوثوق بالخبر فلاحظ.

اولئک المؤمنون حقاً...(1)) و نقل ایضاً عن الحسین بن خالد الصیرفی قال: کنا عند الرضا (علیه السلام) و نحن جماعة فذکر محمد بن اسماعیل بن بزیع فقال: «و ددت ان فیکم مثله»(2) اقول: و ابن بزیع هذا کان فی عداد الوزراء کما ذکر النجاشی(3) و فی خبر زیاد بن ابی سلمة عن الکاظم (علیه السلام) ( یا زیاد لان اسقط من شاهق فاتقطع قطعةً قطعة احب الی من اتولّی لاحد منهم عملاً أو اطئ بساط رجل منهم الّا: لماذا؟ قلت ما ادری جعلت فداک قال: الّا لتفریج کربة(4) عن مؤمن او فک اسره أو قضاء دینه(5)) .

و هذه الطائفة من الاخبار تدل علی مطلوبیة تقبل الولایة لاجل قضاء حوائج المؤمنین و الدفاع عنهم و فی قبالها طائفة اخری تدل علی مرجوحیتها و ان قضاء حوائج الاخوان کفارة لها کما فی مزسلة الفقیه عن الصادق (علیه السلام) انه قال( کفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان(6)) و خبر مهران بن محمد بن ابی نصر (ما من

ص:179


1- رجال النجاشی ص331 و رواها الکشی مع زیادة (ما علی احدکم ان لو شاء لنال هذا کله قال قلت بماذا جعلت فداک: یکون معهم فیسرنا بادخال السرور علی المؤمنین من شیعتنا فکن منهم یا محمد) حدیث رقم 894 من رجال الکشی ج/2 ص215
2- الکربة: الشدة و الضیق
3- الکافی ج/5 ص109 ح/1
4- الفقیه ج/3 ص176 ح/3666
5- الکافی ج/5 ص111 ح/5 و التهذیب ج/6 ص336 رواه عن ابی بصیر و ظاهر و مهران من مشایخ ابن ابی عمیر.
6- رجال النجاشی ص331

جبار الّا و معه مؤمن یدفع الله به عن المؤمنین و هو اقلهم حظاً فی الاخرة بصحبة الجبار)(1).

اقول: و لم یظهر شاهد للجمع بین الطائفتین الّا انه لا شک فی ترجیح الاولی علی الثانیة من جهات: انها اکثر عدداً و فیها الصحیح سنداً و معروفة لدی الاصحاب فقد نقلها المشایخ الثلاثة مضافاً للنجاشی مضافاً الی تأیید الائمة علیهم السلام لمن تقبلها امثال ابن بزیع و احمد بن حمزة(2) و ابن یقطین و عبدالله النجاشی والی الاهواز مع موافقتها للقرآن الکریم قال تعالی { ان اقیموا الدین} .

و اما صحیحة زید الشحام التی قد یتوهم منها استحباب تولّی الامر من الجائر و هی «من تولّی امراً من امور الناس فعدل فیهم و فتح بابه و رفع ستره و نظر فی امور الناس: کان حقاً علی الله ان یؤمن روعته یوم القیامة و یدخله الجنة»(3) فاجنبیة عن المقام لاحتمال انها لاصل التولی لا لتولی الامر من الظالم بل لعل هذا هو الظاهر.

هل یجب تقبل ولایة الجائر؟

هل یجب تقبل ولایة الجائر اذا ما توقف الامر بالمعروف و النهی عن المنکر علیها واجب ام لا؟ ففی جواهر الکلام: انه لم یحک عن احد التعبیر بالوجوب الّا

ص:180


1- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 5 ص 111
2- جواهر الکلام ج/22 ص164
3- وسائل الشیعة ج 17 ص193؛ و الروع: بالفتح الفزع و بالضم القلب و المراد هنا هو الاول .

عن الحلی فی سرائره(1) اقول: و الموجود فی السرائر هو الاستحباب مثل عبارة الشیخ فی النهایة(2) و کذلک المحقق فی الشرایع(3) و کیف کان فقد وقع الکلام بین المتأخرین حول اتصاف الولایة بالوجوب مع فرض تمکن المتقبل من الاصلاح و الامر بالمعروف و النهی عن المنکر.

اقول: و هو و ان کانت القاعدة تقتضیه بناءً علی اهمیة الامر بالمعروف و بمقتضی تقدم الاهم علی غیره بحکم العقل بناءاً علی لزومه لا القول برجحانه فحسب عند العقل, و ذلک لان الواجب و ان توقف علی مقدمة محرمة و حینئذ یقع التزاحم بین الحرمة المتعلقة بالمقدمة و بین الوجوب المتعلق بذی المقدمة نظیر الدخول فی الارض المغصوبة لاجل انقاذ الغریق أو انجاء الحریق- بناءاً علی وجوبهما- و حینئذ فیرجع الی قواعد باب التزاحم المقررة و یتقدم الاهم علی غیره بناءاً علی لزوم تقدمه بحکم العقل.

اقول: لکن لا یعلم اهمیة الامر بالمعروف و النهی عن المنکر هنا بل من اطلاق الروایات بعدم وجوب تقبل الولایة للاصلاح و قضاء حوائج المؤمنین نفهم عدم اهمیته بتلک الدرجة التی تصل الی حد الوجوب. و کیف کان فاطلاق الاخبار الاستحباب و سکوتها عن وجوب تقبل الولایة هو الدلیل علی عدم الوجوب سواء اقتضت القاعدة الوجوب أم العدم فالقول بثبوت الاستحباب فی نفسه و انه

ص:181


1- السرائر ج/2 ص202
2- النهایة ص356
3- الشرائع ص12 ج/2

لا ینافی الوجوب المقدمی مما لا یساعد علیه الدلیل کما عرفت من ان الاطلاق ینفی الوجوب و ان کان - یعنی القول المتقدم - فی نفسه صحیحاً.

الثانی: فی قبول الولایة من الجائر مکرهاً و لا خلاف فی ذلک لما تقدم من حدیث الرفع و ادلة الاضطرار و التقیة و انما الکلام: فی ان الاکراه هل هو من المسوغات فی الاضرار بالغیر أم لا؟ استدل للاول بعموم حدیث الرفع و فیه: انه وارد مورد الامتنان علی الامة فیختص  بمورد یکون الرفع فیه امتناناً و فی المقام لیس الامر کذلک لان نفی حرمة الاضرار بالغیر و ان کان امتناناً علی المکره - بالفتح - لکنه خلاف الامتنان بالنسبة للاخر النازل به الضرر و قد یقال بحکومة لا ضرر و لاضرار الدالة بفقرتها الثانیة علی حرمة الاضرار بالغیر علی حدیث الرفع فیتم المطلوب بلا حاجة الی فرض مسألة الامتنان و توضیح ذلک: ان الضرر علی اربعة اقسام:

الاول: ان یتوجه الضرر ابتداءً الی احد من غیر ان یکون لفعل الاخر مدخل فیه مثل ما لو توجه السراق أو الظلمة الی نهب امواله أو هتک اعراضه و لا شک انه هنا لا یجوز ان یدفع الضرر عن نفسه بالاضرار بالغیر.

الثانی: علی العکس من الاول و الامر فیه اوضح .

الثالث: و الذی هو محل البحث و هو ان یتوجه الضرر الی الغیر ابتداءً والی المکره علی تقدیر المخالفة لما امر به الجائر و کان الضرر الذی توعده المکره امراً مباحاً فی نفسه کما اذا امره بنهب مال الغیر و الّا یأخذ اموال نفس المکره و

ص:182

هنا استدل بحدیث الرفع علی ان لا تکلیف علی المکرَه و اجیب بان حدیث الرفع امتنانی ولا امتنان بالاضرار  بالغیر لدفع الضرر عن المکرَه .

اقول: لکن هذا الجواب لا یخلو من اشکال و هو انه لا دلیل علی ان الرفع یدور مدار الامتنان علة للحکم بالرفع و من هنا یتجه صحة الاطلاق فی حدیث الرفع و انه حاکم علی الادلة الاولیة کما و انه حاکم ایضاً علی دلیل لا ضرر و لا ضرار کما هو مقتضی الفهم العرفی فان نفی الضرر مبین لنفی الاحکام الضرریة و موجب لحرمة الاضرار فهو حاکم علی الادلة الاولیة لانه وان کان ناظرا الیها الّا انه لم یطرح بشکل مستقل بل طرح فی ضمن بیان حکم تعلیلاً له بخلاف حدیث الرفع فانه اوسع و اشمل منه فهو ناظر الی کل الاحکام و قد طرح بشکل مستقل و بعنوان انه من مختصات الامة الاسلامیة وقد لا تساعد العبارات علی بیان المقصود الّا ان فی الفهم العرفی کفایة.

و استدل ایضاً بقاعدة نفی الحرج و اشکل علیه کسابقه و الجواب کالسابق.

و استدل ثالثاً باخبار التقیة کصحیحة محمد بن مسلم عن الباقر (علیه السلام) (انما جعلت التقیة لیحقن بها الدم فاذا بلغ الدم فلیس تقیة)(1) و موثقة الثمالی و مرسلة الصدوق «و التقیة فی کل شیء حتی یبلغ الدم فاذا بلغ الدم فلا تقیة»(2) .

و قد اجیب عنها اولاً: بان المراد بالتقیة فیها التقیة بمرتبتها العلیا و هی التحفظ علی النفس من التلف بقرینة التعلیل فمفهوم الشرطیة ان التقیة بمعنی التحفظ علی

ص:183


1- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 2 ص 220 باب التقیة
2- مستدرک الوسائل و مستنبط المسائل ج 12 ص274

النفس من التلف موجبة لجواز کل محرم حتی الاضرار بالغیر مالاً و انما لا تجوز التقیة و التحفظ علی النفس من التلف باراقة الدم و اتلاف نفس اخری و علیه فالتقیة بمعنی التحفظ علی الضرر المالی و نحوه خارج من مدلوله منطوقاً و مفهوماً و اضاف البعض بان ما یلزم من وجوده عدمه محال.

اقول: اما ما یلزم من وجوده عدمه محال فصحیح فی عالم الواقع و الحقیقة لا فی عالم الاعتبار واما ما تقدمه: فالجواب الصحیح فیه هو ان مورد التقیة هو الخوف علی النفس کما فی قضیة عمار و ابویه و الّا فالخوف علی المال لا یسمی تقیة بل یسمی اضطراراً و اضراراً. و لا ینافی ذلک ما یظهر من بعض الاخبار من مشروعیة التقیة لمطلق التوادد والتحابب و ان لم یترتب علیها دفع الضرر و علیه فیتضح معنی الحدیث و انه عند الخوف علی النفس یجوز کل شیء الّا الدم.

ثم لو اغمضنا النظر عن ذلک و قلنا ان مورد التقیة اعم و شامل للخوف علی المال و غیره فنقول بعد دلالة حدیث لا ضرر و لا ضرار علی نفی الحکم الضرری و الاضراری یقع التعارض بینه و بین ما دل علی جواز الاضرار بالغیر مما تقدم من ادلة التقیة و القاعدة هی التساقط بعد عدم الترجیح.

ثم انه مع جواز الاضرار بالغیر مالاً هل یرتفع ضمان الاتلاف بعد اجازة الشرع له بارتکابه ام لا یرتفع کسائر موارد اتلاف مال الغیر؟یشهد للاول حدیث الرفع بناءاً علی ان المرفوع تمام الآثار و ان ضمان الید انما هو بدلیل السیرة و بناء العقلاء و

ص:184

الّا فحدیث علی الید.. ضعیف، والسیرة و بناء العقلاء لا یعلم منهما اجراء الضمان فیمن اکره علی الاضرار بالغیر مع ملاحظه کون السبب اقوی من المباشر(1).

و استدل رابعاً: بدلیل الفرق بین الاضطرار و الاکراه ففی الاول یتوجه الضرر الی نفس الشخص و فی الثانی الی الغیر بحسب الزام الظالم و اکراهه و ان مباشرة المکرَه لإیقاع الضرر بالغیر لیست مباشرة استقلالیة یترتب علیها الضمان کما یترتب علی بقیة الافعال التولیدیة بل هی مباشرة تبعیة و فاعلها بمنزلة الآلة فلا ینسب الیه الضرر نعم لو تحمل الضرر فقد صرفه عن الغیر الی نفسه عرفاً الّا انه لایجب علیه ذلک.

 و اجیب: بانه باطل صغری وکبری اما الاولی فان الضرر فی کلا الموردین(2) انما توجه الی الشخص نفسه ابتداءاً فان الاکراه لا یسلب الاختیار عن المکره لیکون بمنزلة الآلة المحضة بل الفعل یصدر منه بارادة منه و اختیاره ویکون فعله کالجزء الاخیر من العلة التامة لنهب مال الغیر.

و اما الثانیة: فانه لا وجه للمنع عن وجوب تحمل الضرر بایقاعه بنفسه بمقتضی حرمة ایقاعه بالغیر کما دل علیه حدیث لا ضرر ولا ضرار فایراد الضرر علی الغیر حرام فیتعین ان یوقع الضرر علی نفسه و قد تحصل انه لم یسلم من هذه الوجوه الاربعة الّا الاول.

 ثم انه هل تجب التقیة لدفع الضرر عن المؤمن ؟

ص:185


1- هذا و لا یخفی ان الاضطرار الی نهب مال الغیر فی غیر مقام الاکراه.
2- و حکم توهم الحرج مثل الضرر ایضاً عند المجیب

الجواب: انه لا شک فی الجواز کما تقدمت روایته و اما الوجوب فهو تابع للتکلیف الشرعی فان کان یجب حفظ الغیر وجبت التقیة و الا فلا نعم اذا کان هنالک دلیل خاص بوجوب التقیة لحفظ الغیر فهو و الا فلا و لابد من الفحص.

الرابع من اقسام الضرر: ان یتوجه الضرر ابتداءاً الی الغیر و الی المکره علی تقدیر مخالفته حکم الظالم کما اذا اکرهه علی ان یلجیء شخصاً اخر الی فعل الزنا مثلاً و الّا اجبره الظالم علی ارتکابه بنفسه و الحکم کسابقه، ثم انه لا خلاف فی اعتبار العجز عن التفصی فی ترتب احکام الاکراه نعم اذا کان التفصی حرجیاً فبدلیل نفی الحرج ایضاً یلحق بالتعذر و العجز ثم انه لا مسوغ لقبول الولایة المحرمة اذا کان الضرر المتوعد به قابلاً للتحمل کما فی الضرر المالی الذی لا یضر بالحال بمعنی انه لا یکون تحمله حرجیاً و ذلک واضح فحال الولایة کحال سائر المحرمات فلا یجوز ارتکاب باقی المحرمات بتوعید الضرر القابل، لا یقال: ان بذل المال للجائر دفعاً للولایة المحرمة اعانة علی الاثم فیما لو علم انه سیصرفه فی الحرام فانه یقال: انه اعانة اذا صدر اختیاراً لا بالاکراه .

فان قلت: لا اکراه علیه بالخصوص فاذا اختاره وقع اختیاریاً قلت: انه اکره علی امرین احدهما حرام و الثانی مباح فی نفسه وحیث ان المکره ممنوع من الاول فقد وقع الاکراه حینئذ علی الثانی نعم لو کان من مصادیق الاعانة المحرمة(1) فحینئذ یقع التزاحم بینه و بین المحرم الاخر و تجری فیه قواعده.

ص:186


1- فیما لو علم انه سیصرفه فی الحرام، نعم غالباً لا یحصل العلم بذلک .

حدود التقیة

بقی الکلام فی حدود التقیة فلا یباح بالاکراه قتل النفس المحترمة التی یحرم قتلها فلا تعم المحکوم بالقصاص فانه محقون الدم لغیر ولی الدم و قد تقدمت صحیحة محمد بن مسلم و موثقة الثمالی و غیرهما مما یدل علی المقصود.

و اما دماء اهل الخلاف فقد قیل بان التقیة شرعت لحفظ دماء الشیعة فلا تعم دماء غیرهم و علیه فحکم قتل المخالفین بالتقیة او بالاکراه حکم سائر المحرمات التی ترتفع حرمتها بالاکراه و التقیة. اقول: لابد من ملاحظة الروایات حتی یمکن البت فی الامر.

حصیلة البحث:

تحرم الولایة من قبل الجائر و یسوغها الضرورة و فی ما اذا کان فی تولّیه نفع للمؤمنین أو دفع الضرر عنهم, و لا یجب تقبل ولایة الجائر اذا ما توقف الامر بالمعروف و النهی عن المنکر علیها, و هل الاکراه من المسوغات فی الاضرار بالغیر؟ فله صور: الاولی: ان یتوجه الضرر ابتداءً الی احد من غیر ان یکون لفعل الاخر مدخل فیه مثل ما لو توجه السراق أو الظلمة الی نهب امواله أو هتک اعراضه و لا یجوز هنا ان یدفع الضرر عن نفسه بالاضرار بالغیر. الثانیة: علی العکس من الاول و الامر فیه اوضح . الثالثة: ان یتوجه الضرر الی الغیر ابتداءً و الی المکره علی تقدیر المخالفة لما امر به الجائر و کان الضرر الذی توعده المکره امراً مباحاً فی نفسه کما اذا امره بنهب مال الغیر و الّا یأخذ اموال نفس المکره و الاقوی معذوریته هنا و لا ضمان علی المکره بعد اجازة الشرع له

ص:187

بارتکاب المکره علیه.  الرابعة: ان یتوجه الضرر ابتداءاً الی الغیر و الی المکره علی تقدیر مخالفته حکم الظالم کما اذا اکرهه علی ان یلجیء شخصاً اخر الی فعل الزنا مثلاً و الّا اجبره الظالم علی ارتکابه بنفسه و الحکم کسابقه. و لا یباح بالاکراه قتل النفس المحترمة - التی یحرم قتلها - فلا تقیة فی الدماء.

حکم هجاء المؤمن و الهجو

الثلاثون: هجاء المؤمن و الهجو لغةً عد معائب الشخص و الوقیعة به و شتمه و لا خلاف بین المسلمین فی حرمة هجاء المؤمن کما و انه لا فرق بین ذکر معائبه بجملة انشائیة ام بجملة خبریة هذا و البحث راجع الی الغیبة و السب فراجع.

و بقی ما فی خبر ابی حمزة قال: قلت له یعنی للباقر (علیه السلام) «ان بعض اصحابنا یفترون و یقذفون من خالفهم فقال لی: الکف عنهم اجمل»(1) و دلالتها علی جواز هجو غیر المؤمنین واضحة بل و تدل علی جواز الافتراء علیهم و هو علی اطلاقه محل تامل نعم یجوز ذلک بالنسبة علی اهل البدع کما تقدم و الظاهر من الخبر هو ذلک .

حکم الهجر

الواحد و الثلاثون: الهجر و هو لغة الفحش و القبیح من القول و قد ورد فی الروایات الکثیرة ان البذاء و الفحش علی المؤمن حرام ففی صحیحة عبدالله بن

ص:188


1- الکافی –کتاب الخمس- باب ان الارض کلها للامام و هی سندیاً ضعیفة لاهمال الحسن بن عبدالرحمن و ضعف علی بن العباس .

سنان (و من خاف الناس لسانه فهو فی النار)(1) و فی صحیحة ابی عبیدة (البذاء من الجفاء فی النار)(2) و فی موثقة ابن فضال (من علامات شرک الشیطان الذی لا شک فیه ان یکون فحاشاً لا یبالی ما قال ولا ما قیل فیه)(3) و غیرها.

حصیلة البحث:

یحرم هجاء المؤمن و هو عد معائبه و الوقیعة به و شتمه. و یحرم الهجر و هو الفحش و القبیح من القول.

القسم الرابع

مما یحرم التکسب به ما یجب علی الانسان فعله

القسم الرابع: مما یحرم التکسب به ما یجب علی الانسان فعله و غیره مما قال المصنف (ره): (و الاجرة علی التغسیل الموتی و تکفینهم و دفنهم و الصلاة علیهم و الاجرة علی الافعال الخالیة من غرض حکمه کالعبث و الاجرة علی الزنا و اللواط ورشا القاضی و الاجرة علی الاذان و الاقامة و القضاء و یجوز الرزق من بیت المال و الاجرة علی تعلیم الواجب من التکلیف)

وها هنا مسائل:

ص:189


1- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 2 ص 327
2- الکافی (ط - الإسلامیة) ج 2 ص 325
3- مکاتیب الأئمة علیهم السلام ج 4 ص 494 وصیته علیه السلام لهشام فی العقل .

الاولی: فی اخذ الاجرة علی العبادات سواء کانت مستحبة ام واجبة؟ و لا شک فی حرمة اخذ الاجرة علیها بعد اعتبار شرط الاخلاص فی العبادة للتنافی بین الاخلاص و اخذ الاجرة و لیست شعری ان هذا لاوضح من الواضح فالتشکیک فیه تشکیک فی البدیهیات ویشهد لذلک قوله تعالی: {انما نطعمکم لوجه الله لا نرید منکم جزاءاً و لا شکوراً}(1).

و صحیح ابن ابی عمیر عن الحکم بن مسکین عن قتیبة الأعشی: «قلت لأبی عبد اللّه (علیه السلام): إنّی أقرئ القرآن فتهدی إلیّ الهدیّة فأقبلها؟ قال: لا، قلت: إن لم أشارطه، قال: أ رأیت لو لم تقرئه کان یهدی لک؟ قلت: لا، قال: فلا تقبله»(2).

 فان قلت: کما یؤتی بالفعل تقرباً الی الله عزوجل و یقصد منه حصول المطالب الدنیویة کاداء الدین و سعة الرزق فکذلک یصلی قربة الی الله عزوجل و یاخذ اجرة قلت: فرق بین الاتیان بالعمل لله لای غرض کان وبین اتیان العمل لغیره فاتیانه لله عزوجل هو المقصود من کونه مخلصاً له فالمراد من الاخلاص هو الاتیان به له تعالی و لو لاغراض دنیویة او اخرویة بخلاف الاتیان به لغیره و الامر واضح.

هذا وقد تقدم الکلام عن صلاة النیابة بإجارة فی کتاب الصلاة فراجع(3).

ص:190


1- الانسان ایة 9
2- الإستبصار ج 3، ص: 66ح6 و الفقیه، ج 3، ص: 179
3- الدرر الفقهیة ج4ص77

الثانیة: فی اخذ الاجرة علی الواجبات غیر العبادیة فقد یقال بحرمة اخذ الاجرة علیها ایضاً بعد کون الشیء مستحقاً لله عز وجل فهو کما لو آجر نفسه من شخص علی عمل یعود نفعه لآخر فیاخذ اجرته منه بالاضافة الی ما اخذه اولاً .

و فیه: انه صحیح علی مبنی من یری ان صیغة افعل عبارة عن جعل الفعل فی رقبة العبد فالوجوب عنده عبارة عن استحقاق ذلک الفعل فی رقبة العبد و بعد ما یملک الاجیر منافعه للمستاجر فبادائه ما استاجر علیه یکون الفعل مستحقاً للغیر فکیف یمکن ان یجعل ما للغیر اداءً لحق المولی.

و اما علی مبنی من یری ان مفاد صیغة افعل هو النسبة الارسالیة فقط کما هو المشهور فلا دلالة فیها علی کون الفعل مستحقاً للآمر و انما دلالتها کون الفعل مطلوباً فقط وهو یجتمع مع کونه بالعوض و من دون عوض. قلت: هذا صحیح اذا لاحظنا ذلک عقلا والّا فالفهم العرفی لا یری فارقا بین الامرین .

هذا و یمکن ان یستدل له بان الفعل المستاجر علیه لابد من ان یعود نفعه للمستاجر فاذا لم یکن فیه نفع یعود للمستاجر فیکون من مصادیق اکل المال بالباطل بلا شک فی ذلک و الحاصل انه لا دلیل علی صحتها کما و انها غیر عقلائیة ایضاً نعم تجوز اخذ الاجرة بالنسبة بالاعمال الخارجة عن الواجب الزائدة علیه کما فی الواجب التخییری المتضمن لخصوصیات اضافیة خارجة عن الواجب.

هذا و لکن الاشکال فی وجوب بعض ما یدعی وجوبه العینی او الکفائی فاللازم توضیح ذلک فنقول: اما تجهیز المیت فلم یدل دلیل علی کونه واجباً علی احد

ص:191

غیر ولی المیت کما هو المنسوب للسید المرتضی (قدس سره)(1) وکما هو مفاد الاخبار.

و اما القضاء فلم یعلم وجوبه مطلقاً و ان اشتهر بین المتاخرین انه واجب و استدلوا علی وجوبه بوجوب حفظ النظام .

اقول: و هو دلیل لبی یؤخذ بالقدر المتیقن منه و هو فعله مع الاجرة هذا اذا قلنا بتمامیته و هو غیر معلوم نعم نقول بما هو مفاد قوله تعالی: { شَرَعَ لَکُم مِنَ الدّینِ مَا وَصّی بِهِ نُوحاً وَالّذِی أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ وَمَا وَصّیْنَا بِهِ إِبْرَاهِیمَ وَمُوسَی وَعِیسَی أَنْ أَقِیمُوا الدّینَ وَلَا تَتَفَرّقُوا فِیهِ کَبُرَ عَلَی الْمُشْرِکِینَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَیْهِ اللّهُ یَجْتَبِی إِلَیْهِ مَن یَشَاءُ وَیَهْدِی إِلَیْهِ مَن یُنِیبُ}(2)و هی دالة علی مطلوبیة القضاء بین الناس کفایةً عند عدم الانحصار بفرد و مع الانحصار تعییناً لکنها ایضاً ساکتة عن کونه بالاجرة ام بدونها.

و یمکن الاستدلال علی عدم وجوب القضاء بفتوی مشهور المتقدمین بجواز اخذ الاجرة علیه و ذلک بطریق الان - فالمعلول یدل علی العلة- و بذلک یظهر عدم وجوب الصناعات التی یتوقف النظام علیها کفایةً کالطبابة و امثالها کما ویظهر عدم المنافاة فی اخذ الاجرة من قبل الوصی فایجاب القیام بالوصایة من قبیل ایجاب القیام بمفاد عقد الاجارة لمن تقبلها فکما ان تقبل الشخص للاجارة لا ینافی اخذ الاجرة مع کونها واجبة علیه بدلیل وجوب الوفاء بالعقد فکذلک قیام الوصی بما اوصی الیه و اخذ الاجرة علی ذلک و مثله بذل الطعام و الشراب

ص:192


1- المسالک ح/3 ص130
2- الشوری آیة 13

للمضطر لم یعلم کونه واجباً بلا عوض و لا ضمان, قال فی المبسوط: «إذا اضطرّ الإنسان إلی طعام الغیر کان علی صاحب الطعام بذله و المضطرّ إن کان واجدا للثمن لم یکن علیه - ای صاحب الطعام - بذله إلّا ببدل و إن کان قادرا علیه فی بلده لم یجب علی صاحبه بذله بغیر بدله»(1).

فالاشکال فی وجوب ذلک مطلقاً بلا عوض و لا ضمان و لیس من دلیل له الّا الحدس و هو کما تری و یکشف عن عدم وجوب البذل بلا عوض قوله تعالی {فان ارضعن لکم فآتوهن اجورهن}(2) الدال علی جواز رجوع الام المرضعة بعوض ارضاع اللباء مع وجوبه علیها بناءً علی تفصیل سیأتی فی کتاب النکاح , نعم لو لم یکن ولی الطفل الذی تجب نفقة الطفل علیه وجب بذل اللبن وهل یکون عوضه فی ذمة الطفل باقیا ؟ سیأتی البحث عنه فی کتاب النکاح .

و اما الافتاء بین الناس فقد دلت آیة النفر الآمرة بالتفقه فی الدین و انذار القوم عند الرجوع الیهم(3) ان الافتاء امر مجانی فی الشریعة بمعنی انه واجب مطلقاً بذل المال ام لا.

و اما اخذ الاجرة علی تعلیم القران فحیث لا قائل بوجوب تعلیمه فالقاعدة تقتضی جواز اخذ الاجرة علیه هذا و لم یقل بحرمة اخذ الاجرة علیه الّا ابوالصلاح فقال: «یحرم اجر تعلیم المعارف و الشرائع و کیفیة العبادة من النظر الیها و الفتیا بها و

ص:193


1- المبسوط ج6 ص286 -285
2- الطلاق/6
3- الشوری/22

تنفیذ الاحکام و تلقین القران»(1) و قال الشیخ فی الاستبصار بحرمته مع الشرط و الجواز بلا شرط(2) و المشهور هو القول بالجواز کما فی النهایة(3) و المقنعة(4) و السرائر(5) و هو المفهوم من الکلینی حیث روی عن الفضل بن ابی قرة قال: «قلت لابی عبدالله (علیه السلام) ان هؤلاء یقولون ان کسب العلم سحت فقال: کذبوا اعداء الله اذن ارادوا ان لا یعلموا القران و لو ان المعلم اعطاه رجل دیة ولده کان للمعلم مباحاً»(6) و رواه الفقیه ایضاً(7).

و اما خبر حسان المعلم «لا تاخذ علی التعلیم اجراً»(8) و خبر زید عن آبائه عن علی (علیه السلام) اتاه رجل فقال «یا امیرالمؤمنین والله انی احبک لله فقال له و لکن ابغضک لله فقال: و لم قال لانک تبغی فی الاذان اجراً و تاخذ علی تعلیم القران اجراً»(9).

ص:194


1- الکافی فی الفقه ص283
2- الاستبصار ج/3 ص65 ذیل حدیث216
3- النهایة ص367
4- المقنعة ص588
5- السرائر ج/2 ص223
6- الکافی ج/5 ص121
7- من لا یحضره الفقیه، ج 3، ص: 163
8- الکافی ج/5 ص121
9- التهذیب ج/6 ص376 و الفقیه ج/3 ص178

اقول: و هما مع ضعفهما سنداً الاول منهما قابل للحمل علی الکراهة جمعاً بینه و بین خبر ابن ابی قرة و الثانی منهما و ان کان ظاهراً فی الحرمة الّا انه ضعیف ومثلهما فی الضعف مرسلة الفقیه «و نهی النّبیّ صلّی اللّه علیه و آله عن اجرة القارئ الذی لا یقرء إلّا علی أجر مشروط»(1) و خبر جراح المداینی «عن أبی عبد اللّه (علیه السلام): المعلّم لا یعلّم بالأجر و یقبل الهدیة إذا اهدی إلیه»(2) فانه ضعیف سندا .

هذا و ذهب الشیخ فی النهایة و ابن ادریس الی الکراهة مع الشرط لا غیر .

و اما اخذ الاجرة علی الاذان فذهب ابن البراج(3) و الشیخ فی الخلاف(4) و ابن ادریس(5) الی حرمته قیل و هو المشهور(6) و ذهب المرتضی فی المصباح الی کراهة اخذ الاجرة علیه(7).

اقول: و الحرمة هی مقتضی القاعدة بعد ما تبین من حرمة اخذ الاجرة علی العبادات و الواجبات العینیة و الکفائیة و الاذان عبادة نعم التصوت بالفاظ الاذان لاجل اعلام الاخرین لیس باذان لکنه خارج عن محل الکلام و یشبه ذلک بمن

ص:195


1- الفقیه ج3 ص172 باب85 من المعایش
2- الإستبصار فیما اختلف من الأخبار، ج 3، ص: 66ح5
3- المهذب ج/1 ص345
4- الخلاف ج/1 ص290 مسالة 36
5- السرائر ج/1 ص و ص44 الطبع القدیم
6- المختلف ج/2 ص148 مسالة 81 و الذکری ج/3 ص223
7- المختلف ج/2 ص148 و الذکری ج/3 ص223

اتی بصورة الصلاة وهو لا یقصد الصلاة و حینئذ فیجوز اخذ الاجرة علیه الّا ان ذلک حرام من جهة اخری وهی جهة التشریع بان یقصد الفاظ الاذان ولا یقصده(1).

هذا و الاخبار شاهدة علی حرمة اخذ الاجرة علی الاذان کما فی صحیحة محمد بن مسلم عن الباقر (علیه السلام) (لا تصل خلف من یبغی فی الاذان و الصلاة بالناس اجراً و لا تقبل شهادته(2)) و صحیحة حمران المتقدمة و غیرهما وبالحرمة افتی الفقیه فقال: «و قال علیّ (علیه السلام): آخر ما فارقت علیه حبیب قلبی صلّی اللّه علیه و آله أن قال: یا علیّ إذا صلّیت - إلی- و لا تتّخذنّ مؤذّنا یأخذ علی أذانه أجرا»(3).

اقول: و بذلک تظهر حرمة اخذ الاجرة علی الامامة کما هو مقتضی القاعدة و صحیحة ابن مسلم المتقدمة.

حکم النیابة فی العبادات

و اما النیابة فی العبادات: فلا یخفی ان الاصل یقتضی عدم سقوط التکالیف العبادیة بلا فرق بین واجبها ومستحبها عن کل مکلف باتیان غیره بها فلابد لکل مکلف ان یمتثل تکالیفه العبادیة بالمباشرة هذا اولاً و ثانیاً نیابة الشخص عن غیره

ص:196


1- و قد جعله العلامة فی المختلف ج/5 ص49 احتمالاً و لم یجزم به .
2- الوسائل باب 32 ج/3
3- الفقیه (فی 7 من 17 من من صلاته، باب الأذان و الإقامة) و رواه التّهذیب مسندا عن السّکونی فی 31 من أذانه 3 من أبواب زیادات صلاته.

فی امتثال عباداته مع التقرب والاخلاص تحتاج الی الدلیل و قد تقدم الاشکال فیها فی مقام الثبوت فضلاً عن مقام الاثبات.

کما و لاشبهة فی عدم وقوع النیابة عن الاحیاء فی العبادات التی یطلب فیها المباشرة کالصلاة والصوم، الواجبة والمستحبة بضرورة الفقه وکذلک عن الاموات الّا ما خرج بالدلیل کما فی وجوب قضاء الولد الاکبر او کل وارث علی الخلاف عن أبیه او وارثه و کما فی النیابة  بالحج  وکما فیما ورد فی موثقة إسحاق بن عمَّار عن أبی عبد اللَّه (علیه السلام) «فی رجل یجعل علیه صیاماً فی نذر فلا یقوی قال یُعطی من یصوم عنه فی کل یومٍ مُدَّیْن»(1) و لم یخالف فی ذلک احد من المتقدمین الّا  إبن الجنید قیاسا للصوم  والصلاة علی الحج و فیه انه قیاس مع الفارق کما سیتضح واما الاستدلال له بانه احسان فبدیهی البطلان فالاحسان لیس دلیلا للتشریع حتی یجوّز لنا کل ما شک فی مشروعیته والحاصل ان العبادات توقیفیة والتعبد عن شخص بالاجرة خلاف مقتضی القاعدة ومما یحتاج الی دلیل.

فان قلت: ان دعوی خروج الحج  وما ورد فی النذر, لاجل النص فاسدة لان مرجعها الی عدم اعتبار القربة فی الحج .

قلت: بعد ورود النص بشرعیته مع الاجرة لا تعدو هذه الدعوی عن کونها اجتهاداً قبال النص مضافاً الی ان الحج بعد قابلیته للنیابة بالاجرة و بدونها بالنص لا مانع من التقرب به بالاقدام علیه و ادائه فلیست القربة الا اتیان الشیء امتثالاً لامر

ص:197


1- الکافی ج/7ص457ح15 والفقیه ج3ص374

المولی و هنا امر المولی حاصل بالحج النیابی بالاجرة فلا اشکال فی البین بخلاف الصلاة و الصوم التی لم یرد النص بمشروعیتها بالنیابة فضلاً عن الاجرة علیها فکیف یؤتی بهما بعنوانهما؟ الیس ذلک تشریعاً محرماً.

هذا و ما قیل من تصویر النیابة من جعل النائب نفسه بدلاً عن المیت فی الاتیان متقرباً بالتکالیف المیت الی الله تعالی فجوابه: انه عین التشریع فبای دلیل یجوز لنا ان ننوب عن المیت بتلک الصلاة؟ و کیف یسقط التکلیف عن المیت بفعل النائب و لو سلمنا صحة ذلک لجری فی الاحیاء کذلک هذا و الایة صریحة فی بطلان ذلک قال تعالی {و ان لیس للانسان الا ما سعی} و قال تعالی{کل نفس بما کسبت رهینة} و تاویلها بان فعل النائب ایضاً مما جاء بسعی المیت تاویل باطل لا شاهد له بل لا ینسب الیه فضلاً عن ان یکون سعیه کما ورد فی روضة الواعظین عن النبی صلی الله علیه واله (اذا مات الانسان انقطع عمله الّا من ثلاث علم ینتفع به او صدقة تجری له او ولد صالح یدعوله)(1) و به استدل ابن زهرة ایضاً(2).

  فروع:

اخذ الاجرة علی الطواف

الاول: من کان اجیراً لغیره فی الطواف فالحق انه یجوز له الطواف عن نفسه الّا اذا اشترط علیه ان لا یطوف عن نفسه و قلنا بجواز هذا الشرط و الدلیل واضح بعد

ص:198


1- البحار ج/2 ص23 ح/70
2- البحار ج/88 ص305 ح/3

تعدد الفعل و ذلک فان المستاجر علیه هو الدفع او الحمل الذی یحصل بمشی الاجیر و المشی مقدمة له و یجوز ان ینوی بهذه المقدمة الطواف عن نفسه و یشهد لذلک ایضاً صحیح هیثم التمیمی قال (قلت لابی عبدالله (علیه السلام) رجل کان مع صاحبته لا تستطیع القیام علی رجلها فحملها زوجها فی محمل فطاف بها طواف الفریضة بالبیت وبالصفا و المروة ایجزیه ذلک الطواف عن نفسه طوافه بها؟ قال: إیهاً الله اذاً)(1) و فسرت ای و الله یکون ذا فالهاء عوض واو القسم کما ذکره جمع من النحاة. وصحیح حفص البختری عن الصادق (علیه السلام) (فی المراة تطوف بالصبی وتسعی به هل یجزی ذلک عنها و عن الصبی قال: نعم)(2) و بذلک یظهر ضعف ما عن ابن الجنید من البطلان(3) نعم لو کان متعلق الاجارة نفس المشی فحیث انه اصبح مستحقاً للغیر فالقاعدة تقتضی عدم حصول الامتثال و التقرب به لله عز وجل فیقع باطلاً.

و اما اخذ الاجرة علی الشهادة: فهل هی جائزة بعد کون ادائها و تحملها -علی القول به - واجباً ؟ مقتضی ما تقدم هو حرمة اخذ الاجرة سواء کان واجباً عینیاً ام کفائیاً.

ص:199


1- و قد رواه الفقیه ج/2 ص309 ح/1534 و التهذیب ج/5 ص125 /410 عن الهیثم بن عروة
2- الکافی ج/4 ص429 ح/11 و التهذیب ج/5 ص135 ح/447
3- المختلف ج/4 ص202مسألة 157

اقول: اما وجوب تحمل الشهادة فاستدل له بقوله تعالی {و لا یاب الشهداء اذا ما دعوا}(1) واما وجوب الاداء فبقوله عزوجل {و لا تکتموا الشهادة و من یکتمها فانه آثم قلبه}(2) و فسرت الاولی فی الصحیح بالدعاء للتحمل(3) و الثانیة لا تحتاج الی تفسیر .

اقول: لکن التعبیر الوارد فی کل النصوص المستفیضة مثل صحیح الحلبی هو «لا ینبغی لاحد اذا دعی الی شهادة ان یشهد علیها ان یقول لا اشهد لکم..» (4)و هذا التعبیر ظاهر فی عدم الوجوب فیکون قرینة مفسرة للایة المبارکة بعدم وجوب تحمل الشهادة وان کان ادؤها واجبا وعلیه فیحرم اخذ الاجرة علی ادائها دون تحملها .

هذا و بعد حرمة اخذ الاجرة علی الواجبات فقد قیل ان کثیراً من الاصحاب صرحوا فی کثیر من الواجبات و المستحبات التی یحرم اخذ الاجرة علیها بجواز ارتزاق مؤدیها من بیت المال لمصالح المسلمین فراجع.

حصیلة البحث:

ص:200


1- البقرة: 282
2- البقرة: 283
3- الکافی ج/7 ص379 و ص380 ح/2 و التهذیب ج/6 ص270 ح/751
4- الکافی ج7 ص380

و مما یحرم التکسب به ما یجب علی الانسان فعله من العبادات سواء کانت مستحبة ام واجبة کالأجرة علی الاذان و الإقامة و اخذ الاجرة علی امامة الجماعة , و اما الواجبات غیر العبادیة فاما اذا لم یکن فیها نفع یعود للمستاجر فیحرم لانه من مصادیق اکل المال بالباطل , نعم تجوز اخذ الاجرة بالنسبة الی الاعمال الخارجة عن الواجب الزائدة علیه کما فی الواجب التخییری المتضمن لخصوصیات اضافیة خارجة عن الواجب. و یحرم اخذ الاجرة علی الافتاء بین الناس و الأجرة علی تعلیم الواجب من التّکالیف. قیل: و من الواجبات الکفائیة تغسیل الموتی و تکفینهم . قلت: الاقوی انها من الواجبات علی ولی المیت و لا مانع من اخذ الاجرة علیها.

و یجوز اخذ الاجرة علی تعلیم القران و علی الصناعات التی یتوقف النظام علیها کفایةً کالطبابة و امثالها کما و الاجرة علی القضاء و اخذ الاجرة من قبل الوصی علی القیام بالوصایة و مثله بذل الطعام و الشراب للمضطر فانه وان کان واجباً لکنه یجوز اخذ عوضه بعد تمکن المضطر. و لا تجوز النیابة عن الاحیاء فی الصلاة و الصوم الّا فیمن یجعل علیه صیاماً فی نذر فلا یقوی فیُعطی من یصوم عنه فی کل یومٍ مُدَّیْن. و تجوز عن الاموات تبرعا و لا تجوز بالاجرة. و من کان اجیراً لغیره فی الطواف فالاقوی انه یجوز له الطواف عن نفسه الّا اذا اشترط علیه ان لا یطوف عن نفسه. و لا یجوز اخذ الاجرة علی اداء الشهادة ویجوز علی تحملها.

ص:201

و هل یحرم بیع المصحف؟

الثانی: صرح الشیخ فی النهایة بحرمة بیع المصحف(1) و مثله ابن ادریس(2) و به قال المصنف فی الدروس(3) و ذکر ان المراد من ذلک خطه و المفهوم من الکلینی هو الکراهة حیث جمع بین ما دل علی المنع مثل موثق سماعة (قال: لا تشتر کتاب الله عزوجل و لکن اشتر الحدید و الورق و الدفتین و قل اشتریت منک هذا بکذا وکذا)(4) و ما دل علی عدم المنع کما فی خبر روح بن عبد الرحیم عن الصادق (علیه السلام) قال (سالته عن شراء المصاحف و بیعها- الی- قال اشتری احب الیّ من ان ابیعه قلت فما تری ان اعطی علی کتابته اجراً قال لا باس)(5).

اقول: و هو الذی یقتضیه الجمع بین الاخبار و یشهد لذلک صحیحة ابی بصیر قال: (سالت اباعبدالله (علیه السلام) عن بیع المصاحف و شرائها- الی- قال: (علیه السلام) اشتریه احب الیّ من ان ابیعه)(6) و هو واضح فی دلالته علی الکراهة هذا و لو سلمنا دلالة الاخبار المانعة علی الحرمة فهی ظاهرة فی الحرمة التکلیفیة و لا دلالة فیها علی الحرمة الوضعیة بمعنی فساد البیع و عدم نفوذه لعدم الملازمة بینهما.

ص:202


1- النهایة:ص368
2- السرائر ج/2 ص218
3- الدروس ص327 و مثله العلامة فی التذکرة ج/1 ص582 الطبع القدیم
4- الکافی ج/5 ص121 و التهذیب ج/6 ص360 ح/1049 الّا انه اسندها الی عثمان بن عیسی.
5- التهذیب ج/6 ص366
6- التهذیب ج/6 ص366 ح/1052

ثم ان الحکم بالحرمة أو الکراهة  جار حتی فی مبادلة مصحف بمصحف للاطلاق و عدم الانصراف خصوصاً اذا ما استظهر المنع لاجل تعظیم القرآن و احترامه.

ثم انه لا ملازمة بین بیع المصحف و بین اخذ الاجرة  علی کتابته و تقدم الخبر فی جوازها.

ثم ان الحکم هل یسری الی ابعاض القرآن أم هو مختص بمجموعه؟ فقد یقال بالاول لدلالة خبر سماعة (و ایاک ان تشتری الورق و فیه القرآن مکتوب فیکون علیک حراماً و علی من باعه حراماً)(1) و فیه: ان هذه العبارة حیث انها معطوفة علی ما سبقها «اشتر منه الدفتین والحدید و الغلاف و ایاک...) و لذا فهی ظاهرة فی الکل و ما هو مورد السؤال ایضاً فی الکل.

بیع المصحف من الکافر

الثالث: بیع المصحف من الکافر حرام و قال به الشیخ فی المبسوط (2)و استدل له بفحوی ما دل علی عدم تملک الکافر المسلم و انه یوجب هتکه و بالنبوی المعروف (الاسلام یعلو ولا یعلی علیه)(3) و بأن بیعه منه یستلزم تنجسه.

ص:203


1- الکافی ج/ ص و التهذیب ج/7 ص231 و السند ضعیف بعبدالله الرازی و بالبطائنی.
2- المبسوط ج/2 ص167
3- الفقیه ج/4 ص334 ح/5719

اقول: اما الاول فهو قیاس باطل و الثانی و الاخیر مدلولهما أعم و اما الثالث فلا دلالة فیه لإجماله اذ لعل المراد منه ان الاسلام یغلب علی سائر الادیان بالحجة والبرهان نعم قد یقال بأن تعریضه للنجاسة و للاهانة نوع هتک و اهانة فهو حرام.

ثم ان الوجوه المذکورة لو تمت لاقتضت حرمة بیع الادعیة و الروایات خصوصاً ما اشتمل منها علی اسماء الله عزوجل و اسماء الانبیاء والائمة (علیه السلام) . هذا و لا اشکال فی اصل تملک الکافر للمصحف للاصل.

حصیلة البحث: یکره بیع المصحف ومن الآداب ان یشتری الحدید و الورق و الدفتین منه و لا یحرم بیعه من الکافر نعم تعریضه للنجاسة و للاهانة نوع هتک و اهانة فهو حرام.

جوائز السلطان بل مطلق المال المأخوذ منه

الرابع: جوائز السلطان بل مطلق المال المأخوذ منه مجاناً أو عوضاً بل و غیر السلطان الجائر من السراق و المغتصبین و قد ذکر لهذه المسألة اقسام اربعة: باعتبار ان الاخذ اما ان یعلم ولو اجمالاً بوجود الحرام فی اموال الجائر أو لا یعلم و علی الاول اما ان لا یعلم بوجود الحرام فی خصوص المال المأخوذ أو یعلم و علی الثانی اما ان یعلم بالحرام اجمالاً أو تفصیلاً . اقول: و حیث ان اخبار الحل وغیرها مما ورد بخصوص المقام محکمة الدلالة علی حلیة کل ما لا یعلم بحرمته بالخصوص فالصحیح فی کل صور المسألة هو الحلیة الّا فی الفرع الاخیر و هو ما

ص:204

اقترن بالعلم بالحرام تفصیلاً بمقتضی عمومات الحل (کل شیء لک حلال حتی تعرف انه حرام بعینه)(1), و (کل شیء فیه حلال و حرام فهو لک حلال ابداً حتی تعرف الحرام منه بعینه فتدعه)(2) .

هذا و الروایات الخاصة مستفیضة منها: صحیحة ابی المغرا (امر بالعامل فیجیزنی بالدراهم آخذها؟ قال: نعم قلت واحج بها قال: نعم)(3) و صحیحة ابی ولاد و فیها: (فقال لی: کل و خذ منه فلک المهنا و علیه الوزر)(4) و خبر یحیی بن ابی العلا (ان الحسن و الحسین کان یقبلان جوائز معاویة)(5) و خبر محمد بن مسلم و زرارة قالا: ( سمعناه یقول جوائز العمال لیس بها بأس)(6) و هی تدل علی حلیة مال العمال و السلطان و ان کان علیهم حراماً نعم لو علمت انها للغیر فهی حرام کما هو مقتضاها و بذلک افتی الشیخ،(7) و اما ما قیل من عدم شمول هذه الاخبار لموارد العلم الاجمالی المنجز الذی یقتضی وجوب الاجتناب فاجتهاد قبال النص نعم

ص:205


1- الکافی ج/5 ص313 ح/40
2- الکافی ج/5 ص313 ح/39 و الفقیه ج/3 ص341 ح/4208و التهذیب ج/7 ص227
3- الفقیه ج/3 ص375 ح/3663 و التهذیب ج/6 ص338
4- الفقیه ج/3 ص375 ح/3663 و التهذیب ج/6 ص338
5- ضعیفه سنداً بیحیی الوسائل باب51 من ابواب ما یکتسب به
6- ضعیفه سنداً بعلی بن السندی التهذیب ج/6 ص336 هذا و فی الوسائل جوائز السلطان بدل العمال باب51 من ابواب ما یکتسب ح/ 22360
7- النهایة ص357

یعارض ما تقدم مرسلة الحمیری الواردة فی الاحتجاج(1) الّا انها لا تقاوم ما تقدم کما هو واضح.

ثم انه لو علم اجمالاً اشتمال الجایزة علی الحرام فالقاعدة و ان کانت تقتضی حرمة التصرف کما هو مفاد اخبار الحل فهی دالة بالمنطوق علی حرمة ما علم فیه الحرام تفصیلاً الّا انه فی المسألة تفصیل و هو: ان الاشتباه اما ان یکون موجباً للشرکة و الاشاعة - کاختلاط السمن بالسمن - و اما ان لا یکون کذلک کاختلاط الفرش بالفرش و علی الاول:

    1) اما ان یکون المالک و مقدار المال معلومین.

    2) و اما ان یکونا مجهولین.

    3) و اما ان یکونا مختلفین.

فإذا کان معلومین فلا شبهة فی وجوب رد المال الی صاحبه و ان کانا مجهولین فالمورد من صغریات المال الحلال المختلط بالحرام فیجب فیه التصدق بخمسه علی ما تقدم و ان کانا مختلفین فان کان القدر معلوماً و المالک مجهولاً فسیأتی الکلام فیه و ان کان القدر مجهولاً و المالک معلوماً فهل تجب المصالحة مع المالک للتخلص من حقه بعد اشتغال الذمة بحقه؟ أم یرجع الی القرعة لانها لکل أمر مجهول؟ أم یحکم بالتنصیف للمصالحة القهریة کما ورد ذلک فی الودعی

ص:206


1- الاحتجاج ج/2 ص572

ممن اودعه دینارین؟(1) وجوه لا یبعد الثانی منها حیث لا دلیل علی وجوب المصالحة فیسقط الاول والثالث نوع قیاس و هو باطل عندنا.

و اما القسم الثانی و هو ما لا یوجب الاشتباه الشرکة فیظهر حکمه مما تقدم.

حصیلة البحث:

جوائز السلطان بل مطلق المال المأخوذ منه مجاناً أو عوضاً بل و غیر السلطان الجائر من السراق و المغتصبین لها اقسام اربعة: باعتبار ان الآخذ اما ان یعلم ولو اجمالاً بوجود الحرام فی اموال الجائر أو لا یعلم و علی الاول اما ان لا یعلم بوجود الحرام فی خصوص المال المأخوذ أو یعلم و علی الثانی اما ان یعلم بالحرام اجمالاً أو تفصیلاً . و الصحیح فی کل صور المسألة هو الحلیة الّا فی الفرع الاخیر و هو ما اقترن بالعلم بالحرام تفصیلاً. و لو علم اجمالاً اشتمال الجایزة علی الحرام ففی المسألة تفصیل و هو: ان الاشتباه اما ان یکون موجباً للشرکة و الاشاعة کاختلاط السمن بالسمن و اما ان لا یکون کذلک کاختلاط الفرش بالفرش و علی الاول: اما ان یکون المالک و مقدار المال معلومین, و اما ان یکونا مجهولین , و اما ان یکونا مختلفین , فإذا کان معلومین فیجب رد المال الی صاحبه و ان کانا مجهولین وجب التصدق بخمسه و ان کانا مختلفین فان کان القدر معلوماً و المالک مجهولاً کان حکمه حکم مجهول المالک من وجوب الفحص عن مالکه و بعد الیأس التصدق به عنه, و ان کان القدر مجهولاً و المالک

ص:207


1- الفقیه (فی 12 من أخبار صلحه) و رواه التّهذیب فی آخر صلحه ایضا.

معلوماً یرجع الی القرعة لانها لکل أمر مجهول و اما القسم الثانی و هو ما لا یوجب الاشتباهُ الشرکةَ فیظهر حکمه مما تقدم.

حکم ما یأخذ من السلطان

ما یؤخذ من السلطان حلال و الحلیة فیه ظاهریة کما تشهد لذلک صحیحة الحذّاء فقال (علیه السلام) فیها فی جواب السؤال عن الشراء من السلطان (و ما الابل الّا مثل الحنطة و الشعیر و غیر ذلک لا بأس به حتی تعرف الحرام بعینه)(1) فانها شاملة للجائزة و عدم البأس فیها مقید بعدم عرفان الحرام نظیر سائر الخطابات المتضمنة للاحکام الظاهریة .

و اما ما قد یقال: من حلیتها الواقعیة حتی فی صورة العلم تفصیلاً بحرمة الجائزة اخذاً باطلاق نفی البأس عنها و لکن مع عدم عرفان مالکه فخلاف منطوق ادلة الحل من کون الغایة من ذلک هو معرفة الحرام بعینه سواء علم مالکه أم لم یعلم .

نعم یمکن دعوی الحلیة الواقعیة فی موردین احدهما: ما اذا اخذ الربا مع جهله بحرمته بلا فرق بین کونه متمیزاً أم مخلوطاً. و ثانیهما: اذا وصل مال الی ید الوارث مع علمه بان فیه رباً فان جمیع المال یکون حلالاً للوارث مع اختلاطه و یشهد لهما: صحیحة ابی المغرا عن الصادق (علیه السلام) قال: (کل ربا اکله الناس بجهالة ثم تابوا فانه یقبل منهم اذا عرف منهم التوبة و قال: لو ان رجلاً ورث من ابیه مالاً و قد عرف ان فی ذلک المال رباً و لکن اختلط فی التجارة بغیر حلال کان حلالاً

ص:208


1- الوسائل ج/12 باب52 من ابواب ما یکتسب ح/5

طیباً فلیأکله و ان عرف منه شیئاً انه ربا فلیأخذ رأس ماله و لیرد الربا و ایما رجل افاد مالاً کثیراً قد اکثر فیه الربا فجهل ذلک ثم عرفه فاراد ان ینزعه فما مضی له و یدعه فیما یستأنف)(1) و مثلها صحیحة الحلبی عن الصادق (علیه السلام) قال (اتی رجل ابا عبدالله (علیه السلام) فقال انی ورثت مالاً و قد علمت ان صاحبه الذی ورثته منه قد کان یربی و قد عرفت ان فیه رباً و استیقن ذلک و لیس یطیب لی حلاله لحال علمی فیه و قد سألت فقهاء العراق و اهل الحجاز فقالوا لا یحل اکله فقال ابو جعفر (علیه السلام): ان کنت تعلم بان فیه مالاً معروفا ربا و تعرف اهله فخذ رأس مالک ورد ما سوی ذلک و ان کان مختلطاً فکله هنیئاً فان المال مالک و اجتنب ما کان یصنع صاحبه)(2) و قریب منها غیرها و قد عمل بها ابن الجنید فقال (ثم تبین له ان ذلک ربا أو ورث مالاً یعلم ان صاحبه  یربی و لا یعلم الربا بعینه فیعزله جازله اکله و التصرف فیه اذا لم یعلم فیه الربا)(3) و قد افتی الشیخ فی النهایة بالمورد الاول(4) و کذلک الصدوق فی الفقیه(5) و نسبه فی المختلف الی مقنعه ایضاً(6) و یشهد للمورد

ص:209


1- الوسائل ج/12 باب5 من ابواب الربا ح/2
2- المصدر السابق ح/3
3- المختلف ج/5 ص109
4- النهایة ص376
5- الفقیه ج/3 ص157
6- المختلف ج/5 ص109 و لا یوجد فی المطبوع من المقنع

الاول ایضاً قوله تعالی {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهی فله ما سلف}(1) و بها احتج الشیخ(2).

قلت: و هو الظاهر من الایة فلا یصغی الی احتمال العود الی الذنب بمعنی سقوطه عنهم بالتوبة أو ما کان فی زمان الجاهلیة کما ذکره الشیخ فی التبیان(3) و بذلک یظهر ضعف قول ابن ادریس حیث قال: بوجوب رد المال.(4)

ثم انه هل یکره اخذ الجائزة من الجائر؟ اقول: اقوی ما استدل به للکراهة صحیحة ابی بصیر (ان احدکم لا یصیب من دنیاهم شیئاً الا اصابوا من دینه مثله)(5) و فیها: انها ناظرة الی اعانة الظالم و کون الشخص من اعوان الظلمة فهی اجنبیة عن المقام و ثانیاً بخبر عبد الله بن الفضل عن ابیه عن الکاظم (علیه السلام) (و الله لولا انی اری من ازوجه بها من عزاب بنی ابی طالب لئلا ینقطع نسله ما قبلتها ابداً)(6) و هی مع ضعفها سنداً مجملة و ذلک باعتبار ان الامام هو الولی الشرعی و ان ما یأخذه من الظالم اما ان یکون من بیت المال أو مجهول المالک أو معروفه أو من اموال الظالم الشخصیة و لا شک فی ولایة الامام علی الاول و الثانی بل و حتی الثالث

ص:210


1- البقرة: 275
2- نقل ذلک المختلف ج/5 ص110
3- التبیان ج/2 ص360
4- السرائر ج/2 ص251
5- التهذیب ج/6 ص331
6- العیون ج/1 ص77 ح/5

بدلیل قوله تعالی {النبی اولی بالمؤمنین من انفسهم}(1) الدالة بمفهومها علی الولایة علی اموالهم و الاخیر یجوز اخذ المال فیه فاذاً من المحتمل ان یکون اشمئزاز الامام (علیه السلام) عن قبوله للهدیة من جهة استلزامها للمنة و ای منة؟ المنة فی حق هو للامام اخذ منه غصباً یمن به الغاصب علی الامام (علیه السلام) فالروایة اجنبیة عن المقام بل و لا دلالة فیها علی الکراهة بعد عدم ظهورها فی الکراهة .

ثم انه لیس من دلیل یدل علی تخمیسها و ارتفاع الکراهة بعد ذلک.

ثم انه هل یجوز اخذ الجائزة من الظالم بعد العلم بحرمتها أم لا؟  فی المسألة صور متعددة: 

الاولی: فی ما لو اخذها تقیة مع عدم المندوحة واکراهاً و لا شک فی جواز الاخذ و عدم الضمان و لو کان الاخذ لا بنیة الرد بل بنیة عدم الرد و ذلک لانه معذور بأخذه نعم تکون عنده امانة شرعیة یلزمه احکامها.

الثانیة: فی اخذها عند عدم التقیة و الاکراه و لها صور ثلاثة:

الاولی: مع العلم بعدم رضا المالک فلا یجوز اخذها مطلقاً و ذلک لحرمة التصرف بأموال الناس بلا اذن منهم وکما هو مقتضی قاعدة السلطنة. لا یقال: ان الاخذ و

ص:211


1- ثم انه لا فرق بین ولایة النبی صلی الله علیه واله و الائمة علیهم السلام کما هو معلوم من ضرورة المذهب بل و حتی عند العامة بعد روایتهم حدیث الغدیر المشتمل علی قوله صلی الله علیه واله: (من کنت مولاه فهذا علی مولاه) .

الرد احسان و قد قال تعالی (ما علی  المحسنین من سبیل)(1) فانه یقال: لیس بأحسان حتی تکون الایة المبارکة حاکمة علی قاعدة السلطنة .

الثانیة: مع العلم برضا المالک ولا شک فی جواز الاخذ بنیة الرد و انها تکون امانة فی یده و هل هی امانة شرعیة أم مالکیة؟ و جهان فاذا قلنا بکفایة رضا المالک بلا انشاء فالصحیح هو الثانی و الا فالاول و قد یستدل علی کفایة ذلک من السیرة  فتأمل.

الثالث: مع الشک فی رضاه و حیث ان الاخذ بنیة الرد احسان فهو مشمول لقاعدة الاحسان{ ما علی المحسنین من سبیل} و حینئذ تکون امانة شرعیة بیده.

و اما اخذها لا بنیة الرد فهو ظلم وعدوان ولا شک فی کونه ضامنا کما هو واضح وبذلک یظهر الحال بالنسبة الی حکمها بعد ما اخذها و علم بکونها حراماً فانه  قبل العلم بکونها حراماً لا یضمنها الّا من جهة اتلافها - علی القول لشمول قاعدة الاتلاف للمقام - و عدم الضمان لان یده لیست یداً عدوانیةً و ان کانت بقصد التملک نعم بعد علمه بانها حرام فهی امانة بیده و حینئذ یلزمه احکامها .

و اما لو تلفت فی یده قبل العلم فالمعروف انه ضامن لقاعدة الاتلاف و انه یجوز له الرجوع الی من غرّه لقاعدة الغرور الّا ان التحقیق هو عدم الضمان و ذلک بدلیل قاعدة نفی الوزر قال تعالی {و لا تزر وازرة وزر اخری} الدالة علی نفی وزر ما ارتکبه الاخرون فوزر الجایزة علی الظالم الذی غر الآخذ بذلک  و الوزر لغةً هو الثقل و تبعات العمل الذی ارتکبه و هو یعم الضمان ایضاً.

ص:212


1- التوبة: آیة91

هذا و لو منعنا دلالة الایة المبارکة فنقول: ان ادلة ضمان اتلاف الشیء قاصرة عن اثبات الضمان لما نحن فیه و ذلک فان قاعدة الاتلاف قاعدة متصیدة من الروایات المثبتة للضمان فی الموارد العمدیة لا فی مثل المقام الذی یسند فیه الاتلاف الی السبب لا المباشر فالصحیح هو عدم الضمان علی المباشر.

ثم انه هل بمجرد اخذ مال الغیر یحصل الضمان أم لابد للضمان من سبب اخر غیر مجرد الاخذ؟

اقول: الصحیح هو الثانی بعد کون الضمان امراً شرعیاً و تکلیفاً مستقلاً فهو بحاجة الی دلیل فصرف وضع الید علی مال الغیرکما فی موارد الجهل و اعتقاد الخلاف لا دلیل علی کونه موجباً للضمان لا من طریق السیرة و لا من جهة الاخبار مضافاً الی انه یمکن حمل ما ورد علی الید العدوانیة. 

ثم انه یجب رد ما اخذ من الجائر الی اهله فیما اذا کان معلوم المالک و لا شبهة فی ذلک بعد کونه امانةً فی یده کما دلت علیه الایة المبارکة {ان الله یأمرکم ان تؤدوا الامانات الی اهلها}(1) و الاخبار الاتیة.

و هل الاداء یحصل بمجرد اعلام المالک بذلک و التخلیة بینه و بین ماله أم لابد من حمله الیه و اقباضه منه؟ قد یستظهر الثانی من الایة المبارکة لکنه غیر صحیح عرفاً و ان المرتکز فی اذهان العرف انما هو التخلیة بینها و بین صاحبها کما حکی ذلک عن اکثر الفقهاء.

ص:213


1- النساء:61

و اما لو کان مالکه مجهولاً فحکمه حکم مجهول المالک من وجوب الفحص عن مالکه و بعد الیأس التصدق به عنه کما هو احد الاقوال فی المسألة.

و قد یقال: بعدم وجوب الفحص فیجوز التصدق به بغیر فحص استناداً الی جملة من الروایات کما فی خبر ابن ابی حمزة (قال: فاخرج من جمیع ما اکتسبت فی دیوانهم فمن عرفت منهم رددت علیه ماله و من لم تعرف تصدقت له)(1) و غیره.

اقول: الّا انه مقید - ان قلنا باطلاقه بالتصدق- بما دل علی لزوم الفحص کما فی صحیحة معاویة بن وهب ( فی رجل کان له علی رجل حق ففقده و لا یدری این یطلبه و لا یدری احی أو میّت و لا یعرف له وارثاً و لا نسباً و لا ولداً قال: اطلب قال: ان ذلک قد طال فاتصدق به؟ قال: اطلبه) (2).

هذا و یکفی فی الدلالة علی لزوم الفحص الایة المبارکة المتقدمة، نعم هی مقیدة بالتمکن الفعلی من الاداء و الفحص لقبح التکلیف بغیر المقدور علیه فلا یجب الفحص مع عدم التمکن منه.

ثم انه لو ادعی المال شخص ففی سماع دعواه سواء کانت مع توصیفه المال أم لا بناء علی تقبل دعوی المالکیة فیما اذا کانت بلا معارض أم مع توصیفه المال تنزیلاً للمقام باللقطة - حسبما قیل- أم یعتبر احراز المالکیة بطریق معتبر کالبینة و العلم؟ وجوه الاظهر هو الاخیر کما هو مقتضی الایة المتقدمة الدالة علی لزوم اداء المال الی اهله مضافاً الی صحیحة ابی نصر قال (سألت ابا الحسن الرضا (علیه السلام)

ص:214


1- الکافی ج/5 ص106 
2- الکافی ج/ 7 ص153

عن  الرجل یصید الطیر الذی یسوی دراهم کثیرة و هو مستوی الجناحین- الی- و ان جاءک طالب لا تتهمه رده علیه)(1) الدالة علی کفایة الاطمینان و لا دلالة فیها علی عدم لزوم الفحص الّا بالاطلاق و هو سهل.

و اما مجرد ادعاء المالکیة فلا دلیل علی کونه طریقاً شرعیاً لاحراز المالک حتی مع توصیف المال و اصالة الصحة فی دعواه لا تثبت ان المال ملکه بل مدلولها عدم نسبة الکذب الیه بتلک الدعوی کما هو مقتضی حمل فعل المسلم علی الصحیح و بذلک یظهر ضعف قول الشیخ فی الخلاف و المبسوط من جواز دفعها الی من یدعیها اذا غلب علی ظنه انه صادق و لا یجب علیه ذلک(2) فانه لا دلیل علی حجیة هذا الظن و بذلک رده ابن ادریس(3) .

اقول: و ان کان حجة لوجب علیه دفعها الیه لا انه یجوز و لا یجب نعم اذا لم یکن الشخص واضعاً یده علی المال حتی یجب علیه رده الی مالکه تجوز له المعاملة مع من یدعیه معاملة المالک، قیل وهو مقتضی السیرة العقلائیة و یؤیده خبر منصور بن حازم عن الصادق (علیه السلام) «قال قلت عشرة کانوا جلوساً فی وسطهم

ص:215


1- الوسائل ج/17 باب51
2- الخلاف ج/3 ص587 مسأله 15 و المبسوط ج/3 ص329
3- السرائر ج/2 ص111

کیس فیه الف درهم فسأل بعضهم بعضاً ألَکُم هذا الکیس فقال کلهم لا و قال واحد منهم هو لی فلمن هو ؟ قال: للذی ادعاه»(1).

ثم انه لو احتاج الفحص الی بذل المال فهل یجب أم لا؟ مقتضی اطلاق الامر فی الایة و صحیحة ابن وهب المتقدمة هو الاول بلا فرق بین کون استیلائه علیه بسبب شرعی أم بغیره نعم لو استلزم ذلک ضرراً مالیاً لا یتحمل عادةً فبدلیل لا ضرر یحکم بعدم وجوبه.

لا یقال: انه فی موارد الاحسان قد نفی عنه السبیل کما هو مقتضی قوله تعالی {ما علی المحسنین من سبیل} فکیف تقولون بالضمان؟ فانه یقال: ان وجوب الفحص و بذل المال لاجله تکلیف مستقل لا ربط له بکونه محسناً أم غاصباً و بذلک یظهر انه تکلیف علی نفس الشخص فلا یجب علی حاکم الشرع تقبله و الفحص عنه، نعم یجوز له ذلک اذا قلنا بولایته العامة.

ثم انه لو تقبله حاکم الشرع - بناءاً علی ولایته العامة – جاز له صرف مقدار منه للتعریف به و اما غیره فلا ولایة له علی مال الغائب حتی یجوز له ذلک.

و اما مقدار الفحص فهل یکفی فیه طبیعی الفحص عن المالک؟ أم یجب ذلک بمقدار یقطع الواجد أو یطمئن بعدم امکان الوصول الیه؟ أم یجب الفحص عنه سنة کاملة؟ الصحیح هو الثانی بعد کون الاول بعیداً عن المتفاهم العرفی و المرتکز الشرعی و شهادة صحیحة ابن وهب بتکرار الطلب.

ص:216


1- الوسائل ج/18 باب17 و فی سندها محمد بن الولید قیل و هو مشترک بین الخزاز الثقة و الصیرفی الضعیف فلابد من المراجعة.

و اما الاخیر فلا شاهد له الّا خبر حفص بن غیاث و هو ضعیف سنداً به و بالقاسم بن محمد مضافاً الی وروده فی خصوص ایداع اللص فلا یتعدی الی غیره، و التعدی عنه الی ایداع الغاصب قیاس باطل فضلاً عن کل ما یؤخذ منه و لو بغیر عنوان الودیعة و مثله التعدی الی مطلق مجهول المالک.

و اما قول ابن ادریس: وروی انه - یعنی جوائز السلطان - یکون بمنزلة اللقطة(1) فمضافا لارساله انما هو اشارة الی خبر حفص المتقدم .

اقول: و الحاصل کفایة التعریف بما یحصل به القطع و الاطمینان بعدم امکان الوصول الی المالک .

ثم ان مجهول المالک هل یتصدق به؟ أو یحفظه الواجد مادام حیاً لمالکه ویوصی به بعد مماته؟ أو یتملکه؟ أو یعطیه للحاکم الشرعی؟ أو هو للامام (علیه السلام) ؟

اقول: لیس عندنا عنوان اسمه مجهول المالک و انما وردت احکام للمال الضایع- اللقطة- و اما ما خرج عنه کالمدفون فی ارض خربة أو المأخوذ من السلطان الجائر و غیر ذلک من العناوین فکل حسب ما ورد فیه من النصوص و الفتاوی فما نحن فیه - و هی جوائز السلطان- ان عرفت انها حرام فقد قال ابن ادریس (ان الجائزة مع العلم بحرمتها ترد الی اربابها فان لم یعرفهم و اجتهد فی طلبهم فقد روی اصحابنا انه یتصدق بها)(2).

ص:217


1- السرائر ج2 ص 204
2- السرائر ج/2 ص 203 

قیل: و یشهد له خبر ابن ابی حمزة المتقدم و لعل ابن ادریس اشار الیها و فیها (فاخرج ما جمیع ما اکتسبت فی دیوانهم فمن عرفت ردت علیه ماله و من لم تعرف تصدقت به).

اقول: الّا انها واردة فیما اکتسبه العامل للظالمین من اموال و شمولها للجوائز خلاف ظاهرها و قد تقدم انها مقیدة بصحیحة ابن وهب الدالة علی لزوم الفحص «ان کان لها اطلاق» الّا ان الظاهر انها لا اطلاق لها و علیه فصحیحة ابن وهب تکون مفسرة لها .

هذا و یشهد لقول ابن ادریس صحیحة یونس (عمن بقی متاعه فی رحل الاخرین و لا یعرفونه و لا بلده ففیها انه (علیه السلام) قال: اذا کان کذا فبعه و تصدق بثمنه قال له: علی من جعلت فداک؟ قال: علی اهل  الولایة)(1).

هذا و لا یضر فی سنده العبیدی فانه ثقة علی المختار وانما اشکال ابن الولید فی ما تفرد به عن یونس و هنا لم ینفرد فیما نقل مضافا لاعتماد الکافی علیه.

و اما ما فی معتبر هشام بن سالم قال: سأل حفص الاعور ابا عبد الله (علیه السلام) و انا عنده جالس قال ( انه کان لابی اجیراً کان یقوم فی رحاه و له عندنا دراهم و لیس له وارث؟ قال ابو عبد الله (علیه السلام) تدفع الی المساکین ثم قال رأیک ثم اعاد علیه المسألة فقال له مثل ذلک فاعاد علیه المسألة الثالثة فقال ابو عبد الله (علیه السلام) تطلب

ص:218


1- الوسائل ج/17 ص357 باب 7 ح/2 من کتاب اللقطة . ورواه عن الکلینی.

وارثاً فان وجدت وارثاً و الّا فهو کسبیل مالک)(1) فالظاهر منه التخییر بین التصدق و التملک لکنه غیر موثوق به و ذلک لان قوله (علیه السلام) «تدفع الی المساکین» انما ورد فی نسخة التهذیب(2) و اما نسخة الکافی وسندها معتبر ففیها «قال: قد طلبناه فلم نجده؟ قال: فقال: مساکین «و حرّک یدیه» قال: فأعاد علیه، قال: أطلب و اجهد»(3) کما و ان نسخة الفقیه هکذا « قال: رابک المساکین رابک المساکین(4)» و مع اختلاف نسخ الروایة لا یمکن التعویل علی واحد منها کما لا یخفی .

و اما خبر داود بن ابی یزید عن الصادق (علیه السلام) الظاهر فی کون مجهول المالک ملکاً للامام (علیه السلام) و فیه امر الامام بتقسیمه علی الشیعة ففیه: «قال قال له رجلٌ إنّی قد أصبت مالًا و إنّی قد خفت فیه علی نفسی فلو أصبت صاحبه دفعته إلیه و تخلّصت منه قال له فو اللّه لو أصبته کنت تدفع إلیه قال إی و اللّه قال (علیه السلام) فلا و اللّه ما له صاحبٌ غیری قال و استحلفه أن یدفع إلی من یأمره قال فحلف قال

ص:219


1- الوسائل ج/13 باب22 من ابواب الدین و الفرض ج/3
2- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان)، ج 7، ص: 177ح38
3- الکافی (ط - الإسلامیة)، ج 7، ص: 153ح1 والفقیه فی 2 من میراث المفقود و التهذیب (فی أواخر رهونه) .
4- من لا یحضره الفقیه، ج 4، ص: 330ب میراث المفقود

اذهب فاقسمه فی إخوانک و لک الأمان فیما خفت قال فقسمه بین إخوانه»(1) فهو ضعیف سندا نعم اعتمده الکلینی و الصدوق و لا ینافی ما تقدم لاحد امور:

الاول: مالکیتهم لمجهول المالک کما هو المفهوم من صحیح محمّد بن القاسم بن الفضیل بن یسار، عن أبی الحسن (علیه السلام) الوارد فی من لا یَعرف له وارثا ففیه: «فی رجل کان فی یده مال لرجل میّت لا یعرف له وارثا کیف یصنع بالمال، قال: ما أَعرَفَکَ لمن هو یعنی نفسه (علیه السلام) »(2).

الثانی: اباحتهم علیهم السلام ما یختصون به لشیعتهم کما ورد فی بعض الاخبار المتضمنة لهذا المعنی(3).

الثالث: انه من جملة الموارد التی تصرف فیها الامام (علیه السلام) حسب ولایته العامة. 

والحاصل:  ان الذی دل علیه الدلیل هو ان وظیفة من بیده المال التصدق به بعد الیأس من صاحبه و لا یجب ارجاعه الی الحاکم لما عرفت .

هذا و قد یقال بانه لا ولایة للحاکم علی ذلک المال لان ولایته مستفادة من الحسبة و مع ولایة غیره - علی الامساک بذلک المال و التحفظ به مادام یحتمل

ص:220


1- الفقیه، ج 3، ص: 297 و الکافی؛ ط - الإسلامیة ج 5ص 138 باب اللقطة و الضالة
2- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان)، ج 9، ص: 390ح10
3- اصول الکافی ج/1 ص409 ح5

الظفر بمالکه و بالتصدق به بعده - لا مجال لاثبات الولایة للحاکم الّا اذا ثبت له ولایة عامة و سیأتی الکلام عنها.

حکم من ابتاع حیواناً فوجد فی جوفه شیئاً

هذا و من ابتاع حیواناً فوجد فی جوفه شیئاً له قیمة عرّفه البایع فان عرفه اعطاه و ان لم یعرفه فهل یجب علیه فیه الخمس و کان له الباقی کما قال المفید و الشیخ فی النهایة و ابن البراج و ابن حمزة و ابن ادریس و الدیلمی(1) و قال الصدوق فیمن وجد درة فی جوف السمکة انه لا یعرّفها للبایع بل ملکها المشتری قال: و لم یرد بهذا خبر عن اصحابنا و لا رواه عن الائمة علیهم السلام احد منهم.(2) و قال علی بن بابویه: ان وجدت فی جوف بقرة أو بعیر أو شاة او غیر ذلک صرة فتعرّفها صاحبها الذی اشتریتها منه فان عرفها و الّا فهی کسبیل مالک.(3) و یشهد له ما رواه ابنه فی الصحیح عن عبدالله بن جعفر الحمیری(4) و به افتی فی المقنع(5) .

ص:221


1- المقنعة ص647 و النهایة ص321 و المهذب ج/2 ص568 و الوسیلة ص279 و السرائر ج/2 ص106 و المراسم ص206
2- المختلف ج/6 ص59
3- المختلف ج/6 ص60
4- الفقیه ج/3 ص189 ح/803 و التهذیب ج/6 ص392 ح/ 1174
5- المقنع ص127

اقول: و لابد من الدلیل علی وجوب اخراج الخمس و هو مفقود و الاستدلال له بانه کالعوض بالنسبة الی ما یوجد فی جوف السمکة یرده اطلاق ما تقدم من الصحیح .

هذا: و المفهوم من التصدق به هو اعطاؤه للفقیر بل و یمکن استظهار شمولها لکل من ورد ذکره فی قوله تعالی {انما الصدقات للفقراء...} و اما جواز الصدقة علی الهاشمی فلاختصاص ادلة المنع بالصدقة الواجبة کما فی معتبرة اسماعیل الهاشمی و صحیحة جعفر الهاشمی و اما ما نقل عن زینب الکبری علیها السلام من انها اخذت الطعام من اطفال الحسین (علیه السلام) ورمت به ... فقیل فی ذلک انها کانت من الصدقات التی تعطی لدفع البلاء و رد القضاء و ان فیها الذلة و المهانة لاهل البیت علیهم السلام فلا یتناسب مع الذریة الطاهرة(1)، هذا مع غض النظر عن ضعف سندها.

 هذا و قد تقدمت صحیحة یونس بان الصدقة علی اهل الولایة - و مورد الروایة ما کان مالکه معروفاً الّا ان رحیله الی منزله المجهول صار سبباً لعدم المکنة و مع الغاء خصوصیة المورد یتم المطلوب .

ص:222


1- مصباح الفقاهة ج/1 – المکاسب المحرمة ص523

حکم ما لو ظهر المالک

ثم انه لو ظهر المالک و اظهر عدم رضاه بالتصدق ففی ضمان المال و عدمه وجوه ثالثها: التفصیل بین مطالبة المالک و عدمها و رابعها: التفصیل بین ما یکون المال مسبوقا بالید العادیة و عدمه.(1)

اقول: بعد حکم المولی بالتصدق لابد للضمان من دلیل وهو: اما قاعدة الید أو الاتلاف أو قیام  دلیل خاص علیه، و قد تقدم عدم صحة الاول و قصور الثانی و الوجه فی قصور الثانی هو ان الدلیل علی ضمان الید هو  السیرة و لم یعلم شمولها لما نحن فیه بلا فرق بین کون یده عدوانیة سابقاً أم لا و ذلک فانه بعد اداء وظیفته الشرعیة و کون تصدقة بامر من المولی خرجت یده عن کونها ید ضمان مضافاً الی القاعدة المتقدمة (کلّما غلب الله علیه فهو اولی بالعذر) الشاملة للحکم الوضعی و التکلیفی بدلیل استدلال الامام بها لسقوط القضاء و الاداء عن المغمی علیه  هذا و العرف یفهم من المعذوریة العموم و لا یفرق بین التکلیفی و الوضعی.

و اما الثالث: فقد یقال بثبوته و هو ما رواه حفص بن غیاث عن الصادق (علیه السلام) (عن رجل من المسلمین أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعاً و اللص مسلم هل یرده علیه؟ قال (علیه السلام) لا یرده علیه فان امکنه ان یرده علی اصحابه فعل و الّا کان فی یدیه «یده - خ ل» بمنزلة اللقطة یصیبها فیعرفها حولاً فان اصاب صاحبها و إلّا

ص:223


1- الکلام هنا عن غیر لقطة الحرم و اما لقطة المحرم ففیها خلاف راجع المختلف ج/6 ص47.

تصدق بها فان جاء صاحبها بعد ذلک خیر بین الاجر و الغرم فان اختار الاجر فله الاجر و ان اختار الغرم غرم له وکان الاجر له) (1)و به افتی الصدوق فی المقنع و الفقیه, و سند الصدوق الی حفص بن غیاث صحیح الّا انه لم یروه عنه فی الفقیه بل رواه عن کتاب سلیمان بن داود المنقری عنه و سنده الیه ضعیف و رواه عنه فی المقنع قائلاً: سأل حفص بن غیاث و لعله اخذ الخبر من کتابه فیکون فی عداد الموثق سنداً لکنه مجرد احتمال و کیف کان فلا وثوق لنا به و علیه فلا دلیل علی الضمان مع التصدق به .

و الاقوی عدم الضمان لانه لو جاز دفعها بامر من الشرع المقدس کان الضمان ضررا علیه فینفی بقاعدة لا ضرر علی المشهور من انها بمعنی نفی الحکم الضرری .

اخذ المال من الجائر

ثم ان اخذ المال من الجائر لا یتصف بشیء من الاحکام الخمسة الّا باعتبار العوارض و الطواریء و هل یجوز الاخذ منه بعنوان المقاصة؟ الصحیح ذلک

ص:224


1- المقنع طبع الهادی ص382 و رواه الکافی مرسلاً ج/5 ص308 ح/21 و فی الفقیه عن سلیمان بن داود المنقری عن حفص بن غیاث و سنده الیه ضعیف ج/3 ص190 ح/1 و رواه التهذیب ضعیفاً ایضاً ج/6 ص396 ح/31 و الاستبصار ج/3 ص123 ح/2 و رواه الوسائل ج/17 ص368 باب 18 من اللقطة . 

بدلیل قوله تعالی {شرع لکم من الدین - الی- ان اقیموا الدین}(1) فالکل مسؤولون عن اقامة احکام الدین لکل حسب وسعه الّا انه مقید بعد تعذر الرجوع الی ولی الامر لتقید الایة بذلک.

هذا و لا شبهة فی ان الجائر مسؤول عن کل تبعات تصرفاته و منها الضمان و انها تکون من جملة دیونه.

ما یأخذه الجائر من الناس

ثم ان ما یأخذه الجائر من الناس باسم الخراج و المقاسمة هل تحصل به براءة الذمة و ان ما یأخذ باسم الزکاة هل یجوز احتسابه من الزکاة ام لا؟ الصحیح هو الاول لدلالة الاخبار علی ذلک منها صحیحة یعقوب بن شعیب (عن العشور التی تؤخذ من الرجل ایحتسب بها من زکاته قال نعم ان شاء)(2) و صحیحة العیص بن قاسم و لا یعارض ذلک بصحیحة ابی اسامة من منع الاحتساب لانهم قوم غصبوا ذلک فقد حملها الشیخ فی التهذیب علی استحباب الاعادة(3) و بذلک تفقد مکانها من الوثوق، هذا و ان کانت الروایات المتقدمة حول الزکاة الا ان المفهوم منها

ص:225


1- الشوری آیة و لعل قوله تعالی من سورة الاحزاب {الّا ان تفعلوا لاولیائکم معروفاً} دال علی جواز التصرف، اذا کان معروفاً و الایة تحتاج الی تحقیق.
2- الکافی ج3 ص543
3- التهذیب ج4 ص40 و الإستبصار فیما اختلف من الأخبار، ج 2، ص: 27 ح9

عرفاً کل ما یعطی للسلطان بعنوان الحق و حینئذ فتشمل الخراج و المقاسمة و بدلیل الاطلاق المقامی حیث لم یرد فی الروایات اعادة اعطاء الحق بعد اعطائه للجائر. و ایضاً صحیحة الحذاء تدل علی ذلک لاشتمالها علی حق الزکاة و غیرها کالمقاسمة أو الخراج.

و هل یجوز للجائر اخذ الصدقة و الخراج و المقاسمة من الناس أم لا؟

  فقد یقال بان المحرم انما هو تصدی الجائر لمنصب السلطنة لا الاحکام المترتبة علیها فانها لا تحرم علیه بعد غصبه للخلافه و تقمصها و اجیب بانه و ان کان ذلک ممکناً فی مقام الثبوت الّا انه لا دلیل علیه فی مقام الاثبات و علی هذا فالجائر مشغول الذمة بما یأخذه من حقوق المسلمین ما لم یخرج عن عهدتها و ایضاً فان المولی امضی تلک التصرفات الصادرة منه تسهیلاً للامر علی الاخرین لا أن ذلک الامضاء نفی للوزر عن الجائر . اقول: لکن الصحیح ان التصرفات التی لم یشترط بها شخص الامام (علیه السلام) یجوز للجائر تنفیذها و اجراؤها علی الوجه الشرعی و المطلوب و ذلک لما تقدم من قوله تعالی{ان اقیموا الدین} و ان فعل حراماً بتصدیه للخلافة بلا حق. نعم امضاء الائمة علیهم السلام تصرفاته اعم من ان یکون تصرفه بحق أم بغیر حق و بذلک یظهر حکم تصرفه فی الاراضی و اقطاعها لشخص بعد کون ولایة الامر فیها للامام (علیه السلام) أو نائبه العام و الخاص.

و بذلک یظهر ایضا حکم اخذ مال الصدقة و الخراج و المقاسمة  من الجائر بعوض و بدونه و المعاملة علیه و یشهد لذلک صحیحة الحذاء و فیها   (لا بأس به حتی تعرف الحرام بعینه) جواباً عمن سأل عما اذا اخذ الجائر من الناس اکثر من

ص:226

الحق الذی یجب علیهم و ایضاً لصحیحة اسحاق بن عمار و فیها (عن الرجل یشتری من العامل و هو یظلم قال یشتری منه مالم یعلم انه ظلم فیه احداً) و غیرهما من الروایات(1).

هذا و اطلاق الروایات بحلیة اخذ جوائز الجائر دلیل علی عدم تقید الحکم بالمعاملة مع الجائر بخصوص ما لو کان المال عنده من الزکاة و المقاسمة  و الخراج کما و ان اختصاص عبارات الفقهاء بصورة الشراء بعد الاخذ مبنی علی الغالب و یشهد لذلک صحیحة الهاشمی المتقدمة الواردة فی تقبل الاراضی الخراجیة و تقبل خراجها و جزیة الرؤوس من الجائر قبل اخذه ایاها، فان تقبل الخراج لیس الّا شراؤه منه و صحیحة الحلبی (لا باس ان یتقبل الرجل الارض و اهلها من السلطان) و اما ما فی صحیحة الحذاء (ان کان اخذها و عزلها فلا باس) الظاهرة بدواً بثبوت البأس بالشراء منه قبل الاخذ و العزل فلا ظهور لها بذلک بعد التامل لخصوصیة فی موردها و ذلک لعدم تعین الصدقات قبل العزل و الاخذ و لا دلیل علی تعینها بامر الجائر الّا بالاطلاق و هو مع التأمل فیه قد نفی بهذه الصحیحة و حینئذ لو اشتراها قبل الاخذ فقد اشتری مال نفسه و هو واضح البطلان فتامل.(2)

ثم انه لا شبهة فی ان الاراضی الخراجیة ملک لجمیع المسلمین فلابد من صرف اجرتها فی مصارفه المعینة له - و المعروف بین المتاخرین هو مصالحهم العامة- کما و لا شبهة فی ان امر التصرف فیها و فی خراجها الی الامام (علیه السلام) و ان الجائر

ص:227


1- مثل صحیحة الهاشمی  و لا یضر فی سندها ابان بن عثمان ؛ الکافی ج/ 5ص228
2- وجهه: الشک فی صحة الحمل.

غاصب للخلافة و غایة ما ثبت من الاخبار المتقدمة هو نفوذ تصرفاته فیما اخذه من الناس باسم الخراج و المقاسمة و الصدقة و علیه فیحرم دفع الصدقات الیه مع التمکن من ذلک فقد تقدمت صحیحة عیص بن القاسم عن الصادق (علیه السلام) «فی الزکاة قال: ما اخذوا منکم بنو امیة فاحتسبوا به و لا تعطوهم شیئاً ما استطعتم»(1) و المفهوم منها عرفاً عدم اختصاص ذلک بالزکاة و ان کان مورد الروایة هو الزکاة و یدل علی تعمیم الحکم للخراج و المقاسمة خبر علی بن یقطین الدال علی انه کان یاخذ اموال الشیعة علانیة و یردها الیهم سراً(2), کما و تدل علیه صحیحة زرارة و قد تضمنت انه اشتری ضریس من هبیرة ارزاً بثلاثمائة الف وأدی المال الی بنی امیة و ان الامام (علیه السلام) عض اصبعه علی ادائه(3) و ذلک لان امرهم کان فی شرف الانقضاء و کان اداء المال الیهم بغیر اکراه منهم.

اقول: و کیف ما نفسر الارز أ من  المقاسمة ام من غیرها فالروایة تدل علی جواز عدم تحویل المال الیهم و بضمیمة حرمة اعانة الظالمین یحرم الدفع الیهم هذا و الامام لم یسال عن نوع المعاملة معهم، و لا یقال ان القضیة شخصیة و ذلک لان تفصیلات القضیة بما هی قد نقلت الینا و ان معاملة ما قد وقعت مع عمال الظالمین و قد حکم الامام (علیه السلام) بعدم الاعطاء لهم. و اما احتمال ان المال کان من مال

ص:228


1- الکافی ج/ 3 ص 543
2- الوسائل 12: 140، الباب 46 من أبواب ما یکتسب به، الحدیث 8
3- تهذیب الأحکام (تحقیق الخرسان) ج 6 ص 337 باب93 المکاسب

الناصب کما قیل(1) و انه لا حرمة لنفسه و ماله فبعید عن ظهور الروایة بعد ملاحظة ان طرف المعاملة هو عامل السلطان بما هو عامل و بذلک یظهر عدم شمول الحکم للتعامل مع الظالم اذا ما علم ان الارض لیست خراجیة و انها کانت ملکاً شخصیاً.

تقبل اراضی الانفال او مجهولة المالک

و اما اراضی الانفال او مجهولة المالک: فاطلاق ما تقدم من قوله (علیه السلام) (لا باس ان یتقبل الارض و اهلها من السلطان) دال علی کون مطلق الاراضی حکمها حکم الارض الخراجیة و قد تقدم منا صحة تصرفات الظالم و ان کان فاعلاً للحرام اذا کانت تصرفاته مطابقة للوجه الشرعی و لیس من منع من اعطاء اراضی الانفال بالاجرة.

هذا و مقتضی بعض الروایات المعتبرة تجویز التصرف فی جمیع الاراضی خراجیها و غیر خراجیها للشیعة مجاناً ففی صحیحة مسمع بن عبدالملک عن الصادق (علیه السلام) (یا ابا سیار الارض کلها لنا مما اخرج الله منها من شیء فهو لنا - الی- کل ما فی ایدی شیعتنا من الارض فهم فیه محللون و محلل لهم ذلک الی ان یقوم قائمنا فیجبیهم طسق ما کان فی ایدیهم)(2).

ص:229


1- القائل هو صاحب الحدائق . 
2- الوسائل ج/6 باب4 من الانفال ح/12

هذا و الحکم مختص بالسلطان المدعی للریاسة العامة و شموله لغیره ممن تسلط علی قریة او بلدة یحتاج الی دلیل و هو مفقود لاختصاص الاخبار بالسلطان العام، لا یقال یلزم من ذلک العسر و الحرج فانه یقال: لا عسر و لا حرج. هذا و قد ذکر ان دلیل نفی الحرج لا یصحح المعاملة و لذا لو لم تکن فی البین الاخبار الظاهرة فی امضاء معاملات الجائر لم یمکن تصحیحها بدلیل نفی الحرج کما لا یمکن تصحیح معاملات سائر الغاصبین بذلک.

ثم ان شمول ما تقدم للسلطان الشیعی الجائر هو الصحیح و ذلک فان مورد الروایات و ان کان فی السلطان المخالف الّا ان الحکم لیس مقیداً به و لا بکونه معتقداً لحقانیة ما یأخذ و یمکن ان یدعی اطلاق الروایات هنا و لو مقامیاً من جهة اعتقاد بعض السلاطین بحقانیة مذهب اهل البیت علیهم السلام کما نقل التاریخ ذلک عن هارون العباسی و ابنه المأمون بل ظهور ذلک فی المأمون امر قطعی غیر قابل للانکار، کما و انه لا تقید فی الحکم بمن یأخذ ممن یعتقد بخلافه الظالم کما هو واضح بعد اطلاق الاخبار.

ثم انه لیس للخراج قدر معین بل ما تصالح به السلطان و مستعمل الارض کما تشهد لذلک مرسلة حماد الطویلة (و الارضون التی اخذت عنوة بخیل و رجال فهی موقوفة متروکة فی ید من یعمرها ویحییها ویقوم علیها علی صلح ما یصالحهم الوالی علی قدر طاقتهم من الحق النصف و الثلث و الثلثین و علی قدر ما یکون صالحاً و لا یضرهم)(1).

ص:230


1- الکافی ج/1 ص541

هذا و لو تراضی الجائر مع مستعمل الارض بما یضر بحال مستعمل الارض فهل تبطل المعاملة؟ أو تصح مطلقاً؟ أم تفسد المعاملة بالاضافة الی ذلک المقدار الزائد الذی فیه الضرر؟ الصحیح هو الثانی و ان کان الجائر فاعلاً للحرام فان مقتضی صحة تصرفات الجائر لم تقید بما لا ضرر فیه فراجع.

ثم ان المستفاد من الاخبار مثل صحیحة زرارة و ابن مسلم قالا: (سمعناه یقول جوائز العمال لیس بها بأس)(1) هو حلیة الاخذ سواء کان الاخذ مستحقاً أم لا و اما ادعاء ان الاخبار غیر متعرضة لحکم ذلک فغریب و ای معنی یبقی للاخبار  لو لم  یکن هذا معناها.

حصیلة البحث:

حلیة ما یؤخذ من السلطان ظاهریة الّا فی موردین احدهما: ما اذا اخذ الربا مع جهله بحرمته بلا فرق بین کونه متمیزاً أم مخلوطاً. و ثانیهما: اذا وصل مال الی ید الوارث مع علمه بان فیه رباً فان جمیع المال یکون حلالاً للوارث مع اختلاطه. و اما جواز اخذ الجائزة من الظالم بعد العلم بحرمتها  ففیها صور:  الاولی: فی ما لو اخذها تقیة مع عدم المندوحة واکراهاً و لا شک فی جواز الاخذ و عدم الضمان و لو کان الاخذ لا بنیة الرد بل بنیة عدم الرد و ذلک لانه معذور بأخذه نعم تکون عنده امانة شرعیة یلزمه احکامها.

الثانیة: فی اخذها عند عدم التقیة و الاکراه و لها صور ثلاثة: الاولی: مع العلم بعدم رضا المالک فلا یجوز اخذها مطلقاً الثانیة: مع العلم برضا المالک ولا شک فی

ص:231


1- الوسائل ج/12 باب51 ح/5

جواز الاخذ بنیة الرد و انها تکون امانة فی یده . و الثالث: مع الشک فی رضاه و حینئذ تکون امانة شرعیة بیده. و اما اخذها لا بنیة الرد فهو ظلم وعدوان ولا شک فی کونه ضامنا کما هو واضح و بذلک یظهر الحال بالنسبة الی حکمها بعد ما اخذها و علم بکونها حراماً فانه  قبل العلم بکونها حراماً لا یضمنها و ان کانت بقصد التملک نعم بعد علمه بانها حرام فهی امانة بیده و حینئذ یلزمه احکامها . و اما لو تلفت فی یده قبل العلم فالمعروف انه ضامن و انه یجوز له الرجوع الی من غرّه الّا ان الاقوی هو عدم الضمان. و یحصل الاداء بمجرد اعلام المالک بذلک و التخلیة بینه و بین ماله. و لو ادعی المال شخص فلا تسمع دعواه الّا احراز المالکیة بطریق معتبر کالبینة و العلم. و لو احتاج الفحص الی بذل المال وجب نعم لو استلزم ذلک ضرراً مالیاً لا یتحمل عادةً فلا یجب. و مقدار الفحص هو بان یقطع الواجد أو یطمئن بعدم امکان الوصول الیه. و من ابتاع حیواناً فوجد فی جوفه شیئاً له قیمة عرّفه البایع فان عرفه اعطاه و ان لم یعرفه فهی له و لا یجب علیه فیه الخمس. و لو ظهر المالک و اظهر عدم رضاه بالتصدق لم یضمن المتصدق المال . و یجوز التقاص من الجائر عند عدم امکان الرجوع الی من له الامر. و ما یأخذه الجائر من الناس باسم الخراج و المقاسمة تحصل به براءة الذمة و یحتسب من الزکاة . ویجوز اخذ مال الصدقة و الخراج و المقاسمة  من الجائر بعوض و بدونه و کذلک المعاملة علیه , وکذلک تقبل اراضی الانفال او مجهولة المالک. و یجوز التصرف فی جمیع الاراضی خراجیها و غیر خراجیها للشیعة مجاناً فی زمن الغیبة. و لیس للخراج قدر معین بل ما تصالح به السلطان و مستعمل الارض. و لو تراضی

ص:232

الجائر مع مستعمل الارض بما یضر بحال مستعمل الارض صحت المعاملة . و جوائز السلطان و عماله حلال سواء کان الآخذ مستحقاً أم لا.

شرائط الارض الخراجیة

و بقی الکلام فی شرائط الارض الخراجیة و هی ثلاثة:

الاول: ان تکون الارض مفتوحة عنوة أو صلحا علی ان تکون الارض للمسلمین علی ما فی کتاب الانفال و یثبت ذلک بالطرق الشرعیة من الشیاع المفید للعلم بشهادة العدلین بل و العدل الواحد علی الصحیح من حجیة خبره فی الموضوعات و الاحکام الّا ما خرج بالدلیل کالمرافعات.

و هل تثبت باجراء اصالة الصحة؟ قلنا ان کان المراد من اجراء اصالة الصحة فی فعل الجائر فهو معلوم البطلان لان حکام الجور لا یلتزمون بالاحکام الشرعیة و لا یفرقون بین الحلال و الحرام فلا معنی لاصالة الصحة فی حقهم. و اما غیره فیمکن القول به اعتماداً علی دلیل السیرة.

الثانی: ان یکون الفتح باذن الامام (علیه السلام) و تفصیل الکلام فیه فی باب الانفال أو احیاء الموات.

الثالث: ان تکون الاراضی المفتوحة محیاة حال الفتح لتدخل فی الغنائم و یخرج منها الخمس و یدل علی ذلک امران:

   الاول: ما ورد فی الشریعة المقدسة من ان اموال الکفار الحربیین من الغنائم فیخرج منها الخمس.

ص:233

   الثانی: ان الاراضی کلها کانت بید الکفار و قد اخذها المسلمون بالحرب فلو لم تکن الموات من تلک الاراضی ملکاً للامام لم یبق مورد للروایات الدالة علی ان موات الارض للامام و تلغو حینئذ(1).

حصیلة البحث: شرائط الارض الخراجیة ثلاثة: الاول: ان تکون الارض مفتوحة عنوة أوصلحا علی ان تکون الارض للمسلمین , و الثانی: ان یکون الفتح باذن الامام.

(خاتمة)

فی بیان الحدیث الوارد فی کتاب تحف العقول و رسالة المحکم و المتشابة للسید المرتضی قدس سره الجامع لکلیات ابواب المکاسب و قد اشکل علیه بعدة امور و هی ضعف السند و اضطراب وتشویش المتن اقول: اما ضعف سنده فمن جهة ارساله الا انه قوی من جهات اخر و هی اعتماد صاحب التحف علیه کما ذکر ذلک فی دیباجة کتابه والمرتضی علیه  وثالثاً موافقته لغیره من الایات و الروایات الا ما ندر و اما الجواب عن الجهة الثانیة فالتشویش فیه یعود الی طوله و

ص:234


1- فتأمل و الکلام هنا حسب ما ورد فی المصباح ص547 و لابد من مراجعة اطراف القضیة الارشاد و غیره- و المسألة مربوطه بباب الانفال و هنا کلام حول ارض السواد بالخصوص اعرضنا عنه.

لعله منقول بالمعنی و مع هذا الاحتمال یرتفع الاشکال من اصله نعم ما ینفرد به من تعبیر لا یمکن الاعتماد علیه، هذا: و القواعد المستفادة منه کالتالی:

   1)حرمة الدخول فی اعمال السلطان الجائر و حرمة التکسب عن هذا الطریق.

   2)حرمة الاعانة علی الحرام.

   3)حلیة التجارة بکل ماله منفعة محللة.

   4)حرمة التجارة بکل ما انحصرت منافعه بالحرام و الفساد.

   5) حرمة کل عمل یوجب تقویة الکفر.

   6)حرمة کل عمل یوجب وهن الحق و ضعفه.

   7)حلیة اجارة کل ماله منفعة محللة.

   8) حرمة اجارة کل ما انحصرت منافعه فی الحرام.

   9) حلیة الصنایع التی لا یستفاد منها فی الحرام و کذلک مالها وجه حلال و وجه حرام اذا ما استعملت فی الحلال.

   10) حرمة الصنایع التی لا یکون منها الحرام و الفساد لا غیر ...

    هذا و لم استقص کل القواعد فیها.

مکروهات المکاسب

 (و اما المکروه) من المعاملات (فکالصرف و بیع الاکفان و الرقیق و احتکار الطعام و الذباحة)

کما فی خبر اسحاق ابن عمار  قال: دخلت علی ابی عبدالله (علیه السلام) فخبرته انه ولد لی غلام قال: (الا سمیته محمداً؟ قلت قد فعلت قال فلا تضرب محمداً و لا تشتمه

ص:235

جعله الله قرة عین لک فی حیاتک و خلف صدق بعدک قلت: جعلت فداک فی ای الاعمال أضعه قال: اذا عزلته عن خمسة اشیاء فضعه حیث شئت، لا تسلمه صیرفیاً فان الصیرفی لا یسلم من الربا، و لا تسلمه بیاع اکفان فان صاحب الاکفان یسره الوباء اذا کان، و لا تسلمه بیاع الطعام فانه لا یسلم من الاحتکار و لا تسلمه جزاراً فان الجزار تسلب منه الرحمة و لا تسلمه نخاساً فان رسول الله صلی الله علیه واله قال: شر الناس من باع الناس)(1) .

و اما ما فی خبر سدیر الصیرفی الظاهر بعدم کراهته و قد تضمن ان اصحاب الکهف کانوا صیارفه(2) فأوّله الصدوق بقوله: یعنی صیارفة الکلام و لم یعن صیارفة الدراهم، الا انه لا شاهد له و حمله البعض علی من یأمن السلامة من الربا و حمل ما قبله علی من لم یأمن السلامة منه(3) .

اقول: و صدره شاهد علی معناه فان صدره دال علی توهم الحرمة و قد اجابه الامام (علیه السلام) بما اجاب فدلالته علی عدم الحرمة هو  الظاهر منه و کون اصحاب الکهف صیارفة لا یدل علی عدم کراهته بل جوازه لا غیر و لم یعلم عصمتهم حتی یحمل علی عدم الکراهة.

ص:236


1- الوسائل باب 21 من ابواب ما یکتسب به ح/2 عن الکافی ج/ ص ح/4 باب33 من ابواب المعیشة .
2- الوسائل باب22  من ابواب ما یکتسب به ح/1 عن الکافی ح/2 المصدر السابق و الفقیه باب المعایش ح/18
3- الجواهر ج/22 ص131

ثم ان ظاهر الاصحاب ان ما ورد من تعلیلها بذلک جار مجری الحکمة لا العلة التامة حیث یدور الحکم مدارها  فلا ترتفع الکراهة مع فرض عدمها و خبر سدیر الصیرفی قد عرفت وجهه.  

 (و النساجة)

کما فی خبر اسماعیل الصیقل الرازی عن الصادق (علیه السلام) و فیه: (فقال: لا تکن حائکاً قلت فما اکون قال: کن صیقلاً ...)(1)و اما ما ورد من النهی عن الصلاة خلف الحائک(2) فمضافاً الی ضعفه لعل المراد منه ما ورد فی مرسل احمد الاشعری عن الصادق (علیه السلام) و انه (ذکر الحائک عنده انه ملعون فقال: انما ذاک الذی یحوک الکذب علی الله و رسوله صلی الله علیه واله)(3) .

(و الحجامة)

کما فی خبر طلحه بن زید (ان النبی صلی الله علیه واله قال: انی اعطیت خالتی غلاماً و نهیتها ان تجعله قصاباً أو حجاماً أو صائغاً)(4) و فیه دلالة علی کراهة الصیاغة والقصابة ایضاً. کما جاء کراهتهما فی صحیح ابراهیم بن عبدالحمید عن الکاظم (علیه السلام) و فیه (لا تسلمه سیّاء و لا صائغاً و لا قصاباً و لا حناطاً و لا نخاساً

ص:237


1- الکافی  ج5 ص115ح/6
2- المستدرک ج/1 ص491
3- الوسائل باب23 من ابواب ما یکتسب به ح/1 عن الکافی 142 من ابواب الایمان و الکافی ح/10
4- الکافی (فی 5 من الباب الاول)

فقال: و ما السیّاء؟ قال: الذی یبیع الاکفان و یتمنی موت امتی وللمولود من امتی احب الیّ مما طلعت علیه الشمس و اما الصائغ فانه یعالج غبن امتی و اما القصاب فانه یذبح حتی تذهب الرحمة من قبله ...)(1) .

ثم الحجامة کراهتها الشرط للحجام دون المحجوم له کما فی موثق زرارة عن الباقر (علیه السلام) (سألته عن کسب الحجام فقال مکروه له ان یشارط و لا بأس علیک ان تشارطه و تماکسه و انما یکره له و لا بأس علیک)(2) و غیره(3) و یظهر من صحیح الحلبی کراهة اکله مطلقاً ففیه ان رجلاً سأل عن کسب الحجام فقال: (لک ناضح فقال نعم فقال اعلفه ایاه و لا تأکله)(4) و مثله خبر رفاعة(5) .

و اما ما فی خبر سماعة: (السحت انواع کثیرة منها کسب الحجام اذا شارط)(6) فمعرض عنه أو مأول بالکراهة.

 (و ضراب الفحل)

ص:238


1- الفقیه ج3ص158 باب المعایش ح/17  و رواه التهذیب و الاستبصار فیهما: ( و اما الصائغ فانه یعالج رین امتی)
2- الکافی ح/4 من باب34 من ابواب المعیشة و الوسائل باب9 من ابواب ما یکتسب به ح/9
3- الوسائل باب9 من ابواب ما یکتسب به ح/1
4- الوسائل باب9 من ابواب ما یکتسب به ح/2
5- الوسائل باب 9 من ابواب ما یکتسب به ح/3
6- الوسائل باب5 من ابواب ما یکتسب به ح/2

ففی صحیحة معاویة بن عمار (قلت اجر التیوس؟ قال ان کانت العرب لتتعایر به و لا بأس)(1) و فی خبر حنان بن سدیر عن الصادق (علیه السلام) (کل کسبه فانه حلال و الناس یکرهونه قال حنان قلت لای شیء یکرهونه و هو حلال؟ قال: لتعییر الناس بعضهم بعضاً)(2)و المستفاد منها عدم کراهة شرعیة فیه و انما الکراهة عرفیة فیما بین الناس.

(و کسب الصبیان و من لا یجتنب المحرم)

ففی معتبر السکونی عن الصادق (علیه السلام) (نهی النبی صلی الله علیه واله عن کسب الاماء فانها ان لم تجد زنت الّا امة قد عرفت بصنعة ید و نهی عن کسب الغلام الذی لا یحسن صناعةً بیده فانه ان لم یجد سرق)(3) و لا یخفی ان المراد بالغلام هو الصبی اقول الا ان تعمیم الخبر لکل من لا یجتنب عن المحرمات مبنی علی الغاء خصوصیة الامة کما هو المفهوم عرفاً.

(و) المکسب (المباح ما خلا عن وجه رجحان) و عن وجه مرجوحیة لتتحقق الإباحة بالمعنی الأخص.

ص:239


1- الوسائل باب12 من ابواب ما یکتسب به ح/2 و الکافی باب اخر ابواب المعیشة الحدیث الاول
2- المصدر السابق ح/2 من الکافی اخر ابواب المعیشة 
3- الکافی ج5ص128 باب42 من ابواب المعیشة ح/8

تنقسم التجارة بانقسام الاحکام الخمسة

(ثم التجارة) لا موضوعها (تنقسم بانقسام الاحکام الخمسة)

و عد من الواجب ما یضطر الیه الانسان لمؤونته و مؤنة عیاله الواجبی النفقة علیه فاذا قلنا بوجوب حفظ النفس کما هو ظاهر قوله تعالی{ و لا تقتلوا انفسکم انه کان بکم رحیما}(1) و مثلها آیة التهلکة(2) الظاهرة فی حرمة  القاء النفس بالتهلکة بترک الانفاق فی سبیل الله عزوجل فلا شک فی وجوب مقدماته عقلاً کما هو واجب مقدمةً لاداء نفقة عیاله و اما ما ورد من ان الکاد علی عیاله کالمجاهد فی سبیل الله کما فی صحیح الحلبی(3) و ان الذی یطلب من فضل الله ما یکف به عیاله اعظم اجراً من المجاهد فی سبیل الله کما فی صحیح زکریا بن آدم(4) و غیرهما(5) فاجنبنی عن الدلالة علی الوجوب بل مصبها فضیلة الطلب و ثوابه و مثلها فی عدم الدلالة ما ورد من انه (ملعون من القی کله من الناس) کما فی خبر علی بن

ص:240


1- النساء: ایة 29
2- البقرة: ایة 195
3- الکافی ج5ص88 باب13 من ابواب المعیشة ح/1
4- الکافی ج5ص88 باب13 من ابواب المعیشة ح/2
5- الکافی باب13 من ابواب المعیشة ح/8 و الاخیر

غراب(1) و انه (استعینوا ببعض هذه علی هذه و لا تکونوا کلولاً علی الناس) کما فی خبر القاسم بن الربیع(2) و ظاهرها الارشاد کما هو واضح.

و اما المستحب فلصلة الارحام و التوسعة علی العیال و اعانة الاخوان و التمکن من الحج و العمرة و نحو ذلک کما فی صحیح عبدالله بن ابی یعفور عن الصادق (علیه السلام) (قال رجل له: و الله انا لنطلب الدنیا و نحب ان نؤتاها فقال: تحب ان تصنع بها ماذا؟ قال: اعود بها علی نفسی و عیالی و أصل بها و اتصدق بها و احج و اعتمر فقال (علیه السلام) لیس هذا الا طلب الاخرة)(3) و غیره.(4)

و اما الحرام فقد تقدم الکلام فیه.

و اما المکروه: فما کان مکسبه حرصاً علی الدنیا ففی خبر الشعیری عن الصادق (علیه السلام) (من بات ساهراً فی الکسب و لم یعط العین حظها من النوم فکسبه ذلک حرام)(5) و فی خبر مسمع بن عبدالملک عنه (علیه السلام) (الصناع اذا سهروا اللیل کله فهو

ص:241


1- الکافی باب3 من ابواب المعیشة ح/7
2- الکافی باب3 من ابواب المعیشة ح/6 و مثلهما ح/10 عن مسعدة بن صدقة و فیه (و لا تکسل عن معیشتک فتکون کلاً علی غیرک).
3- الکافی ج5ص72 باب3 من ابواب المعیشة ح/10
4- الکافی ج5ص72 ح/5 و باب4 ح/2 و ح/8 و ح/10 و ح/14
5- الکافی ج5ص127باب42 من ابواب المعیشة ح/6

سحت)(1) و لا یخفی ان الحرمة و السحت فیهما محمول علی الکراهة الشدیدة و الّا فهما معرض عنهما مضافا لضعف سندیهما.

و من المکروه السفر للتجارة الی ما فیه خطر الهلاک إو عدم التمکن من اداء الوظیفة الشرعیة ففی صحیح محمد بن مسلم عن الصادق و الباقر (علیه السلام) (کرها رکوب البحر للتجارة)(2) و فی معتبر علی بن اسباط عن الرضا (علیه السلام) عن النبی صلی الله علیه واله (ما اجمل فی الطلب من رکب البحر)(3) و فی صحیح محمد بن مسلم عن الباقر (علیه السلام) (فی رکوب البحر للتجارة یغرر الرجل بدینه)(4) و فی معتبر حسین ابی العلاء عن الصادق (علیه السلام) ( ان رجلاً اتی ابا جعفر (علیه السلام) فقال انا نتجر الی هذه الجبال فنأتی منها علی امکنة لا نقدر ان نصلی الا علی الثلج فقال: الا تکون مثل فلان یرضی بالدون و لا یطلب تجارة لا یستطیع ان یصلی الا علی الثلج)(5).

و اما المباح فقد تقدم  هذا بالنسبة الی تقسیم نفس التجارة و اما موضوعها فقد تقدم تقسیم المصنف له الی ثلاثة اقسام «الی محرم و مکروه و مباح» و اتی لکل قسم بما یخصه و لم یذکر المستحب مع انه فیه المستحب فمنه الزرع و الغرس و

ص:242


1- الکافی ج5ص127 باب42 من ابواب المعیشة ح/7
2- الکافی ج5ص256 باب122 من ابواب المعیشة ح/1
3- الکافی ج5ص256 باب122 من ابواب المعیشة ح/3 و مثله ح/2.
4- الکافی ج5ص257 باب122 من ابواب المعیشة ح/4
5- الکافی ج5ص257 باب122 من ابواب المعیشة ح/6 والظاهر ان محمد بن علی الذی فی سنده هو ابن محبوب فالسند معتبر .

الحرث کما دلت علیه المستفیضة منها: خبر محمد بن عطیة عن الصادق (علیه السلام) ( و ان الله تعالی اختاره لانبیائه الحرث و الزرع کیلا یکرهوا شیئاً من قطر السماء)(1) و خبرسیابة عنه (علیه السلام) سأله رجل فقال: أسمع قوماً یقولون ان الزراعة مکروهة فقال له( ازرعوا و اغرسوا فلا و الله عمل الناس عملاً احب و لا اطیب منه و الله لیزرعن الزرع ولیغرسن النخل بعد خروج الدجال)(2) و خبر فی مسمع عنه (علیه السلام) (لما هبط بآدم الی الارض احتاج الی الطعام و الشراب فشکا ذلک الی جبرئیل فقال له: کن حرّاثا )(3) و غیرها (4).

هذا و من مکروه التجارة جعل نفسه اجیراً کما فی خبر المفضل بن عمر عن الصادق (علیه السلام) ( من آجر نفسه فقد حظر علی نفسه الرزق)(5) و غیره(6) و لا ینافیها خبر ابن سنان عن ابی الحسن (علیه السلام) سألته عن الاجارة فقال: صالح لا بأس به اذا نصح قدر طاقته قد آجر موسی (علیه السلام) نفسه و اشترط ...)(7) و ذلک لکونه فی مقام بیان وظیفة الاجیر.

ص:243


1- الکافی ج5ص260 باب125 من ابواب المعیشة ح/1
2- الکافی ج5ص260 باب125 من ابواب المعیشة ح/3
3- الکافی ج5ص260 باب125 من ابواب المعیشة ح/4
4- الکافی ج5ص260 باب125 من ابواب المعیشة ح/5 و ح/6 و ح/الاخیر.
5- الکافی باب16 من ابواب المعیشة باب کراهیة اجارة الرجل نفسه ح/1
6- الکافی باب16 من ابواب المعیشة باب کراهیة اجارة الرجل نفسه ح/ الاخیر.
7- الکافی باب16 من ابواب المعیشة باب کراهیة اجارة الرجل نفسه ح/ 

و من المکروه بیع العقار و الدیار  بدون تبدیلها بمثلها ففی معتبر ابان بن عثمان قال: «دعانی جعفر (علیه السلام) فقال باع فلان ارضه فقلت نعم فقال: مکتوب فی التوراة انه من باع ارضاً أو ماء وَ لَمْ یَضَعْ ثَمَنَهُ فِی أَرْضٍ وَ مَاء ذهب ثمنه محقاً)(1) و فی خبر هشام بن احمر عن الکاظم (علیه السلام) (ثمن العقار ممحوق الّا ان یجعل فی عقار مثله)(2) و غیرهما(3).

حصیلة البحث:

المکروه من المکاسب: فکالصّرف و بیع الأکفان و الرّقیق و احتکار الطّعام و الذباحة  و الحجامة و ضراب الفحل و کسب الصّبیان و من لا یجتنب المحرّم. و المباح من المکاسب: ما خلا عن وجه رجحانٍ و عن وجه مرجوحیة. و المستحب کالزرع و الغرس و الحرث.

و التّجارة تنقسم بانقسام الأحکام الخمسة. فمن الواجب ما یضطر الیه الانسان لمؤونته و مؤنة عیاله الواجبی النفقة علیه, و من المستحب صلة الارحام و التوسعة علی العیال و اعانة الاخوان و التمکن من الحج و العمرة و نحو ذلک, و من المکروه السفر للتجارة الی ما فیه خطر الهلاک إو عدم التمکن من اداء الوظیفة

ص:244


1- الکافی ج5ص91 باب18 من ابواب المعیشة ح/3
2- الکافی ج5ص92 باب18 من ابواب المعیشة ح/6
3- الکافی باب 18 من ابواب المعیشة ح/4 و ح/5 و ح/7 و ح/الاخیر.

الشرعیة, من مکروه التجارة جعل نفسه اجیراً و من المکروه ایضا بیع العقار و الدیار  بدون تبدیلها بمثلها, و اما الحرام و المباح فقد تقدم الکلام فیهما.

ص:245

الفهرس

المقدمة فی باب العقود 3

مفهوم الملک. 3

المصادر الاولیة للملک. 4

ملکیة الاعمال. 5

مالکیة الجهات. 7

مفهوم المال. 9

مفهوم الحق. 9

(کتاب المتاجر) 14

یجوز بیع ابوال الابل. 18

ما المراد من حرمة بیع المسکر؟ 35

بیع العصیر العنبی. 35

بیع المسوخ. 37

بیع الکافر 37

بیع الدهن المتنجس.. 38

بیع الشیء مع قصد الحرام. 38

هل التسبیب حرام؟ 39

حکم من قدم طعاماً مملوکاً لغیره 41

حکم تشبه الرجال بالنساء و بالعکس.. 59

حکم الهدیة. 74

اجرة القاضی. 76

حکم المحاباة 78

حکم السید و الوالد و المعلم. 83

حکم معاملات الغش.. 91

مفهوم الغناء. 95

مستثنیات الغناء. 101

ص:246

حرمة مطلق اللهو و الباطل. 104

حرمة استعمال آلات اللهو 105

حرمة اذاعة سر المؤمن. 112

کفارة الغیبة و تدارکها 115

مستثنیات الغیبة. 117

غیبة المضیّف. 126

جواز الاشتکاء و عدمه. 126

فائدة مستفادة من قصة الخضر (علیه السلام) ..... 131

وجوب الردع عن الغیبة. 133

حرمة البهتان. 134

اصالة الصحة. 135

القمار 138

القیادة 145

الکذب الهزلی. 149

التوریة. 152

مسوغات الکذب. 154

وعد الزوجة. 161

هل یجب تقبل ولایة الجائر؟ 181

حدود التقیة. 188

اخذ الاجرة علی الطواف. 199

و هل یحرم بیع المصحف؟ 203

بیع المصحف من الکافر 204

جوائز السلطان بل مطلق المال المأخوذ منه. 205

حکم ما یأخذ من السلطان. 209

حکم ما لو ظهر المالک. 224

تقبل اراضی الانفال او مجهولة المالک. 230

شرائط الارض الخراجیة. 234

ص:247

(خاتمة) 236

تنقسم التجارة بانقسام الاحکام الخمسة. 241

الفهرس.. 247

ص:248

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.